لا يكاد يمرّ يوم واحد، من دون أن يبادر مسؤول إيراني إلى تصريح ساخن ضد العدوان السعودي على اليمن. إلا أننا لا نسمع سوى صوت الصمت الإيراني الرهيب، إزاء الغزو التركيّ لشمالي سوريا؛ هذا الصمت، ودوافعه المعقدة في العلاقات الثنائية الودية بين طهران وأنقرة، يشكّل مساحة سياسية للتحرك العسكري الأمني التركي العلني في إدلب وريفها وجسر الشغور، في الأيام الصعبة التي تعيشها سوريا منذ أكثر من أسبوع. المخابرات التركية تعمل الآن على ثلاثة مستويات غير مسبوقة.
أولاً، وحّدت، انطلاقاً من التحالف المستجد مع السعودية، الجماعات الإرهابية في المنطقة المستهدَفة، وفي مقدمتها جبهة «النصرة» المرتبطة بـ «القاعدة». و»النصرة»، كما هو معروف، مدانة دوليا بكونها منظمة إرهابية. ولكنها، مع ذلك، تحصل على امدادات سخية من صواريخ «تاو» الأميركية الصنع، والفعالة في مواجهة الدروع. ثانياً، استقدام ما لا يقل عن خمسة إلى سبعة آلاف مقاتل مدرّب تدريباً عالياً من المجموعات المقاتلة المرتبطة مباشرة بالمخابرات التركية. وهي مؤلفة من إرهابيين شيشان وسواهم من آسيا الوسطى، جلبهم الأتراك إلى ميادين القتال في تدفق منظم ومكثف. ثالثاً، تقديم الدعم الاستخباري واللوجستي للمهاجمين، بما في ذلك إدارة العمليات الحربية من قبل ضبّاط أتراك وسعوديين وقطريين وإماراتيين وحمساويين الخ.
الغزو التركي مكشوف بالعين المجرّدة. ومع ذلك، لم تنبس طهران بكلمة واحدة نحوه. وللتذكير، فهي التزمت الصمت، أيضاً، عند قيام الأتراك، العام الماضي، بغزو مماثل لمنطقة كَسَب الحدودية. تركيا الأردوغانية تواصل مشروعها العثماني الاستعماري في سوريا، وتتقدم، نحو تحقيقه، بخطوات نوعية وعلنية، بينما ينأى الإيرانيون بأنفسهم عن المشهد، ملّحين على عدم الخوض في أي اشتباك مع أنقرة. وهذا درس جديد على الوطنيين العرب أن يتعلّموه. فالدول، مهما بلغت سياساتها من المبدئية، تظل، في النهاية، أسيرة لمصالحها؛ فتركيا هي شريك اقتصادي رئيسي لإيران المحاصرة، وستتحوّل، بعد فك الحصار، إلى الشريك الأول في الاستثمارات والتجارة المشتركة. وإلى ذلك، وأهمّ منه، أن الأتراك، في انسجام مع المطلب الإيراني، نأوا بأنفسهم عن المشاركة في العدوان السعودي على اليمن. ولعل الصراع في وعلى اليمن، يحظى، عند الإيرانيين، اليوم، بالأولوية المطلقة، ربما بسبب تداعياته الممكنة في استنزاف السعودية، العدو رقم 1 لإيران في المنطقة.
لا ندعي، بالطبع، أن هناك تواطؤاً إيرانياً ــــ تركياً في تسهيل غزوة الاتراك في الشمال السوري، كما إننا على قناعة، معززةً بالمعطيات، حول استمرار الدعم العسكري والاقتصادي للدولة السورية (وإنما ليكن، واضحا، أن معظم ذلك يتم بشروط تجارية، بما فيها من رهن لأراض وعقارات حكومية، مقابل الديون). المسألة ليست هنا، ولكنها تكمن في حصول الأتراك على فرصة للتدخل السافر في سوريا، باستغلال الفراغ السياسي الحاصل، جراء التحالف مع السعودية وقطر، كما جرّاء التحسّن الملموس في العلاقة مع طهران، وآفاقها اللاحقة، وبصورة خاصة ابتعاد تركيا عن تكوين حلف «سنّي» معاد لإيران في الشرق الأوسط. على أن كل ذلك، يظل مرتبطاً بمصالح الطرفين، وبالمدة الباقية للتوقيع النهائي على صفقة النووي.
