توالى على الشهادة أمام المحكمة العسكرية أمس، في قضية أحداث عبرا، كل من السوري حسان تابت واللبنانيين، فادي أبو ظهر، محمد أحمد صطيف، محسن شعبان، إبراهيم الرواس، وإسماعيل موسى، والفلسطينيين أحمد القبلاوي، علاء الصالح، ومحمد علي الأسدي. وللمرة الأولى، حضر عدد من أمهات وأخوات شهداء الجيش الذين سقطوا في معركة عبرا. «جئنا لنتفرج على الذين قتلوا أولادنا»، قالت والدة الرائد جهاد الهبر ووالدة الرقيب علي المصري وشقيقة الملازم المغوار جورج بو صعب. جلسن على منصة عالية وجهاً لوجه مع أكثر من عشرين موقوفاً احتشدوا داخل القفص، فيما وزع الآخرون على مقاعد الحضور في حراسة من الجنود.
تابت وأبو ظهر تواجدا «بالصدفة عند بدء إطلاق النار» وكانا يشتريان «أغراضاً من متجر مجاور لمسجد بلال بن رباح في عبرا». تراجعا عن إفادتهما في التحقيق الأولي بأنهما شاركا في القتال بعدما تسلما سلاحاً من المسؤول العسكري لدى أحمد الأسير، فادي السوسي الملقب بـ»نوح». حاول صطيف السير على خطاهما، لكنه وقع في زلة لسانه. بينما كان يكرر سيناريو المتجر، انتقل فجأةً إلى المسجد حيث تسلم بندقية كلاشنيكوف وقالوا له: «إما تقاتل أو تموت. سرايا المقاومة قادمون لكي يحرقوا المسجد ويقتلونا». اختار القتال. انتظر ساعة داخل المسجد قبل أن يقرر إلقاء السلاح واللجوء إلى شقة في بناية بوجي المقابلة حيث اختبأ مع إبراهيم الرواس وعدنان البابا في منزل سيدة آوتهم بسبب معرفتهم بولدها. البابا والرواس، مثله، لم يقاتلا، واقتصرت معرفتهما بالأسير على الصلاة خلفه بسبب قرب المسجد من سكنهما. أما القبلاوي، ففشل في ضبط لسانه. منذ البداية، سرد كيف أوقف على حاجز الأولي متوجهاً إلى صيدا متنكراً بزي امرأة منقبة ويخبئ قنبلة في ثيابه. اعتقاله أنهى خمسة أشهر من التواري. طوال المعركة، بقي مختبئاً في غرفة الصيانة في ملجأ المسجد. عند هدوء القتال في اليوم التالي، غادر مع الأسير وفضل شاكر ومرافقيهما. هم دخلوا إلى مبنى حيث حلقوا ذقونهم وبدلوا ملابسهم، وهو غادر مع عديله محمد العوجي نحو شرحبيل. أمضيا أياماً قبل أن يلجأ القبلاوي إلى منزل شقيقته في الطريق الجديدة ويدخل العوجي إلى عين الحلوة. بعد انحسار عمليات ملاحقة الأسيريين، قرر العودة إلى صيدا. «مللت حيث أنا في بيروت وعدت متنكراً وأحمل قنبلة لكي لا يتعرف إليّ سكان الحي حيث أسكن والمليء بعناصر سرايا المقاومة الذين كنا نقاتلهم»، قال القبلاوي. القبلاوي الذي يعرف الأسير منذ عام 1987 والمتهم بالمشاركة في القتال وبأنه كان مسؤولاً عن ثلاث مجموعات، استعرض المجلس العسكري الذي ألفه الأسير منه ومن محمد النقوزي وراشد شعبان وهادي القواص والسوسي.

