قبل نحو سنة سيطرت الفصائل المسلّحة في سوريا على معبر «البوكمال» وعلى بعض الطرق الأساسية التي تربط المدن السورية بالمعابر الحدودية مع العراق والأردن، فانقطعت حركة التجارة البرية بين لبنان والعراق ودول الخليج. في عام 2013 أيضاً وللأسباب نفسها، توقفت حركة التصدير البرية من لبنان إلى دول الخليج لمدّة 15 يوماً. يومها صدّر المنتجون اللبنانيون عن طريق البحر وبواسطة عبّارات رورو لنقل الشاحنات التي تحمل السلع، لكنّ المصدّرين تراجعوا عن استعمال الخط البحري بعدما «اكتشف» المعنيون في لبنان وسوريا أن هناك طريقاً بريّاً يمرّ عبر السويداء يمكن سلوكه برغم أنه يزيد فترة الرحلة لأكثر من أربع ساعات.
المصدرون اللبنانيون كانوا لا يزالون يفضّلون التصدير برّاً نظراً إلى كلفته المتدنية التي كانت تراوح بين 2500 دولار و3000 دولار قبل الأزمة السورية، وبرغم أنها ارتفعت إلى نحو 5000 دولار أثناء الأزمة بسبب ارتفاع كلفة التأمين ودفع الرشى لقطّاع الطرق وعلى بعض المعابر، إلا أنهم استمروا في استعمال الخط البري المعتادون عليه.
اليوم أصبح الأمر مختلفاً بعدما باتت الطرقات والمعابر «غير آمنة» لجهة عمليات الخطف والاحتجاز التي قد تنجم عن تطوّر الاحداث وتسارعها على الصعيد العسكري والأمني. المصدرون اللبنانيون من زراعيين وصناعيين، لم يعودوا راغبين في الاعتماد على الخطّ البرّي حتى لو كان متاحاً للعبور، ما أطلق عملية البحث، مجدداً، عن الخطّ البحري. مشكلة هذا الخط أن كلفة الشحن عليه أعلى من كلفة الشحن البرّي، في وقت أن كلفة الإنتاج المحلية مرتفعة، وبالتالي قد تتعرّض البضائع اللبنانية لنكسة اضافية بسبب أسعارها المرتفعة. وما زاد الأمور سوءاً أن انخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدولار بالتزامن مع العقوبات التي فرضتها روسيا على الصادرات الأوروبية، دفع البضائع الأوروبية نحو أسواق الخليج بكلفة إنتاج متدنية وتنافسية جداً.
هكذا علا صراخ المنتجين المحليين مطالبين بدعم الفرق بين كلفة النقل البري والنقل البحري إلى دول الخليج. في هذا المجال برزت مشكلتان؛ الأولى أن هناك مبالغة من المصدرين المحليين في الحديث عن الفرق بين الكلفتين، وهذا الأمر ناجم عن سعيهم، كما من سبقهم، للاستفادة من آليات الدعم، للغرف من المال العام قدر ما يتاح لهم، ففيما يزعم المصدرون أن الفرق يبلغ 3000 دولار عن كل شحنة، تشير الدراسات الاولية التي تعدّها المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات «إيدال» إلى أن الفرق يجب ألّا يتخطى ألف دولار لكل شحنة وربما أقل إذا كانت دراسة الخط البحري دقيقة.
المشكلة الثانية، أن فتح خطّ بحري غير مستدام يزيد كلفة النقل البحري بسبب هواجس الوكلاء البحريين من استعمال هذا الخط لفترة زمنية محدودة ثم الاستغناء عنه بعد إعادة فتح الخطوط البريّة.

