قد يتحول التوتر على الحدود مع إسرائيل، سواء مع سوريا أو مع لبنان، إلى مواجهة واسعة. وقد لا يتحول الى ذلك. كلا الاتجاهين ممكنان، وإن اختلفت نسبة معقولية كل منهما.بالنسبة إلى إسرائيل، تؤكد أنها لن تسمح بإدخال سلاح نوعي، من سوريا الى لبنان، من شأنه أن يغير ميزان القوة القائم مع حزب الله. وهي إن كانت تقرّ بأن جزءاً من هذه القدرات النوعية والدقيقة دخلت بالفعل الى لبنان، وباتت في حوزة الحزب، فهذا لا يعني، كما تظهر تصريحاتها والهجمات في سوريا، أنها تخلت عن الخط الأحمر الذي وضعته بمنع إدخال سلاح «كاسر للتوازن».

من جهته، حزب الله يلتزم الصمت. لا تعليق ولا نفي ولا إقرار. وهي استراتيجية متبعة لديه، تضفي حالة من الضبابية على موقفه وتقدير حراكه العملي، لمواجهة المساعي الإسرائيلية في رسم الخطوط.
مع ذلك، المسألة أكثر تعقيداً وخطورة مما تبدو للوهلة الأولى. فاستذكار ما جرى في الماضي من اعتداءات إسرائيلية والردود عليها، لا يعني بالضرورة حتمية استنساخها مستقبلا، لأنها قد تكون أشد، وقد تكون أقل. إلا أن المؤكد أن الجانبين يفعّلان قواعد اشتباك خطرة جداً، من شأنها أن تجر الى مواجهة واسعة، قد لا يريدانها.
هل هناك إمكانية للاشتعال؟ نعم بالتأكيد. إلا أنها تكاد تتساوى مع إمكانية الهدوء وعدم انجرار الجانبين، في نهاية المطاف، الى مواجهة عسكرية واسعة. وكما يبدو، فإن إسرائيل جادة في التمسك بالخطوط الحمراء التي رسمتها بمنع وصول، أو مزيد من وصول، سلاح كاسر للتوازن الى حزب الله، وهي تفعل كل شيء على حافة الهاوية، مجازفة بإمكان اندلاع مواجهة عسكرية واسعة تؤكد أنها لا تريدها.
ولا شك في أن مصلحة إسرائيل الرئيسية في إنهاء تهديد حزب الله أو، في حد أدنى، إضعافه الى مستوى يتزحزح فيه عن كونه تهديداً استراتيجياً أول، بحسب التوصيف الذي كشف عنه أكثر من مسؤول إسرائيلي في الفترة الأخيرة. لكن، في المقابل، ورغم وجود مستوى مرتفع من الدوافع الإسرائيلية، إلا أن الأداة والإرادة موضعا شك كبير، ربطاً بالقدرة الفعلية على تحقيق الهدف، وربما أيضاً بالظرف الدولي الذي لا يسمح لتل أبيب بتفعيل قدراتها ضد حزب الله، في هذه المرحلة تحديداً. وكل ذلك على فرض أنها تؤمن بإمكان تحقيق النتيجة التي تتوخاها من الحرب. ولا شك في أن إسرائيل تعلّمت من العام 2006 أن المسارعة إلى شن حروب من دون التدقيق المسبق بإمكان تحقيق أهدافها والقدرة على تحمل أكلافها أمر خطير جداً.
هي، إذاً، حالة تكاد تكون لصيقة جداً بالحرب بين إسرائيل وحزب الله. المسافة الفاصلة عن المواجهة مقلصة جداً، والجانبان يسيران على حد رفيع جداً، ما قد يؤدي بهما الى حرب، أو في أقل تقدير الى جولة عنيفة من المواجهة، يسميها أحد الكتاب الإسرائيليين «يوم قتالي طويل». لكن من يضمن لدى الجانبين أن لا يتحول هذا اليوم الى أيام قتالية طويلة؟
مع ذلك كله، لا يستقيم أي تقويم أو تحليل للوضع ما لم ينظر إلى الموقف الأميركي منه. فهل للإدارة الأميركية مصلحة في اشتعال مواجهة واسعة أو محدودة التي من شأنها أن تجر الى مواجهة واسعة؟ سؤال انشغل به معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، شبه الناطق باسم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. وبحسب تحليله، فإن شن إسرائيل حرباً كهذه سيواجه بضغط أميركي هائل، وستتعامل إدارة الرئيس الأميركي معها على أنها محاولة إسرائيلية لضرب الاتفاق النووي مع إيران.
وكيفما اتفق، في جعبة حزب الله ما يرتبط بتقويم الحرب المقبلة مسبقاً، إذ إن أي اشتعال لـ»حرب لبنان الثالثة»، ستكون إسرائيل هي المسبب لها، طالما أنها التي تنفذ اعتداءات ابتدائية، والحزب يردّ على اعتداءاتها.