منذ تطهير مدينة يبرود والقرى المحيطة بها في منطقة القلمون السورية، بدأ الحديث عن عملية تطهير المعابر والجرود الواقعة على الحدود اللبنانية ــ السورية، والتي يتخذ منها مسلحو المعارضة السورية من «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» و»داعش» وبقايا ما يسمى «الجيش الحر» ملاذاً لهم.
الإعلان الرسمي عن الحرب جاء على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 16 شباط الماضي، لتقابله إعلانات متكررة بالاستعداد والجاهزية عند الطرف المقابل، وتحديداً «جبهة النصرة». منذ ذلك الحين، والتساؤلات تطرح نفسها: متى؟ وكيف؟
من جهة المقاومة، اكتملت التعزيزات وبصورة شبهِ نهائية. تم وضع خطة محكمة، وتجهيز عديدٍ ضخم مقارنةً بالمعارك السابقة التي خاضها حزب الله على الأراضي السورية. إضافةً إلى عددٍ من المناورات التي قامت بها التشكيلات المختلفة، لفحص قدرة المقاتلين وجاهزيتهم. أما على صعيد القوّة النارية، المتمثلة بالنيران التمهيدية لأي هجوم تقوم به قوّات المشاة، فتشير المعلومات إلى «مفاجآت في القدرات النارية حجماً ونوعية ودقة».
حتى الآن، لم تتخطّ المواجهة بين المقاومة و»جبهة النصرة» حدود الإعلام. أصرت مجموعات مجهولة على بث أخبار ورسائل عن انسحاب المسلحين من مناطق القلمون، فيما سارعت المقاومة الإسلامية من خلال مصادرها الرسمية الى نفي أي علاقة لها بهذه الأخبار وبأي بيان نسب إليها.
واتضح أن أحد أسباب الحملة التي انطلقت صباح أمس والتي روجت لانسحاب المسلحين، هو المعطيات التي جاءت على أثر عمليات استطلاع قامت بها مجموعات للمقاومة شرق منطقة بريتال، حيث تبين أن نقاط المسلحين باتت خالية ولمسافة غير قصيرة. وتمركز المقاومون في هذه المواقع. لكن عمليات المراقبة دلت على أن المسلحين عمدوا الى إخلاء العديد من النقاط المتقدمة، وتراجعوا الى نقاط ومواقع أكثر تحصيناً. وربما هم يعملون على وضع خطة لنصب كمائن لأي مجموعات تتقدم من صوب لبنان أو من الجوانب السورية المتصلة بمنطقة القلمون.

عديد ضخم ومفاجآت
في القدرات النارية حجماً
ونوعية ودقة


وتقول المعطيات إن قرار إطلاق المعركة ليس أصلاً للتداول، وإنه ليس منطقياً أن يتم الإعلان عنه، وإن ما يجري على الأرض لا يعكس بدقة التوجه بشأن توقيت بدء المعركة. وإن عمليات الاستطلاع وجمع المعطيات لا تزال مستمرة، وتأخذ في الاعتبار المتغيرات السريعة التي لجأ إليها المسلحون خلال الأسبوعين الأخيرين.
وعن وجود وساطات مع المسلحين، تشير المصادر الى أن التواصل كان قد انطلق قبل نحو عام، وأن المجموعات المسلحة تطالب بأن يكون لها ممر آمن لجميع أفرادها بجميع آلياتهم وأسلحتهم على اختلافها، لكي يتم الانتقال الى أكثر من منطقة في الشمال والشرق. وإن الاتصالات لم تؤد الى نتيجة حاسمة في حينه، وإنه يوجد بين المجموعات المسلحة من يرفض مغادرة المنطقة بالمطلق، ولذلك فإن الحديث عن تسويةٍ أمر يحتاج الى تدقيق، وإن رفضت المصادر التعليق على أنباء بتجدد الوساطات بين حزب الله والمجموعات المسلحة.
وفي هذا السياق، ذكرت مصادر قريبة من تيار المستقبل أن النافذين في بلدة عرسال تبلغوا قراراً سياسياً واضحاً بأن الملف الأمني والعسكري في تلك المنطقة بيد الجيش اللبناني وحده، وأنه لا مجال لأي نوع من المداخلات سوى تلك التي تساعد على تحييد المدنيين أو النازحين السوريين. وقالت المصادر إن وزير الداخلية نهاد المشنوق أمن اتصالات بعدد من النافذين اللبنانيين والسوريين في تلك المنطقة، عارضاً اقتراحه نقل مخيمات النازحين الواقعة على تخوم الجرد الى مناطق أخرى داخل البقاع، وأنه شدد على عدم توفير أي غطاء لأي مجموعة لبنانية أو سورية يعتبرها الجيش اللبناني مصدر خطر.
جاء ذلك وسط معلومات عن خطة انتشار جديدة متوقعة للجيش في تلك المنطقة، بالتوازي مع عمليات حزب الله في القلمون، والهدف منها الفصل التام والنهائي بين مدينة عرسال ومحيطها من جهة، وبين كل منطقة الجرود وامتدادها إلى جبال القلمون السورية من جهة أخرى.
في المقابل، فإن قوات المقاومة تنتظر «النداء» من غرفة عملياتها، وإعلان بداية الهجوم. وتشير المصادر إلى أن قيادة الأركان في المقاومة أحاطت بنقاط قوّة عدوها، وضعفه أيضاً، وعملت على تطوير منظومتها النارية لتتلاءم مع طبيعة المعركة. فمنذ الصيف الماضي، جمعت الطائرات المسيّرة بنكاً كبيراً من الأهداف التابعة للمسلحين. أما الكهوف والمغاور فستعيد المقاومة إليها تجربة صواريخ «البركان» التي حفظها المسلحون جيّداً. ولكن هذه المرة بطرازٍ جديد خارق للتحصينات، إضافةً الى عبوات مجوفة، عبارة عن قنابل مخصصة للمغاور والأنفاق. أما على صعيد الالتحام، فإن المقاومة تتفوق على المسلحين بالعمل وفق خطّة عسكرية دقيقة أظهرت المناورات العديدة لتنفيذها «نتائج جيّدة جدّاً» بحسب متابعين. التناغم بين المقاتلين، والمعنويات العالية التي يتمتع بها عناصر الاشتباك كافية، بحسب المعلومات، للتفوق على أيّ عوائق موجودة.
المقاومة لم تكتفِ بمحاكاة خطتها في معسكراتها، بل قامت بمناورة «استدعاء وجهوزية» أمام الجميع. وبحسب المعطيات، فإن ما قامت به المقاومة هو رسالة الى ثلاث جهات في آن، وقد فهمها الجميع جيّداً. للإسرائيلي، بأن المقاومة قادرة على فتح جبهات عديدة في آنٍ معاً. ولطمانة جمهور المقاومة؛ وللمسلحين بأن «ما تشاهدونه من حشود ليس إلا جزءاً مما ينتظركم».