خلاصة اليوم الأول من شهادة النائب وليد جنبلاط أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، توصّل إليها رئيس غرفة الدرجة الأولى القاضي ديفيد راي: «هذا تحليل وليس دليلاً على تورطهم في اغتيال الحريري». وذلك في إشارة إلى اتهام جنبلاط «النظام السوري» باغتيال الحريري في الجزء الأول من شهادته. راي أيقن أن كل ما استفاض به جنبلاط أمس، من سرد وذكريات «استنتاجات شخصية تحتاج إلى تثبيتها بدلائل لتأخذ بها هيئة المحكمة».يقين وافقه عليه الشاهد الذي طلب فريق الادعاء الاستماع إلى إفادته على غرار أصدقاء وحلفاء الحريري السياسيين. مع ذلك، ستحجز المحكمة الهواء حتى الخميس ليعبّر جنبلاط عن آرائه وتحليلاته.

الأرجح أن الشهادة ستستمر سياسية حتى نهايتها، ما ينذر بمزيد من سوء الفهم من قبل هيئة المحكمة في استيعاب المصطلحات اللبنانية التي يستخدمها جنبلاط لوصف الخصوصية السياسية. ونقل راي تمنياً من المترجمين بـ»التحدث رويداً رويداً واستخدام مصطلحات مفهومة». وحدهما القاضيان ميشلين بريدي ووليد عاكوم من الهيئة، التقطا الإشارات. لم يوجّها إليه أسئلة لبنانية تفصيلية، ولم يصوّبا في أجوبته أسماءً وأحداثاً فحسب، بل كانا يناديانه «وليد بيك»!
منذ ليل الجمعة، وصل جنبلاط الى لاهاي برفقة زوجته نورا ونجله تيمور والوزير وائل أبو فاعور والنائب غازي العريضي. على قدر التوقعات، أخذ بنصائح أصدقائه. ضبط لسانه عن إطلاق مواقف استفزازية ضد حزب الله، لكنه «فشّ خلقه» بالنظام السوري. وصف بداية علاقته بدمشق بأنها «تسوية وصفقة مع من اغتال كمال جنبلاط، فرضها عليّ الواقع اللبناني والاحتلال الإسرائيلي. فكان لا بد لي من الذهاب إلى دمشق بسبب قناعتي بالانتماء العربي». استمرت العلاقة حتى اتفاق الطائف عام 1991. حينها «جرى تجريد الميليشيات من السلاح، ومنها الميليشيا التي أرأسها في الحزب الاشتراكي. لكن بقيت ميليشيا حزب الله لتحرير الجنوب».
جنبلاط الذي كان مكرهاً لا بطلاً، امتلك صداقات سورية لا سيما مع رئيس الأركان الأسبق حكمت الشهابي ونائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام. هذان ساعداه مع الرئيسين الياس الهراوي ورفيق الحريري على «إيجاد فرصة لبنانية للحكم. لكن نظام المخابرات المشترك اللبناني السوري لم يكن يسمح لأي فرصة. بل أُتي بقائد الجيش العماد إميل لحود ولم يستطع الحريري والهراوي، برغم صفتيهما، التأثير على الجيش الذي كان بإمرة كاملة تحت الإشراف السوري». من هنا، «ولد الحذر من الإتيان بلحود رئيساً. قمنا مع الحريري والشهابي وخدام لإقناع السوريين بإبعاد لحود عن الرئاسة. أخّرناه لثلاث سنوات».
أسباب كراهية جنبلاط للحود كثيرة. «كان بالنسبة لنا الممثل الأقوى للنظام السوري، وأنا بالذات عندي حساسية خاصة تجاه العسكر». تلك الحساسية تبددت على دور ميشال سليمان. «حكم بخلاف العسكر، بشكل مدني ومهذب وكان مميزاً بعد الرئيس فؤاد شهاب وعمل ما يمكن من أجل تطبيق الطائف» قال جنبلاط.
