لا أحد يعرف كم يحتاج الإعلام السوري من الوقت أو من حروب تمرّ على البلاد حتى يستيقظ من سباته. ليس في الأمر مبالغة طالما أنّ موقع «الوكالة السورية للأنباء»(سانا) ينقل أخباراً فنية مرّت قبل ثماني سنوات من دون أن يهتز له جفن أو يقبل بتصحيح الخطأ عند تنبيهه (الأخبار 27/3/2015). ليست الفضائيات المحلية بأفضل من حال الوكالة الوطنية حتى تلك التي باشرت البث منذ فترة وجيزة واعدة جمهورها بالاختلاف.

الحديث هنا عن تلفزيون «الخبر» الذي نقل مراسله في دمشق بالتزامن مع دخول «داعش» إلى مخيّم اليرموك منذ فترة خبراً بعنوان «داعش في نفق الآداب». ولدى قراءة الخبر تبيّن أنه عبارة عن شكوى لطالبة جامعية من غلاء أسعار تصوير المستندات! على هذه الحال، دخلت الحرب سنتها الخامسة ولا أحد أخبر القائمين على الفترات الصباحية في «الفضائية السورية» كيف يمكن أن يتعرفوا إلى الحد الأدنى من استهلالهم الإعلامي ليوميات السوريين المثقلة بالدماء من جهة، وبالغلاء الفاحش وتدهور أحوالهم الاقتصادية من جهة أخرى. على سبيل المثال، أطلّت شيرين الحسيني هذا الصباح من الاستديو الزجاجي وخلفها حركة «ساحة الأمويين» المرورية ضمن برنامج «مباشر من دمشق». رغم تكراره يومياً، إلا أنّ المشهد يبدو من أهم ما يمكن أن يفعله تلفزيون رسمي في ظل أزمة الحرب النفسية التي تشنها قنوات ووسائل عربية مختلفة. لكن ماذا عن المادة التي يقصف بها معدو البرنامج مشاهديهم في حال المجازفة بحضور المحطة الرسمية؟ نتابع الحسيني التي تستقبل سوسن حسن الجلالي وهي مشرفة على «مركز فنون نسوية». رغم سوريالية الموضوع بالنسبة لما يجري في الشام وأهمية الضيفة، إلا أنه يمكن الانتظار دقائق حتى تخطف مذيعة شابة الأضواء بأدائها الطلائعي لتقدم لنا تقريراً عما ينجزه المركز النسوي من إبداع. وإذا بمجموعة أطفال يرسمون، بينما تناورهم عناوين تمر على الشاشة على صيغة الأخبار العاجلة لتخبرنا بأن «الأطفال يرسمون الأمل» و«فلذات أكبادنا لهم المستقبل» هي ذاتها... كليشيهات المنظمات الرديفة لحزب البعث التي تمكنت عبر أكثر من أربعين عام بأدائها ذاك من سحق معنى الطفولة. القصة تتخطى ذلك وتصل إلى طفل يرسم طائرة حربية ويقول «لكي أدافع بها عن وطني»! الحادثة على بساطتها بمثابة كارثة حقيقية تعكس واقع الأطفال السوريين الذين انغمسوا في ويلات الحرب وصار صعباً دمجهم من جديد في المجتمع بدون إعادة تأهيل. وربما تعادل مجموعة حوادث مشابهة حصلت على جبهات إعلامية مختلفة كان الطفل الخاسر الأكبر فيها. لكن الفرق أنه هنا ما زال في طور الرسم متهيئاً على صعيد الخيال للعنف والقتل، بينما أمسك في مناطق المعارضة السلاح وهتف علناً بذبح الأقليات معتلياً أكتاف مقاتلي «جبهة النصرة».
وفي حال هرب المشاهد نحو قناة «تلاقي»، سيفاجأ بمذيعة شابة تستقبل عبر الهاتف سركيس برونسيسيان «عضو لجنة إحياء الذكرى المئوية الأرمنية» ليخبرنا عن مسؤولية العثمانيين عن كل مجازر الأرض. الحديث عن المجزرة الأرمنية ظهر أخيراً على الإعلام السوري بعدما صمت عنه طيلة فترة الوفاق السوري التركي. أما تلفزيون «الدنيا»، فيبث مسلسلاً محلياً غير آبه بكل ما يجري. من جهتها، تتابع قناة «سما» في تكتيكها بطريقة لا تختلف عن المحطة الرسمية. وسط هذه العتمة الإعلامية المخيفة، يبرق نجم «السوشيل ميديا» السورية. تواكب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الإخبارية الافتراضية التي انطلقت مع بداية الأزمة الخبر أولاً بأول فيما تنجح بعض المحاولات بتقديم شكل آخر يخفف من وطأة السياسة. على سبيل المثال، علق الإعلام السوري بطريقة تقليدية على الخبر المفبرك الذي نقله موقع تلفزيون «الجديد» عن صحيفة «عكاظ» السعودية الذي يفيد زوراً أن النظام طلب من العلويين المقيمين في «المزة 86» مغادرة العاصمة نحو الساحل خلال 48 ساعة. هكذا، صوّر الصحافي ثائر العجلاني بكاميرا موبايله شاباً من المنطقة وهو يحكي على خلفية ابتهالات المساجد كأبرع موسيقى تصويرية تعكس نبض المدينة ليقول «لم أستطع تحويل أموالي من السوري إلى الدولار. لذلك لم أهرب إلى اللاذقية ولم أتمكن العبور من الازدحام». ثم يفضح الأمر بالقول «خيّطوا بغير هذه المسلة. أنا هربت إلى النادي لأتمرن وليس إلى اللاذقية». تلك الطريقة على بساطتها ومجافاتها للتكلف هي ما ينقص الإعلام السوري.