منذ أشهر ودعوات عدّة تصدر في الشمال لافتتاح أكثر من مركز جديد للمعاينة الميكانيكية، في عكار والكورة أو البترون، لتخفيف الضغط عن مركز واحد لا يوجد فيه سوى خطين، وإنهاء معاناة المواطنين، لكن هذه الدعوات لم تلق أي تجاوب. «ما في ذلّ أكتر من هيك». عبارة ردّدها أغلب من وقفوا في طابور السيارات التي كانت تنتظر دورها في المعاينة أمام مركز المعاينة في الشمال، الواقعة ضمن مصلحة تسجيل السيارات والآليات (النافعة)، الذين كانوا يضطرون إلى الوقوف في الدور ساعات، وأحياناً أياماً قبل إنجازهم مهمتهم.

طابور السيّارات الذي زاد طولاً بعد البدء بتطبيق قانون السير الجديد الأسبوع الماضي، امتد من أمام مركز المعاينة الكائن في محلة العيرونية ضمن بلدة مجدليا في قضاء زغرتا، على الطريق الرئيسية التي تربط طرابلس بالضنية، وصولاً إلى كلية العلوم في الجامعة اللبنانية ــ الفرع الثالث في محلة القبة بمدينة طرابلس، أي ما يقارب 3 كيلومترات.
هذه الطريق تحوّلت مع مرور الأيام إلى موقف للسيارات، سادته الفوضى والمشاكل من كل حدب صوب. فالعبور على هذه الطريق، ذهاباً وإياباً، تحول إلى معاناة حقيقية برغم أن هذه الطريق تعتبر المدخل الشرقي للمدينة، الذي يسلكه معظم أهالي الضنية وقسم من أهالي زغرتا، فاضطروا إلى البحث عن طرقات بديلة.
المعاناة في عبور الطريق المذكورة لم تقتصر على أصحاب السيارات الواقفين في الدور أمام مركز المعاينة، ولا العابرين عليها من سائقين ومواطنين، بل امتد الأمر إلى أصحاب المحال التجارية في المنطقة، الذين سدّت السيارات الواقفة في الطابور مداخل محالهم، وألحقت بهم أضراراً كبيرة نتيجة تعذر وقوف الزبائن أمام محالهم لابتياع ما يحتاجون إليه، ما أدى إلى تراجع أشغالهم بنسب كبيرة.
هذا الواقع الصعب دفع بأصحاب هذه المحال إلى وضع عوائق باطونية وحديدية أمام محالهم لمنع السيارات من الوقوف، وهو تدبير نجم عنه وقوع مشاكل يومية بين سائقين وأصحاب هذه المحال، وسط غياب تام لعناصر قوى الأمن الداخلي بهدف تنظيم حركة الوقوف في الطابور، والاكتفاء بوجود بضعة عناصر أمام مدخل النافعة.
لكن هؤلاء العناصر كانوا أيضاً موضع شكوى، إذ تحدث كثيرون عن قبضهم رشى من مواطنين، تراوحت بين 50 و100 دولار أميركي، مقابل السماح لهم بالدخول من مدخل المركز مباشرة، و»القفز» فوق الطابور الطويل، بلا حسيب أو رقيب، ما دفع بمحافظ الشمال رمزي نهرا إلى القيام بأكثر من «كبسة» لوضع حد لهذا الأمر، لكن هذه الخطوة لم تؤد إلى معالجة الأزمة إلا جزئياً.
يضاف إلى تجاوز العناصر الأمنية القانون وتسهيل أمور من عنده واسطة أو يدفع رشى، قيام بعض الأشخاص بركن سياراتهم في الطابور، ثم بيع أمكنتهم لمن يرغب وفق سعر يتم الاتفاق عليه، وهو سعر يرتفع وينخفض حسب موقع السيارة إذا كان قريباً من مدخل المركز أو بعيداً عنه.
هذه الفوضى حوّلت محيط المصلحة والمركز إلى مكان تتجمّع فيه الأوساخ والنفايات، وتنبعث منه روائح كريهة ونتنة، لأن السائقين الواقفين في الطابور يضطرون غالباً إلى قضاء «حوائجهم» على جانبي الطريق.
منذ أيام، أقدم المسؤولون في المصلحة والمركز على تدبير للخروج من الفوضى، فقاموا بقلب الطابور، أي بدلاً من وقوف السيارات ابتداء من مدخل المركز نزولاً باتجاه القبة، جعلوا السيارات تقف صعوداً باتجاه بلدتي علما ومجدليا، حيث لا توجد محال تجارية ومناطق سكنية، كما هي الحال في السابق، لكن عجقة السير انتقلت من تحت إلى فوق.