في الخطاب الذي ألقاه ميشال عون في عشاء حزبي مساء الجمعة الماضي، وردت عبارة واحدة، واضحة، قاسية، تختصر كل ما يدور في بال الرجل، وكل ما يحكى حوله وفي أوساطه ولدى كل من يرتبط معه بعلاقة في السياسة، من حليف أو صديق، وصولاً إلى خصم أو عدو.قال عون: «لا يراهن أحد على الوقت لإحباط عزيمة الآخر، لأنه سيكون من الخاسرين». هو الوقت إذاً، كل ما تبنى عليه حسابات الآخرين حيال الرجل، وكل ما يبحثه الذين معه. فمنذ عام ونيف، تتوزع الآراء حول الجنرال بين نظريتين. لكل منهما ما يبرّرها ويسندها ويزكيها. ولكل منها ما يشوبها ويخطئها ويكاد يسقطها.
منذ لقائه الباريسي الأول مع سعد الحريري في كانون الأول 2013 وحتى اللحظة، تكوّن في أوساط الرابية انطباع قلقٍ ومناخ خشية. يفكر أصحاب النظرية الأولى، وبصراحة تبلغ جرأة الوقاحة، أن خصوم عون لا يفعلون شيئاً غير ربح الوقت. ولا يقيمون حساباً إلا لرحيل الرجل الذي ملأ سياسة لبنان ثلاثين عاماً ونيف. يقولون له: لن يعطيك إبن الحريري شيئاً. هي مجرد مناورة لإضاعة الأيام والأسابيع والأشهر. ليس رهانهم على تطورات الخارج ما يدفعهم إلى ذلك. فهم باتوا يدركون أن الوقت لن يطيح ببشار، ولن يقلب موازين سوريا، ولن يرمي الحوثيين في بحر من بحور اليمن، ولن يعيد إلى طهران شاهاً أو يبعد عنها نظام ملالي. كل ذلك لن يتغير بمقياس الأشهر ولا الأعوام. لذلك كل ما يريدون من لعبة الوقت هو غيابك. حتى أنهم رتّبوا المناورة على مراحل وحلقات. مسلسل مأساوي طويل، يبدأ بحوار الحريري الإيجابي معك. ثم تظهر العقد تباعاً. عقدة من سعود الفيصل تؤجل الاتفاق حتى الشغور. ثم عقدة من مسيحيي 14 آذار ــــ قال. ثم حوار مع سمير جعجع. ثم نقاش حول حروف نيات مرجوة. كأن لا النيات بالأفعال، ولا الأفعال بالنيات، ومع مفعول رجعي... حلقات من مسلسل لن ينتهي إلا بانتهائك...
حتى قصة تعيين قائد الجيش الأخيرة. الكل يعلم ما حصل في عشائك الميلادي في بيت الحريري في 18 شباط. والكل يعلم كيف بدأ الطرح، وباقي التفاصيل الحساسة جداً. وكيف انتهت اللعبة إلى رحلة واشنطن ولا جواب ما بعد الرحلة، وتغييرات الرياض والاستئخار المستجدّ، حتى أيلول. ماذا يعني ذلك؟ يقولون في سرهم أن خياراتهم ثلاثة: إذا جددوا للعسكريين اصطدموا بك. عندها قد يتدخل عامل خارجي يفرض عليهم تسوية لا يريدونها. وإذا ذهبوا إلى التعيين الآن، ستفرض عليهم الكفاءة والحق ما لا يريدونه. يبقى أمامهم خيار ثالث، أن يتركوا الشغور في قوى الأمن الداخلي. ليذهب بصبوص إلى منزله. فهو ليس أهم من أشرف ريفي، خصوصاً أن على رأس الوزارة الآن نهاد المشنوق. ثم يمكن لعماد عثمان أن ينتظر عشرة أعوام. بينما لا يمكن لمرشح عون أن ينتظر عشرة أسابيع. بعدها، يتخلصون من قهوجي وروكز معاً. فيطرحون على عون في الخريف، خريف كل شيء، معادلة تعيين جديدة... هو عامل الوقت للتصفية لا غير إذن. هو كل ما يلعبونه معك يا جنرال، يقول أصحاب هذا الرأي من حول الرجل.