سنلاحظ أن إيران امتنعت، بصورة لافتة، عن المشاركة في الحملة السياسية ــــ الإعلامية، الخاصة بإنكار عملية الإبادة الأرمنية التي ارتكبها الأتراك بحق مليون ونصف مليون أرمني، العام 1915؛ السياسات الإيرانية المعلنة، تؤكد، دائماً، وقوفها المبدئي إزاء المظلوميات. لكن مظلومية الشعب الأرمني ــــ الأقسى في التاريخ الحديث ــــ لم تحظ بأي تعليق إيراني. وهو ضرب من المعايير المزدوجة، تماماً مثلما حدث مع إدانة الرئيس محمود عباس لأنه أيّد العدوان السعودي على اليمن، بينما ساد الصمت إزاء قيام «حماس» بالفعل نفسه.
روسيا، في المقابل، تذكرت الإبادة الأرمنية، وشارك الرئيس فلاديمير بوتين في الاحتفال المئوي لوقوعها. وقد أدى ذلك إلى تعليقات استفزازية ضد روسيا من لدن المسؤولين الأتراك، وحتى التلويح ــــ الوقح ــــ بالانضمام إلى الحملة الغربية ضد استعادة الروس لمنطقة القرم. وهو تهديد يشتمل على شيء من الجدية، مقارنة بالدعوة إلى تصفية الحساب مع بابا الفاتيكان، حول طرد الاسبان، المسلمين واليهود من الأندلسّ! روسيا، على خلاف إيران، تتبنى نهجاً منتظماً ومحدداً في دعم سوريا، سياسياً واقتصادياً ودفاعياً. سوريا تشكل أولوية للروس الذين لا يشاركون الإيرانيين، الحماسةَ نفسها لليمن، ويواصلون مساعي دبلوماسية لحل سياسي لم تتضح معالمه في ما يتصل بالأزمة السورية.
القوات المسلحة السورية ــــ التي أثبتت كفاءة وبطولة غير مسبوقتين خلال أربع سنوات من حرب ضروس ــــ ليست في وارد الاستسلام أو الانكفاء. كما أن القيادة السورية ليست في وارد تقديم تنازلات تمس السيادة السورية ونهجها السياسي، تحت أي ضغطٍ كان ولكن الجيش السوري ــــ الذي كان لصموده الفضل في تحسين شروط دخول روسيا في النظام الدولي المتعدد الأقطاب، والفضل الأكبر في تمكين إيران من توسيع دورها الإقليمي، وامكانية حصولها على اتفاق نوويمعقول، وتمتعها برفع العقوبات الدولية عنها، هو، أي ذلك الجيش الباسل، حصان أصيل يجرّ، وراءه، وحيداً، عربات محور المقاومة كلها؛ لا تتركوا الحصان وحيداً!
15 تعليق
التعليقات
-
مقاومة و موضوعية هذا ما نحتاجمقاومة و موضوعية هذا ما نحتاج اليه شكرا لصاحب المقال لقد شفيت غليلي ايران ارتكبت الكثير من الأخطاء في حق المحور الذي تنتمي اليه
-
ايران لا يهمها الا مشروعهاايران لا يهمها الا مشروعها الفارسي لا السيد بشار وعلى الأمين حسن. وخير دليل غض النظر عن تركيا وكيف تعمل في الشمال السوري؟ اذا الدعم مشروط وبمقابل رهن عقارات حكومية سوريه؟ اذا هذا ليس دعم صديق؟؟ وكيف يكون صديقاً وهو بمقابل
-
ايران لن تترك سورياانا اتعجب من الكاتب انه لم يضع بالاعتبار ان ايران تمشي على خيط رفيع خوفا من ضربة غربية. و الحصار الاقتصادي لسنين ووو ومع ذلك واقفة مع سوريا و لولاها و لولا صمود الجيش السوري البطل لمل ظلت سوريا الان انها حرب عالمية ثالثة يا ناس و العواطف ممنوعة. و العتب كل العتب على اغلبية الشعوب العربية الجاهلة ذات الدين الذي يدمر الاوطان في سبيل كذبة صدقوها على مر سنين
-
سورياالجيش السوري ــــ الذي كان لصموده الفضل في تحسين شروط دخول روسيا في النظام الدولي المتعدد الأقطاب، والفضل الأكبر في تمكين إيران من توسيع دورها الإقليمي، وامكانية حصولها على اتفاق نوويمعقول، وتمتعها برفع العقوبات الدولية عنها،!!!!!!! غريب امرك !!! فقط القليل من الإنصاف يا سيدي !!!!
