لم يكن ينقص الشيوعيين اللبنانيين سوى مارك زوكربرغ وموقعه الأزرق. الحزب الذي عرف العمل السري لعشرات السنين، وبيانات و«أفكاراً» كانت تنشر في الخفاء، أصبح «فيسبوك» الراعي الرسمي لها.ماذا يحدث في الحزب الشيوعي؟ سؤال يطرحه الحرصاء والشامتون والمستغربون.
يبدو اليوم أنّ المشكلة في سبب السؤال، لا في طرحه. الجميع لم يرَ نشاطاً أو حركة مستدامة للحزب سوى في «طلّات» تقليدية، كان آخرها تظاهرة الأول من أيار. صورة الشيوعيين اليوم يختصرها: فلان شتم القيادة على مواقع التواصل الاجتماعي. فلان خاصم علّان بسبب الحزب.

الانتقال إلى ساحة «الافتراضي» أغوى بعض «الرفاق» ليضيفوا إلى «سيَرهم» المستجدة واقعاً نضالياً، بما أنهم انتقدوا هنا وأبدوا حرصاً هناك. «الحيطان» المجانية استقبلت من هو في التنظيم أو خارجه أو في «منظمات رديفة» (اتحاد الشباب الديموقراطي مثالاً). وليزيد «الحيط» «طرشة»، أفرزت أزمة الحزب الشيوعي أفراداً يعتبرون أنفسهم في الحزب، بينما مسؤولوهم المفترضون يقولون إنهم خارج التنظيم.
اليوم، ما «يميّز» حال الحزب الشيوعي منذ سنوات، الحالة الاعتراضية الكبيرة. حالة تنقسم بين حزبيين «ممارسين» وآخرين خارج التنظيم أو «إلى جانبه» على ما أفرز «الضياع التنظيمي». الحزب المفترض أنّ أحد أهدافه تسلّم السلطة لم يجرِ مؤتمره الحادي عشر منذ 3 سنوات. حالة التململ بين الشيوعيين يعيدها أحد أعضاء اللجنة المركزية إلى غياب البرنامج. «الحزب عايش على ردّة الفعل»، يقول. «يطرح إيلي الفرزلي مشروعه لقانون انتخابي، يردّ الحزب ببيان. تبدأ الحرب في اليمن، فيظهر أيضاً بيان»، يضيف المسؤول.
أمثلة القيادي الشاب و«المناخ الحزبي» تجعله يعوّل على المؤتمر الحزبي المقبل الذي من المتوقّع أن يجري نهاية الصيف المقبل. الأسبوع المقبل، تبدأ «اللجنة المركزية» بنقاش الوثائق قبل أن توزّع على القواعد الحزبية في المحافظات في مرحلة تستمرّ ثلاثة أشهر يجري خلالها انتخاب مندوبي المؤتمر.

