طهران | عندما أقلعت طائرة «إيرباص 310» التابعة لخطوط «ماهان» الجوية الإيرانية من مطار مهرآباد جنوب العاصمة طهران محمّلة بأطنان من المساعدات الإنسانية والطبية، لم يكن يتخيل الطيار «بهزاد صداقت نيا» أن تكون هذه الرحلة الإنسانية إلى صنعاء محفوفة بهذا الكم الكبير من المخاطر.الطائرة أخذت تصريح التحليق وابتعدت عن مسارها المعتاد، أكثر من 400 كلم، تجنباً للمرور في أجواء الكويت والإمارات والسعودية، واختارت مسيراً طويلاً فوق الخليج مروراً بالأجواء العمانية على مقربة من الحدود السعودية، باتجاه العاصمة اليمنية صنعاء.

الرحلة الإيرانية لإيصال مساعدات إنسانية جوبهت بالحديد والنار السعوديين؛ فبعد دخول الطائرة الأجواء اليمنية بخمس عشرة دقيقة، تواصلت القوات السعودية مع قبطان الطائرة عبر استخدامها ترددات البث اليمنية، وطلبت منه التوجه للهبوط في أحد المطارات السعودية. لم يستجب الطيار للنداء السعودي، معلناً أنه ضمن الأجواء اليمينة، ولا يمكن لأحد، باستثناء السلطات اليمنية، منع وصول الطائرة إلى صنعاء، ثم قام الطيار بالتصريح عن حمولة الطائرة قائلاً: «يمكن لمن يشاء أن يفتش الحمولة فور وصولها إلى مطار صنعاء، نحن نحمل مساعدات إنسانية».
هنا هدّدت القوات السعودية قبطان الطائرة بالتدخل العسكري لمنعها من الوصول، فأصرّ الطيار على أنه سيتوجه إلى صنعاء، وما هي إلا دقائق حتى شاهد الطاقم طائرات حربية مقاتلة سعودية من طراز «اف 15» تقترب من الطائرة الإيرانية، وطلبت من الطيار تحويل وجهته واللحاق بها.
هنا بدأت الأمور تتأزّم بفعل رفض قائد الطائرة الانصياع للأوامر السعودية، فاقتربت الطائرات المقاتلة بشكل كبير من الطائرة المدنية الإيرانية، بحيث استطاع الطيار الإيراني مشاهدة خوذة الطيار داخل الطائرة المقاتلة وألقى السلام عليه، ولوّح له بيده مودّعاً ومشيراً إلى عدم الامتثال للأوامر، في الوقت الذي بدأت فيه أجهزة الإنذار تدوّي في الطائرة الإيرانية معلنة حالة الخطر، بفعل اقتراب الطائرات المقاتلة بشكل كبير من أجنحة الطائرة الإيرانية.
دقائق مضت بين أخذ ورد؛ أوامر سعودية بتغيير الوجهة ورفض إيراني مستمر، إلى أن أخذت الطائرة تقترب من مطار صنعاء وبدأت بالهبوط التدريجي باتجاه المدرج، عندها قامت الطائرات المقاتلة بالانفصال عنها والتوجه لضرب المدرج بعدد من الصواريخ، شاهدها طاقم الطائرة وهي تنفجر على الأرض. هنا قرر قائد الطائرة الهبوط في الجزء الخلفي للمدرج، إلا أن المقاتلات السعودية تنبهت للأمر، فأغارت على نهاية المدرج مدمرة برج المراقبة وطائرة مدنية كانت في المطار.
في هذه الأثناء، وبعد استحالة الهبوط، عاد الطيار الإيراني إلى مستوى التحليق المرتفع والتفّ حول المطار ملاحظاً وجود مدرج للطوارئ بالقرب من المدرج المدمر، وخلال عملية الدوران قام بحساب طوله فكان قصيراً وضيّقاً، لكنه أصرّ على الهبوط طالباً من العاملين في مطار صنعاء بتجهيزه فوراً، فكان الجواب أن الأمر يتطلب أكثر من 25 دقيقة، في حين طالب الطيار الإيراني بضرورة تجهيزه بأقل من 15 دقيقة. وخوفاً من تدميره أيضاً، اتخذ الطيار قراره؛ لا مكان للهبوط، فأقفل عائداً باتجاه سلطنة عمان، بعدما أحرقت المقاتلات السعودية المطار خوفاً من أدوية طبية وقطن وقليل من الإمدادات.
الطيار الإيراني بهزاد صداقت نيا، الذي خاطر بحياته من أجل إيصال المساعدات إلى الشعب اليمني، شاهد بأم عينه الوحشية في التعاطي مع أي محاولة لإنقاذ الأبرياء في اليمن، وأثبت أن الشجاعة تنتصر على آلة الموت. بعد عودته، قال إنه لن يتردد أبداً ومشتاق إلى معاودة التحليق إلى اليمن، في حال طلب منه ذلك، قائلاً: «أنا وزملائي في الخطوط الجوية للجمهورية الإسلامية نتنافس لأداء الواجب بكل سعادة وعلى أهبة الاستعداد لتأدية هذا الواجب