في المقابل، ثمة رأي آخر في دائرة آخر موارنة لبنان الكبير. رأي خلاصته أن سعد الحريري كان صادقاً مع عون. لكنه لم يتمكن من التنفيذ ولا الإيفاء بالقسم المترتب عليه من الاتفاق. كان صادقاً، لأنه هو صادق. قبل جردة الحسابات والمصالح والموازين. بدليل ما صارح الجنرال به، في لقاءاتهما المتعددة. بدليل المكنونات التي كشفها له، حيال أسراره وأسرار فريقه وحلفائه وبيئته. لم يكن مضطراً لقول ذلك كله في حال المناورة. فحين يصدقك أحدهم قولاً قد يكون فضحه مؤذياً له، لا بد أن يكون صادقاً، ولا يمكن أن يكون مناوراً. ثم هو يدرك أن مصلحته الحيوية تكمن في وصول عون إلى الرئاسة. معه يعود هو إلى الحكم. ومن دونه يظل صانع رؤساء حكومات لا غير. معه يحكم. من دونه يظل محكوماً بالظروف والعوامل والاعتبارات نفسها التي فرضت عليه طيلة عشرة أعوام من حياته السياسية. مع عون، ينتزع هو، تماماً كما سمير جعجع، براءة ذمة سياسية ووطنية سابقة ولاحقة. من دون عون، ولو في غيابه وبعده، سيظل ملاحقاً بتهمه قتل الشراكة وقتل الشريك. كما قايين... يقول أصحاب الرأي الثاني إن الحريري كان صادقاً ولا يزال. منذ حاول في الرياض ولم ينجح. ومنذ حاول في بيروت وأحبط. ومنذ أدرك أن عون رئيساً، مصلحة وطنية، وميثاقية وشخصية، ولم يسمح له بتنفيذ اقتناعه.
مع أي من الرأيين يقف ميشال عون شخصياً؟ سؤال لا يجيب عنه إلا ميشال عون. وقد يجيب الرجل بعد فترة. لكنه الآن اكتفى بالرسالة السياسية والإنسانية الصريحة والقاسية: لا يراهن أحد على الوقت لإحباط عزيمة الآخر، لأنه سيكون من الخاسرين!
3 تعليق
التعليقات
-
كفى تكهناتسواء كان سعد الحريري مراوغا، يلعب بالوقت ويتلاعب بالجنرال، أو بدا صادقا ولكن غير قادر على الايفاء بوعده، فالنتيجة واحدة... لا انتخاب للجنرال. النتيجة وحدها هي التي تحدد النوايا...وكفى تكهنات!
-
الاصلاح والمقاومة والتغييرالاصلاح والتغيير في لبنان يحتاج الى قوة ومقاومة ومن دونهم لن يكون غير كلام شعر يدغدغ الروح ولا يطعم فقير. كثيرون في لبنان يحبون الاصلاح ويتمنون التغيير والذي يخيب املهم دائما هو واقع هذا البلد الذي تمرًس على الخنوع والرضى بالامر الواقع. ما يطرحه العماد عون وتياره هو ثورة على هذا الواقع لقيام دولة حقيقية اساسها العدل وحرية التعبير يحكمها عقلاء منتخبين وليسوا معينين تحترم الاديان وتمنع السرقات والاختلاسات واسثمار خيرات الوطن في خدمة الشعب ويكون فيها الولاء للوطن واشياء كثيرة كلها جميلة وتطرب الاذن والروح، لكن السؤال الاول كيف تحقق اي من هذه الاحلام في بلد كلبنان. كان لا بد من التلاقي مع شباب المقاومة الذين كانوا اسطورة في الفداء والتضحيات وحرروا البلد من الوحش الكبير الذي بلع الوطن ومضغه لعشرين عاما واستطاع هؤلاء الشباب طرده خاج الحدود واهدوا النصر بعظمته لكل ابناء الوطن بمن فيهم المتآمرون والخونة علًهم يبصرون. والسؤال الثاني ما فائدة كل هذه التضحيات لنعود ونعطي الامر لمن كانوا السبب بخراب البلد باسم الخنوع لاتفاق وجد لوقف حرب اهلية سميً بالطائف لتُحكم البلد من بعده من الطائف. الاصلاح والتغيير يحتاج الى مقاومة لتحكم بنفسها فهي من فدت الوطن وهي ادرى بمستقبله وهي الامينة على خيراته وتكون لثورة العماد وامنيات الشعب امل.
-
قصة جولياكانت جوليا امراة عجوز وحيدة و من ابناء القرية. يَذكُر الناس و يكرروا قصّتهم معها. كان العام 1980, و جوليا تسكن وحيدة منزلها، تجوب الطرقات و في يدها عكّازا. و اهل القرية يعتبرونها اكبر العجزة في القرية، و صوتها لا يخلوا من حدّة. في تلك الفترة، كانت أجراس الحزن قليلة، و عندما تُقرع يستنتجون ان "جوليا ماتت"، ليجدوا بعدها ان جوليا لم تمت و أن آخرا قد فعل. و بقي الناس على هذه الحال حتى يئسوا و بقيت جوليا حيا لعام 2000، توفي خلالها العشرات. التوقعات من باب الاماني تنتج وقائع عكسية! حكمة الله و الله أعلم. فها هو جنرالنا يزداد عزيمة، و وجهه يزداد اشراقا و يُخفض توتّره و غضبه يسموا قداسةً.