بغداد | تغيب الفنّانة التشكيليّة المعروفة وسماء الأغا (1954- 2015)، بوفاتها مساء السبت الماضي في أحد مستشفيات عمان، بعد صراع مع مرض لم تعرف طبيعته أدخلها في غيبوبة حتّى فارقت الحياة.
في اشتغالاتها، حضورٌ طاغ للبيئة البغداديّة وحيواتها، عبر تأنيث لوحاتها بكيان المرأة المتطلّعة والعاشقة والحكاءة، وهي ترسمها بألوان تفصح عن ترف المعنى وجماليات التعبير. الأغا رسّامة المرأة العراقيّة بامتياز، مجسّدة عرسها وانتظارها لحبيبها وغنجها المعلن وتمايلها ورقصها على أنغام الفرح وطقوسها الخاصّة في البيوتات البغداديّة.
اهتمامها المتفرّد بالمرأة في أعمالها لخّصته بعبارة: «أحوّل الواقع إلى أسطورة من خلال المرأة فيما هو واقع أسطوريّ يحيطنا فعلاً. أشدّ ما نراه في المرأة العراقيّة تلك النخلة العصيّة على كلّ أعاصير العبث الذي يصنعه الرجال لتبتلى به النساء دائماً».
ما يميّز الأغا عن غيرها من الفنّانات والفنّانين، تخصّصها الأكاديميّ، عندما نالت شهادة الدكتوراه في فلسفة تاريخ الفنّ من «جامعة بغداد» عام 1996 بدرجة امتياز. وفي عام 2004، نالت درجة الأستاذية في تاريخ الفنّ (الرسم من كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد)، وقبلها حصلت على شهادة الماجستير في فلسفة فنّ التصوير الإسلاميّ من جامعة بغداد عام 1987 بدرجة امتياز أيضاً. تقدّم في أعمالها هيئات شتّى للمرأة، مستلقية في ربوع الهناء، أو ملتفة بعباءة سوداء جوار «صينية» الشاي. ساعة تظهرها أرستقراطية في حضورها، أو ابنة بيئة شعبيّة بعادات وتقاليد من الحياة العراقيّة، ذلك كلّه ضمن أسلوب يبتعد عن التجريد السائد في المشهد التشكيليّ القائم الآن، لكنّه مبهر بإشهار الرغبات الشخصية التي تمثّلها صورة امرأة حالمة، وأخرى تعلن خدودها الورديّة عن قيمة الترف الذي تركل به وسماء الخراب الذي يتّسع حولنا.
الراحلة لم ترسم ملامح البهجة فقط، نتذكّر أيضاً لوحتها عن النزوح القسريّ، ظلّت تميل فيها إلى التقانات اللونيّة نفسها، التي تعطي العمل طاقة في التعبير تجذب انتباه المتلقي، إلا إنّها هنا نزلت من علياء أساطير نسائها إلى يوميات الذعر وتفصيلاته المأساوية.
معارضها العديدة، «من بغداد إلى بغداد» و«رؤى بصريّة»، وما حصلت عليه من جوائز (مثلاً جائزة التخطيط والألوان لندن 1975)، والمقتنيات من أعمالها في بغداد وفي دول عربيّة وأجنبيّة، ستبقى تذكّر بفنّانة وأكاديميّة ومؤلفة تركت رصيداً لم يبلغه كثيرون، بضمنه أربعة إصدارات، ومنه كتابها «الواقعية التجريديّة في الفنّ».