-
مرج دابق جديدةالايرانيون والاتراك والمنطقة يسيرون نحو مرج دابق جديدة مؤجلة وكل ما يجري اليوم هو اعداد لها ..ولذلك لا تريد طهران الدخول في معركة فرض توقيتها وادواتها الخصم حتى ولو كانت على اقرب الحلفاء ففي الطريق الى الاستراتيجيات الكبرى يسقط على الطريق الكثير من الاصدقاء
-
أبلغ جواب للمشككين بمتانة التحالف المقاومإيران تعلن عزمها تدشين خط بحري مباشر مع سوريا لزيادة التبادل التجاري بين البلدين
-
العلاقة الإيرانية السوريةالعلاقة الإيرانية السورية ناهزت الثلاثين عامآ ومرت بقطوع عديدة،هناك ما يشبه حالة الصمت الإنتخابي تسيطر على المشهد وتوحي بزيادة تعقيده،أعتقد من الناحية الاستراتيجية لمم يتغير شيء في قوة هذه العلاقةـ
-
سوريا؛ لا تتركوا الحصان وحيداًمع كامل احترامي لكاتب المقال لكن ايران لم تترك سوريا يوما، و لن تتركها و هي تقدم الشهداء بشكل شبه يومي على الأرض السورية، ثم أن وليد المعلم نفسه اعترف بالدعم المالي و الاقتصادي المباشر من الحكومة الايرانية. و الدعم العسكري غير خاف على أحد بمختلف الطرق، أرجو أن لا تأخذنا العواصف و لا نتأثر بالحرب الاعلامية المغرضة فعندما يتحدث أمثال الأستاذ ناصر بهذه الطريقة و نرى مثل هذه التعليقات هذا يعني أن حربهم الاعلامية بدأت تأتي ثمارها. و أخيرا عبارة ( حصان أصيل يجرّ، وراءه، وحيداً، عربات محور المقاومة كلها؛ لا تتركوا الحصان وحيداً!) فأين دور حزب الله و القوات الأفغانية و العراقية التي قدمت مئات الشهداء. انها حرب عالمية في سورية و الصمود فقط مفتاح النصر و الحرب النفسية أمر رئيسي فيها. فلا تخسروا هذه الحرب
-
لا عزاء لسورياكنا نقول من البداية ان ايران تتصرف وفق مصالحها بالمنطقة ونحن من نؤيد محور المقاومة نقول ايضا ..لو ارادت ابران من السنة الاولى للحرب بالضغط على نركيا وغيرها .. لانتهت الحرب منذ ذاك الحين ايران لا تريد سوريا ندا في الساحة الدولية... وها هي مجرد اشارة انكفئت انقرة عن التبجح اتجاه اليمن شكرا على مقالك الرائع والصريح واتمنى ان يحذو حذوك الاستاذ سامي كليب
-
حرية التعبير مفيدة جدا فيحرية التعبير مفيدة جدا في توسيع افق التفكير في المجتمع العربي، ولكن مع الاسف لسبب ما، لا يخلوا من النفاق في مكان ما لغاية في نفس يعقوب. من المعروف جدا ان ايران لم ولن تتنازل عن من دعموها في عالمها السياسي المقاوم، والعدو قبل الصديق يشهد بوفاء ايران،الدولة الاسلامية، لهذه الحقيقة ... الحقيقة المفيدة هي ان الدبلوماسية الايرانية تتقن لعبة الشطرنج على انها لعبة واحده ...
-
ناهض حتر..انت محلّّل سياسيناهض حتر..انت محلّّل سياسي رفيع المستوى ودقة قرائتك الوضع السوري رائعة دقيقة صادقة ومدهشة ..حمى اللهُ سوريا الاسد من كل ضيم
-
لقد شعرت بدالك عندما بدالقد شعرت بدالك عندما بدا اوباما بمدح ايران والدفاع عنها شعرت انا سوريا بقيت وحيدة يجب على سوريا ان تمطر إسرئيل بالصواريخ. عليا وعلى اعدئي يا رب
-
هذه ليست معركة , يا أستاذ ناهضهذه لعبة شطرنج عسكرية , إن نسبة التعقيد في معادلة الصراع حالياً في العالم كله , ليس لها مثيل في تاريخ البشرية , لو كان هذا فيلماً سينمائياً , لكانت حبكة الفيلم أشبه بعقدة حبال الكشافة التي لا يمكن أن يفكها أحد. لا يمكننا سوى أن ننتظر خاتمة الأحداث , والله سبحانه وتعالى وعدنا أن العاقبة للمتقين.
-
من يترك الشام تحارب الوسخمن يترك الشام تحارب الوسخ الوهابي وحدنا فلينتظر آخرته. وإيران ليست في هذا الوارد. ثمة صفقة ما تُحضّر. زيارة أردوغان أدت إلى توافق ما بين إيران وتركيا لإعداد الوضع السوري لتسوية باعتقادي. اللهم انصر أهل الشام على أعدائهم الوهابيين.