سجّلت الديبلوماسية الفرنسية بقيادة الرئيس فرنسوا هولاند حضوراً لافتاً في دول مجلس التعاون الخليجي، خلال اليومين الماضيين، في مشهد ديبلوماسي اكتسى بطابع أشبه بالكلاسيكي: صفقات تسليحية في الدوحة، وتوافقات حيال الملفات الإقليمية مع الرياض.وقد اكتسب هذا الحضور أبعاداً مهمة حين شارك، أمس، هولاند (في سابقة) كضيف شرف في القمة الخليجية، فضلاً عن إعلان وزير الخارجية، لوران فابيوس، عن 20 مشروعاً اقتصادياً مع الرياض بقيمة «عشرات مليارات اليورو»، وهو شق بدا كأنه يمثّل ترجمة للتقارب السياسي المتنامي، وربما دعامة له. وصدر إعلان فابيوس غداة توقيع قطر عقداً مع فرنسا بقيمة 6,3 مليارات يورو لشراء 24 طائرة «رافال»، بحضور هولاند وأمير قطر، تميم بن حمد، وهو عقد راكم ما كانت فرنسا قد فازت به من عقود بنحو 15 مليار دولار في مجال الدفاع في المنطقة على مدى العام السابق.

وقد ترافق بيع الطائرات الفرنسية في الدوحة واستكمال المشاورات في هذا الخصوص مع أبو ظبي، مع تبنٍّ فرنسي واضح للمواقف السعودية حيال ملفات المنطقة. ظهر ذلك في لقاءات هولاند مع الرئيس اليمني الفارّ، عبد ربه منصور هادي، أو رجل السعودية في المعارضة السورية أحمد الجربا، أو حتى عقب اللقاء مع الملك سلمان، حين قال هولاند بشأن «الاتفاق النووي» مع إيران، إنه يجب أن يكون «اتفاقاً متيناً ودائماً ويمكن التثبت منه، يمنع انتشار الأسلحة النووية ويضمن الأمن الإقليمي».
ويأتي هذا الحضور الفرنسي ليتوّج سلسلة من المواقف الديبلوماسية المتناغمة بين باريس والعواصم الخليجية خلال الأعوام الأخيرة (وصف بسياسة بناء الجسور)، وفي ظل ما تشهده العلاقات السعودية ــ الأميركية من توتر ناتج من اختلافات حيال كيفية التعاطي مع الملفات الإقليمية.
وقد بدأ هذا التناغم يظهر بشكل فعلي إبان بداية الصراع في سوريا، وقد تكرّس في صيف 2013 حين كانت باريس جاهزة للمغامرة بتوجيه ضربات عسكرية للدولة السورية تماشياً مع رغبات عبدالله ــ الفيصل، وذلك قبل أن تعود واشنطن عن هذا الطرح عقب الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في ملف الأسلحة الكيميائية السورية.
وإضافة إلى انفتاح السوق الفرنسي بشكل متسارع أمام الأسواق الخليجية السيادية في الأعوام الأخيرة، فقد ظهر التناغم أيضاً وبشكل كبير في ما خص ملف «النووي الإيراني»، حين كانت الديبلوماسية الفرنسية تراعي في مواقفها بشكل كبير المواقف السعودية (واستطراداً حكومة بنيامين نتنياهو).
وفي اليومين الأخيرين، عكست تصريحات ديبلوماسيين فرنسيين ما أرادت باريس إظهاره من هذه الزيارة. وقال مسؤول فرنسي كبير لوكالة «فرانس برس»: «إننا الآن شريك كبير للمنطقة»، فيما ذهب مسؤول فرنسي آخر في حديثه إلى «رويترز» إلى قراءة أهمية الزيارة في أنها تسبق الدعوة التي وجهها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لقادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى كامب ديفيد في منتصف الشهر الحالي. وقال: «كانوا يريدون منا الحضور حتى يكون بإمكانهم أن يقولوا للأميركيين، انظروا لدينا فرنسا أيضاً: الأمر متروك لكم ألا تبتعدوا وأن تكونوا هنا معنا».
من زاوية أخرى، يبدو أنّ ما أراده الفرنسيون قد عكس واقعاً آخر. إذ لا ينفي حجم الزيارة وكل ما قيل واقع أنّ هامش الديبلوماسية الفرنسية بات يضيق أكثر فأكثر، خصوصاًُ حيال الأزمات المشتعلة في الشرق الأوسط. فمنذ التدخل الأطلسي في ليبيا عام 2011، مروراً بالحلقات المتعاقبة للصراع في سوريا، وصولاً إلى الحرب التي تقودها واشنطن في العراق، تحديداً، باتت باريس أشبه بلاعب يحاول كسب حيّز خاص له، في ظل عدم التمكن من القيادة.
وعليه، قد لا تخرج هذه الزيارة بأكثر من استفادات متبادلة بين الرياض، تحديداً، وباريس، إذ لا السعودية تملك مقومات قلب أولويات سلّم العلاقات مع الدول الغربية، ولا فرنسا تملك مفاتيح العلاقات الغربية مع دول الخليج.
(الأخبار)