«العلاقة مع الحريري بدأت في الثمانينيات عندما جاء الى بيروت مع الأمير بندر كمبعوث للملك فهد لحل الأزمة». «توطدت علاقتي به منذ ذلك الحين حتى ليلة استشهاده. كنا نلتقي تقريباً كل نهار أحد». علاقتهما ساءت مع دمشق مع مجيء الرئيس بشار الأسد. «في لقاءاتي معه، لم يترك فيّ أثراً معيناً». أما بالنسبة إلى الحريري، فقد كان أعداؤه كثراً، مثل اللواء محمد ناصيف.

القاضي لجنبلاط: استنتاجات شخصية وتحتاج إلى دلائل لتأخذ بها المحكمة
ولائم الغداء التي جمعته بالأخير، جعلته يستنتج أن الكراهية السورية للحريري بسبب «الشق المذهبي الذي يلعب دوراً في سوريا، لأن شخصية سنية كالحريري كانت تخيف النظام السوري. هذا استنتاجي السياسي». استنتاج جنبلاط وصل إلى حدّ جزمه بأن «كل من شارك في اغتيال الحريري أجبروا على الانتحار. لا اعتقد أن (اللواء غازي) كنعان أجبر لكني لست متأكداً. آصف شوكت الصهر (زوج شقيقة الرئيس الأسد) ثم جامع جامع وأخيراً صفّي رستم غزالي. هؤلاء كان يمكن أن يكونوا شهوداً أساسيين في التحقيق».
المحطة الأولى في خصام جنبلاط لسوريا كانت برفض انتخاب لحود. أما الثانية، فكانت بعد تحرير الجنوب عام 2000 «على يد المقاومة الاسلامية حزب الله». حينها، طالب بتطبيق اتفاق الطائف وانسحاب الجيش السوري. لكن في عام 2003، «وصلت إلى علاقة غير ودية». الحريري لم يكن أفضل حالاً، رغم أنه «في مرحلة من المراحل كانت العلاقة جداً وطيدة بين الحريري وحافظ الأسد، حتى أصبح الحريري وزير خارجية غير معلن لسوريا بسبب علاقته مع شيراك وغيره». في «عهد بشار بدأ الشرخ يزداد، وكانت عراقيل توضع أمام مشاريع الحريري عندما أصبح لحود رئيساً للجمهورية».
أضاف جنبلاط تفاصيل إضافية إلى ذكريات أدلى بها الشهود السابقون. «في عام 2003، استُدعي الحريري الى دمشق. استقبله بشار مع كنعان وغزالي ومحمد مخلوف. أنذره بشار قائلاً: أنا من يحكم هنا وليس غيري، وطلب منه بيع الأسهم التي كان يمتلكها في جريدة النهار المعروفة بديموقراطيتها». بدا الحريري لجنبلاط بعد عودته من اللقاء قلقاً. واستذكر جنبلاط لقاءً جمعه باللواء رستم غزالي في منزله. استبق غزالي لقاء جنبلاط بالأسد في 25 آب 2004 لبحث رفضه التمديد للحود. أصرّ على رفضه، ما أدى إلى إلغاء الموعد مع الأسد والعشاء مع لحود. فريق الادعاء بثّ شريطاً صوتياً يوثّق لقاءً بين الحريري وغزالي. في 24 آب، عرّج الحريري على كليمنصو بعد زيارة الأسد في دمشق. كان برفقته النائب باسم السبع. «كان شكله غريباً وحزيناً»، وصف جنبلاط الحريري الذي نقل عن الأسد قوله: «أريدك أن تمدّد للحود، وإذا أراد شيراك إخراجي من لبنان فسأكسر لبنان فوق رؤوسكم. وإذا كان لجنبلاط جماعة من الدروز، فأنا أيضاً لي جماعة من الدروز». حينها، نصح جنبلاط صديقه: «اذهب ومدّد، لأنني كنت أخاف على سلامته الشخصية، وأعرف ماذا تستطيع أن تفعل هذه الجماعة». وعن القرار 1559، قال «نحن تمسكنا باتفاق الطائف ورفضنا 1559. وبقناعتي فإن القرار لم يكن ليصدر لو لم يتم التمديد للحود الذي مهما تكلم فهو دمية بيد بشار».