المادة الخامسة

تعتبر الورقة التنظيمية (الورقة الأخيرة لاستكمال وثائق المؤتمر) الوحيدة بين أيدي أعضاء المكتب السياسي لنقاشها. وتختلف الآراء داخل القيادة الحزبية حول المادة الخامسة من النظام الداخلي التي تفرض دورتين متتاليتين كحد أقصى للأمين العام ونائبه، و3 دورات لعضو المكتب السياسي واللجنة المركزية ومواقع قيادية أخرى.
هذه النقطة أوجدت اقتراحات وآراء مختلفة داخل «المكتب»، مثل رفض التعديل أو التعديل الجزئي (يشمل الأمانة العامة فقط مثلاً أو تعديل في شكل النظام الانتخابي) أو تعديل في هيكلية الحزب لتكون على شكل وحدات (وحدة تنظيمية، وحدة إعلامية، وحدة مالية...) مع إلغاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي. هذه المادة التي قد «يفصل» فيها في المؤتمر، تحيلنا إلى واقع رديء في حزب يفقد منذ أكثر من 20 سنة كادره الوسطي، أي المنتسبين في أواخر العشرينيات والأربعينيات من العمر. «انقطاع جيل 1990 - 2000»، كما يسميه مسؤول التنظيم في الحزب نديم علاء الدين، أفرز ترهلاً في بنية الحزب وانقطاعاً أكبر بين الفئات العمرية.
نمو الكادر البطيء يجعل حكماً من تطبيق المادة الخامسة «تصيب» نحو 27 عضواً في اللجنة المركزية (نحو 70% من المشاركين في الاجتماعات)، وعدداً كبيراً من مسؤولي المحافظات والمنطقيات، وبالتالي إفراغ الحزب «ضربة واحدة» من دون وجود بديل حاضر يسدّ فراغاً هائلاً.
عضو المكتب السياسي علاء الدين، يرى أنّ الأزمة ليست أزمة القيادة فقط، بل «الجميع مأزوم»، من معارضين إلى حزبيين. ويعطي أمثلة على نشاطات في بعض القرى «تغني عن مئة اجتماع ونقاش فكري».
وعلى الأرض، بعض نشاط الشيوعيين في بعض المناطق حافظ على «نَفَس» شيوعي واستمرارية بين حزبيي تلك المنظمات. الحزب «الواقع في ورطة» منذ أواخر الثمانينيات يراكم الأزمات وتسرّب الكادر الوسطي من قيادة إلى أخرى. وزر أكثر من 20 سنة يحمله «مداومو الوتوات (المركز الرئيسي)» اليوم، وستحمله القيادة المقبلة من أي طرف كانت.
«معظم المنظمات في حالة مراوحة تنتظر القيادة... تنتظر الخطة. ضعوا أنتم خطة والأمثلة كثيرة. كيف يتبيّن حضور الحزب دون الشغل تحت»، يضيف علاء الدين.
جزء من الشيوعيين يعوّل على «مبادرة حسن إسماعيل» (مبادرة أطلقها الأمين العام خالد حدادة في ذكرى أسبوع المناضل إسماعيل)، لأنها تطرح عودة الشيوعيين ليشاركوا في الإعداد للمؤتمر. لكن أعضاءً في اللجنة المركزية يقولون إن «المبادرة أجهضت» وأصبحت «خلفنا»، أما علاء الدين فيؤكد «فصل الإعداد للمؤتمر عن لجان إعادة الشيوعيين وباقي المبادرات، فعملية إعادة الرفاق عملية لا تتوقف، ووضع المبادرة قبل المؤتمر يعني مزيد من التأجيل».
عضو اللجنة المركزية المعارض رباح شحرور، يرى في «مبادرة إسماعيل» بنوداً ممتازة، لكن العمل فيها يوضح أنها ماتت لحظة ولادتها. شحرور يرى أن المهمة اليوم التوحّد حول عقد المؤتمر في أسرع وقت، مطالباً بإشراك جميع الشيوعيين خارج التنظيم «ممّن لم يأخذوا خيارات سياسية أخرى».
بدوره، يرى مسؤول قطاع الشباب والطلاب أدهم السيد، أنّ تظاهرة أول أيار «ردّ واضح من الشباب يبيّن حجمهم الفعلي من حيث نسبة مشاركتهم، بالإضافة إلى نشاط الزرارية (حفل سياسي فني أقيم أيضاً بمناسبة عيد العمال)». السيد يعتقد أنّ من الأجدى اليوم التزام النظام الداخلي، ثمّ المؤتمر يفصل في الخلافات. «صحيح أنّه قد تظهر مشكلة في مسألة إفراغ الجسم القيادي، لكن الشيوعيين يحسمون ذلك، وبالحد الأدنى الأمانة العام يجري فيها التغيير»، يضيف.
شهور حاسمة سيمضيها الشيوعيون اللبنانيون. «الأمل» باستنهاض القواعد الحزبية يتجدّد قبل كل مؤتمر، لكن المفاجآت السلبية اعتادت الظهور منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.