رسم العبور في قناة السويس يبلغ 100 ألف دولار على كل عبارة في كل عبور لها


وبحسب دراسة «إيدال»، فإن حصّة الشحن البري من مجمل عمليات الشحن الزراعية كانت تبلغ 94% في عام 2011 ثم انخفضت إلى 81% في عام 2012 و68% في عام 2013 و71% في عام 2014. أما حصّة الشحن البحري، فكانت 5% في 2011 وارتفعت إلى 17% في 2012 و29% في 2013 و27% في عام 2014. أما عدد الشاحنات التي تذهب إلى دول الخليج برّاً، فهي تصل إلى 10206 شاحنات سنوياً، وهي تتوزّع موسمياً على اشهر السنة. العدد الأقل من الشاحنات يذهب بين كانون الثاني ونيسان، والعدد الأكبر بين حزيران وكانون الأول. المعدّل اليومي لعبور شاحنات التصدير البرية، يصل إلى ذروته في شهري آب وأيلول، فيصل عدد الشاحنات إلى 42 شاحنة و50 شاحنة يومياً وهذا ناتج من نضج مواسم الحمضيات والفاكهة الصيفية وبعض أنواع الخضر، يليها الموز في تشرين الأول. أما الحدّ الأدنى للشاحنات فيراوح بين 15 و24 شاحنة يومياً خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني وأيار. هذا يعني أن المشكلة التي يعانيها المصدرون المحليون لم تصل إلى ذروتها بعد، وأن هناك إمكانية للمعالجة.
إذاً، كيف تبدو الاستعدادات لتأسيس خطّ بحري؟ في الواقع، يؤكد رئيس مجلس إدارة «إيدال» نبيل عيتاني إن العمل جاء على تحفيز فتح الخط الأقل كلفة. التصدير بواسطة عبّارات تنقل الشاحنات المحملة بالبضائع من لبنان يصطدم بأمرين؛ الأول هو أن رسم العبور في قناة السويس يبلغ 100 ألف دولار على كل عبارة في كل عبور لها، أي إن كلفة الذهاب والإياب تبلغ 200 ألف دولار، لكن هناك طريقة بديلة تتطلب إنزال الشاحنات في مرفأ بور سعيد وعبورها برّاً إلى أحد الموانئ التي تنقل إلى الإمارات بواسطة عبارات يومية كلفتها متدنية، لكن هذا الأمر يتطلب أن يجري الاتفاق مع السلطات المصرية لإعفاء الشاحنات من رسم العبور برّاً. هذا الأمر يعالج مشكلة الذهاب إلا أنه لا يعالج مشكلة الإياب، سواء كانت الشاحنات محملة بالبضائع أم فارغة، «ولا يمكن المخاطرة بأن يُحتجز السائقون وشاحناتهم مرّة جديدة بل يجب تأمين الإياب من خلال استحداث خطّ مستدام تعمل فيه عدد من العبارات على أن يحصل السائقون على تذكرة ذهاب وإياب».
عند هذا الحدّ تبدو الكلفة مرتفعة، نظراً إلى أن شركات الشحن البحري ستخصص عبارات برحلات محددة مسبقاً على خط لبنان ــ بورسعيد. إلا أن الفرق بين الكلفتين، والذي تدرسه حالياً «إيدال» بعدما استقدمت عروضا من شركات الشحن البحري والبرّي، لا يتوقع أن يراوح بين 700 دولار وألف دولار على كل شاحنة.




مشكلة تخليص البضائع

أقرّ وزير المال علي حسن خليل بأن الإجراءات الجمركية أدّت الى تأخير خروج مستوعبات وحصول إرباك في انتظام توريد واستيراد بعض المواد الأولية وتأثر بعض القطاعات التجارية، «ولكن في المقابل كان هناك تضخيم كبير لبعض النتائج السلبية، ولم يكن قد مضى أكثر من تسعة أيام على بدء الإجراءات الجديدة، حتى ذهب أحدهم الى الادعاء أن مستوعباته مضى عليها شهران في المرفأ... هناك بعض الناس يحاول أن يعكس مظلومية غير موجودة».
كلام خليل جاء خلال لقاء دعا اليه رئيس غرفة بيروت محمد شقير، تحت عنوان التداول بـ»آخر المستجدات المتعلقة بتخليص البضائع في مرفأ بيروت»، وقال خليل «اضطررنا إلى اتخاذ اجراء جديد، أقره المجلس الأعلى بعد مناقشته معكم سابقاً، ويقضي بالتحويل الى المسار العشوائي لما بين 40 و45% من المستوعبات»، وأضاف «قريباً ستزداد النسبة»، موضحاً أنه لم يعد في المرفأ سوى 600 حاوية فقط، وأكد أنه من اليوم ولغاية مطلع الأسبوع المقبل لن يكون هناك أي تراكم لأي مستوعب في مرفأ بيروت، وأي مستوعب لن يبقى أكثر من عشرة أيام دون الكشف عليه وإنجاز إجراءاته».
إلا أن شقير قال «إن المستوعبات ما زالت تتكدس في المرفأ، مع ما يرتب ذلك من زيادة التكاليف على المستوردين (رسوم مختلفة في المرفأ)، وبالتالي زيادة أعباء على المواطنين، إضافة الى إرباكات في دورات التجار المالية، ما ينعكس سلباً على إنتاجية الاقتصاد وتنافسيته»، مشيراً الى أن «عدد الشكاوى التي نتلقاها يومياً في هذا الإطار في ازدياد، والأخطر من ذلك أن هناك شكوى حقيقية من فقدان سلع كثيرة من المستودعات والأسواق».
كذلك، لفت رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الى أن القطاع التجاري لديه حساسية من ثلاثة أمور: الجمارك، تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة الضرائب. وقال «نريد أن يعود معدل انسياب المستوعبات من المرفأ الى 800 مستوعب في اليوم».