موكب الأسير إلى البقاع فالأراضي السورية بحماية قوى الأمن الداخلي

كذلك استعرض تقسيم المنطقة إلى محاور: طلعة المحافظ واليسوعية وشرحبيل ومسجد البزري ومحيط مسجد بلال والوسط. توقف إبراهيم عند القنبلة التي حملها معه من أرض المعركة إلى شرحبيل واحتفظ بها في بيروت وأعادها معه إلى صيدا. «تصرفت على سجيتي» قال في رده على تساؤل إبراهيم عن سبب احتفاظه بها في جيبه من دون خوفه من أن تنفجر. إسماعيل موسى الذي انتقل من صفوف التنظيم الشعبي عام 2008 إلى حركة الأسير، نفى أنه كان قائد مجموعة.
بزيه الديني ولحيته الطويلة، مثل علاء الصالح الذي كاد أن يخلف الأسير بعد تواريه. قال: «منذ 16 شهراً من التوقيف وأنا أنتظر هذه اللحظة لأشكو كيف لم أعامل كرجل دين. ضربت وأهنت». لفت إلى أن الأسير طرده من المسؤولية الدعوية في مسجد بلال قبل شهرين من المعركة بسبب رفضه التسلح وإصراره على الزواج ثانية. لكنه، قبل ذلك، حضر اجتماع توزيع الأدوار الجديد: النقوزي مسؤولاً عسكرياً والسوسي مسؤولاً أمنياً ومحمد القوام مسؤولاً إعلامياً والصالح مسؤولاً دعوياً.
وفي ملف مرتبط، استجوب محمد علي الأسدي الذي أوقف عند حاجز الرشيدية واتهم بالانتماء إلى «كتائب عبد الله عزام»، كان مكلّفاً من توفيق طه رصد أهداف لليونيفيل وإطلاق صواريخ على فلسطين المحتلة. أكد أن لا علاقة له بملف عبرا. «اسمي زجّ من قبل شخص ما. في عام 2007 حاولت العمل لدى فضل شاكر بمساعدة صديقي عبد الرحمن شمندور، كمرافق من دون أن أوفق».
محامو هيئة الدفاع عن موقوفي عبرا ركزوا في أسئلتهم وملاحظاتهم على سوء المعاملة التي تعرضوا لها عند اعتقالهم من قبل الجيش وعلى تورط سرايا المقاومة في المعركة.
المسؤول الإعلامي للأسير في البقاع محسن شعبان نسج رواية مختلفة. كان شعبان مسؤول العلاقات الاجتماعية في دار الفتوى في البقاع. وكان حاضراً عند استقبال مفتي البقاع الشيخ خليل الميس للأسير. «الميس أوصى بي أمام الأسير لأكون مسؤولاً إعلامياً له في البقاع بناءً على طلبه» براتب شهري بلغ 1300 دولار. كانت المهمة تنظيم الأنشطة وأخذ التراخيص لها ودعوة الوسائل الإعلامية للتغطية. لكن الإعلام كان غائباً عند زيارة الأسير لمنطقة جوسيه السورية. «وصل موكب الأسير إلى البقاع تتقدمه سيارات لقوى الأمن الداخلي، سارت أمامه للحماية. في عرسال، ترجل السوسي من الموكب وطلب من القوى الأمنية المغادرة والعودة في اليوم التالي لأننا سنبيت هنا» نقل شعبان. الأخير نسب إلى وزير الداخلية السابق مروان شربل «تعهده للأسير بالسماح له بالتسلح لمقاومة اسرائيل». من عرسال انتقلوا إلى داخل الأراضي السورية حيث التقوا قادة في «الجيش الحر» و»كتيبة الفاروق». شعبان نفى معرفته بحقيقة عمل السوري خالد الكيماوي كخبير متفجرات، عندما لبى طلبه وعرّفه إلى الأسير في صيدا.
في وقت لاحق، نفى شربل «جملة وتفصيلاً» ما نسبه شعبان إليه. ولفت إلى أن مواقفه «أعلنت أمام وسائل الإعلام كافة خلال فك الاعتصام». وكان شعبان قد طلب من هيئة المحكمة الاستماع إلى شربل كشاهد وأبدى استعداده لمواجهته بالدليل بالصوت والصورة!

محامٍ لنعيم يا محسنين!

مثل الحاضرين في القاعة، علم نعيم عباس من رئيس المحكمة بأن وكيله طارق شندب اعتذر رسمياً عن عدم الدفاع عنه. ارتبك عندما سئل عن المحامي البديل. «طارق شندب» كرر. لم يتقبل أن وكيله تخلى عنه. على مضض، وافق على توكيل محام آخر «بهاي الجلسة فقط ما عندي مشكلة». في ختام الجلسة، استدعاه إبراهيم إلى القوس لحسم توكيل المحامي. اقترح ممثل النيابة العامة القاضي هاني الحجار على المحامين الموجودين التوكل عنه. رفضوا قبل أن تتبرع المحامية زينة المصري بالدفاع عنه. «بعدين منحكي بالنسبة إلى المحامي بملفي الأصلي. ملفاتي كتار» يضحك عباس. في اتصال مع «الأخبار» من السعودية، لم يحسم شندب تخليه عن الدفاع عن عباس. وقال: «اعتذرت عن ملف عبرا لكي تسير المحاكمة. لا أتبلغ ولا يسمح لي بمقابلته ولا الاطلاع على ملف التحقيقات في ملف عبرا»، لأن «ليست هناك محاكمة عادلة ولن أكون شاهد زور». بالنسبة إلى الملفات الأخرى، لوّح شندب بالاعتذار أيضاً «إذا استمر التعاطي هكذا».