الصورة الكبيرة لشاب فلسطيني «استشهد» في صفوف «جبهة النصرة» في القصير، والتي كانت مرفوعة على أحد مداخل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، أزيلت من مكانها. رُفعت مكانها صور لمنفذي عمليات الطعن والدهس في القدس المحتلة. «المزاج تغيّر»، يقول مسؤول أحد الفصائل الفلسطينية في المخيم. «في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، شعرنا بأننا متروكون وحدنا أمام كيان يقول الجميع إنهم يكنّون العداء له».
بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الأزمة السورية توقف أغلب أبناء شاتيلا عن متابعة أخبار الشام. «ما يجري في فلسطين وتداعيات الانتخابات الإسرائيلية علينا أهم»، قال محمد عدوان صاحب محل هواتف على طرف المخيم. أكد الشاب العشريني أنه «في بداية الثورة كنا نتابع ما يجري بحماسة، خصوصاً بعد سقوط أنظمة عربية عدة. كنا نتوقع حدوث الأمر نفسه مع النظام السوري. لكن مع مرور الوقت وتدخل دول عدة، تبين أننا كنا نعيش كذبة كبيرة. حتى الثورة التونسية التي كانت أجمل الثورات تبين أنها كذبة كبيرة».
هكذا، فرضت «الثورة» السورية إيقاعها على مخيمات الفلسطينيين في لبنان ــ ومنها مخيم شاتيلا ــ شأنها شأن بقية المناطق اللبنانية.
منذ أربع سنوات، كانت صور شبان فلسطينيين سقطوا قتلى في المواجهات ضد الجيش السوري تنتشر على جدران المخيم. ورغم رفض غالبية الفصائل «توريط» المخيمات في شأن يختلف عليه الفلسطينيون كما اللبنانيون، لم يجرؤ أحد على انتقاد هذه الظاهرة خشية وقوع «اشتباك مسلح داخل المخيم»، كما يقول أحد المسؤولين الأمنيين في شاتيلا. انقسام الفلسطينيين بين مؤيد لـ«الثورة» ورافضٍ لها ومطالب بالنأي بالنفس عنها، لم يحل في بداية الأحداث دون انتساب عدد من سكان شاتيلا الى فصائل المعارضة السورية المسلحة، أو على الأقل التضامن مع الحراك السوري. يقول مسؤول فلسطيني: «كنا نستيقظ لنكتشف أن أحد أبناء المخيم اختفى. لاحقاً، كان هؤلاء يتصلون بأهاليهم لإخبارهم بأنهم في سوريا». وفيما تفيد معلومات أمنية بأن «أغلب الذين ذهبوا الى سوريا قتلوا ودفنوا هناك»، يؤكد مسؤول أمني أن «عدد من قتلوا في سوريا من سكان المخيم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. أما من علقت صورهم سابقاً على جدران المخيم، فهم من الوافدين اليه وليسوا من أهله».

عدد من قتلوا في سوريا من سكان المخيم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة


اليوم، يمكن زوار شاتيلا الشعور بتبدل المزاج الفلسطيني بمجرد النظر الى جدران المخيم والحديث مع سكانه. يقول زياد حمو، مسؤول اللجنة الشعبية، إن ما ساهم في تبدل المزاج الفلسطيني هو «تحول التحركات السلمية الى أعمال مسلحة». أضاف: «عندما يحتج الناس، فهم يحتجون للمطالبة باستقرار أمني وراحة اقتصادية، لكن ما جرى في سوريا عكس ذلك».
لكن أكثر ما أثر اجتماعياً واقتصادياً في أبناء شاتيلا كان نزوح عدد كبير من أبناء مخيم اليرموك إلى مخيمهم. لم تنحصر حركة النزوح بالفلسطينيين فقط، بل زاد عدد السوريين القاطنين فيه ثلاثة أضعاف.
وتفادياً لأي إشكال أمني، وخوفاً من تسلل مطلوبين واحتمال تشكيل خلايا نائمة، طلبت اللجنة الشعبية من النازحين ملء استمارات تتضمن معلومات شخصية عنهم، وعن أسماء المناطق التي نزحوا منها، إضافة الى عدد الأفراد المقيمين في الغرف المستأجرة، ومنع تأجير الغرف لأفراد من دون عائلاتهم.
«استقبال النازحين أمر مقدس بالنسبة إلينا. لكن الضغط على البنية التحتية للمخيم يشكل عبئاً كبيراً»، بحسب مسؤول فلسطيني في منظمة التحرير. الضائقة الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون سرّعت تبدل مزاجهم، إذ إن «اليد العاملة السورية صارت تنافسنا في العمل حتى داخل المخيم»، يقول أحد أصحاب بيع الخرضوات، مضيفاً «لم نعتقد أن الازمة ستستمر كل هذا الوقت وأن مكوث النازحين سيطول». وقال حمو إن «الفلسطيني ــ السوري عندما نزح الى لبنان، لاحظ الفرق في المعاملة. في سوريا كانوا بمثابة مواطنين، أما في لبنان فالمعاملة معروفة للجميع».
أحداث مخيم اليرموك الأخيرة وسيطرة داعش على 60% من مساحة المخيم، وأخذهم 18 ألف لاجئ دروعاً بشرية، أكّدت لكثيرين «حسنات» النأي بالنفس عمّا يمكن أن يقع في لبنان. يقول مسؤول أحد فصائل التحالف إن «وقوف بعض أبناء مخيم اليرموك ضد النظام السوري فتح المجال لفصائل المعارضة لاستغلال المخيم وتدميره. لن نسمح بحدوث ذلك في لبنان، لأن الهدف من تدمير المخيمات تصفية القضية الفلسطينية».