لماذا فينيسيا وليس الأونيسكو؟ كاد هذا السؤال يكون الأبرز في همسات رواد المؤتمر التربوي أمس. لم يفهم المشاركون لماذا قررت وزارة التربية صرف مئات آلاف الدولارات في فندق فخم، فيما أبواب «القصر» مفتوحة أمامها. حجّة الوزير الياس بو صعب أن الوزارة لم تدفع قرشاً واحداً، وكأن هذا هو المقصود وليس «التبذير» بمعزل عن مصادر التمويل. لم يكتف بو صعب بهذه الحجّة، بل قصد الاحتفاء الرسمي بالراعين الماليين للمؤتمر بإعطائهم دروعاً تكريمية. ولم يتردد في الإعلان على الملأ أن خصمه في السياسة وزير الاتصالات بطرس حرب منع إحدى شركات الاتصالات من المساهمة في تمويل المؤتمر، ما عزز فرضية البعض في أن يكون الهدف من المؤتمر البروز الإعلامي والسياسي أكثر منه تربوي.
الغائب الأكبر عن «التظاهرة» كان التفتيش التربوي الذي دُعي إلى المؤتمر للحضور لا لإبداء الرأي في أحوال قطاع يراقب مخالفاته الكثيرة، ما دفعه إلى مقاطعة المؤتمر.
لم يجد المعنيون بالتعليم والتربية جديداً في التشخيص الذي سمعوه من خبراء ومحاضرين عن واقع التعليم الرسمي والامتحانات الرسمية والمناهج، لكنهم تمنوا لو يغمضون أعينهم للحظات ويتخيلون ترجمة حماسة الوزير إلى حلول لأزمة عمرها سنوات طويلة، وأن لا تكون المؤتمرات «حكي بحكي».
هل تقيس الامتحانات مدى تحقيق الطلاب للمعارف والمهارات؟
يصعب أن يصدقوا تصريحاً مثل أنّ «المؤتمر يشكل ورشة عمل كبرى ستتحول قراراتها وتوصياتها إلى مشاريع مراسيم وقوانين ترفع إلى المؤسسات الدستورية، وستتخذ إجراءات جريئة لمعالجة مواضيع ملحة مثل إقرار التعليم الإلزامي في مرحلة الروضة ومعالجة الضعف المستفحل في مستوى التعليم الأساسي وإعداد معلمين بطرائق جديدة وتبسيط لغة الكتب من خلال ورشة تطوير المناهج لتصبح تفاعلية تساعد التلامذة على البحث والإبداع وتبعدهم عن الحشو والتلقين». مع ذلك، فإن هذا الكلام يجب أن يتحول، برأي البعض، إلى ممسك لمحاسبة المسؤول في ما بعد.
هم باتوا ينتظرون ماذا سيفعل الوزير لترجمة كلامه المتكرر عن أهمية إعطاء المعلمين رواتب تحفظ الحد الأدنى من كراماتهم. يترقبون خطته المبيتة للامتحانات الرسمية التي لا يعلمون حتى الآن الكثير عن ملامحها. الوزير اكتفى بالقول في هذا الخصوص إنّ «الامتحانات الرسمية تصيب الطلاب بالكآبة، ولا يوجد بلد في العالم يُمتحَن فيه تلامذة المرحلة الثانوية بثلاث عشرة مادة».
«العدوان سياسي على المدرسة الرسمية»، هذا ما قاله الباحث التربوي عدنان الأمين. بالنسبة إليه، لم يبدأ التراجع مع النزوح السوري ولا يتعلق بقلة الموارد وغياب الخطط الاستراتيجية (فقد وُضعت 4 خطط بقيت من دون تنفيذ)، بل بتشريع على قاعدة الغموض صدر في عام 2001 في عهد وزير التربية السابق عبد الرحيم مراد يجيز للمعلمين الالتحاق بالتعليم من طريق الزواريب وإذلالهم واستتباعهم بالسياسة من خلال التعاقد، فيما يجب إصدار تشريعات وقوانين تحمي المدرسة الرسمية، ومنها قانون يفرض حيازة شهادة جامعية في العلوم التربوية وتنظيم مباراة سنوية للتعيين حسب الحاجة.
التدخل السياسي تطرق إليه أيضاً المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات الباحث الاقتصادي كمال حمدان لدى الحديث عن التوسع في تشييد المدارس الرسمية لمصالح زبائنية ومكاسب انتخابية. في المقابل، انخفض الالتحاق بالتعليم الرسمي في السنوات الأخيرة، بحسب حمدان، بنسبة 31%، في وقت لا يتجاوز فيه إنفاق الدولة على التعليم ثلث ما ينفقه المجتمع، أي 2 % من الناتج المحلي. طالب حمدان بالتراجع التدريجي عن بدعة منح التعليم التي تمثل ربع إجمالي المال العام المنفق على القطاع وإلغاء التعليم المجاني، إذا كانت هناك نية فعلية للنهوض بمستوى التعليم الرسمي.
مديرة مكتب التقويم والبحث المؤسساتي في الجامعة الأميركية في بيروت كرمى الحسن سألت ما إذا كانت الامتحانات الرسمية تقيس مدى تحقيق الطلاب للمعارف والمهارات المطلوبة وما إذا أجريت دراسة لرصد مدى توافقها مع المناهج وهل يمكن أسئلة انتاجية تحريرية أن تقيس الأهداف المتنوعة للمنهج وماذا عن تماشيها مع التقويم العالمي؟ وهل هناك مرجعية علمية وفنية تضع سياسة للامتحانات، أم أن مهمات إدارتها مشتتة وموزعة على عدد كبير من الأفراد؟
وفي مواقف الروابط التعليمية من الامتحانات، برز رأيان متناقضان عبّر عن الأول رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي محمود أيوب، وفيه صورة زهرية عن استحقاق «يعكس بدقة المادة الواردة في المنهج ويضبط بصورة جيدة من دون فرض إجراءات بوليسية، فيما تمنع إجراءات الأمان المعتمدة أي إمكانية لتسريب الأسئلة». أيوب حذر من أي محاولة لإلغاء شهادة البريفيه.
أما رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي عبدو خاطر، فتناول مظاهر الخلل وعدم الانضباط وتفشي ظاهرة الغش وعدم وجود أسس واضحة في تعيين المدققين وترك اختيار لجان وضع الأسئلة لمزاجية واستنسابية مقرر اللجنة والاحتكام إلى مقاييس يغلب عليها طابع المحسوبيات والعلاقات الفردية. الأهم أنّه شدد على إبقاء الامتحانات الرسمية والمراقبة والتصحيح بيد التعليم الرسمي، «لكي لا نفقد السيطرة عليها، إذ لا سلطة للقطاع العام على أساتذة القطاع الخاص، وبالتالي رفض لفكرة خصخصة الامتحانات».