لم تبدأ قصة المجلس الوطني لقوى 14 آذار في آذار الماضي. «فنعة» الأمانة العامة تعود الى عام 2011، حين اعتبر الآذاريون تأسيس المجلس الوطني السوري مقدمة لإنشاء تجمع لبناني مشابه ليكون الاثنان «حليفين استراتيجيين». في كل خطوة يقوم بها، يكافح منسق الامانة العامة فارس سعيد ليحافظ على «المجد» الذي أعطي له عام 2005. إلا أن أحزاب: المستقبل، القوات اللبنانية والكتائب لم تسهل عليه المهمة يوماً. ارتابت دوماً من «رغبات» سعيد في لعب دور أكبر من خلال توسيع «بيكار» عمله.
السيناريو نفسه سيتكرر اليوم في المؤتمر الصحافي الذي تعقده الامانة العامة في مقرها في الاشرفية بحضور مستقليها وممثلي أحزابها. سيعتلي سعيد المنبر ويعلن، بعد شهرين من العمل، فشل إنشاء مجلس وطني يُشرف على عمل فريق 14 آذار واستبداله بمجلس لا يضم سوى المستقلين. خلال المؤتمر، سيضع نائب جبيل السابق ملف إنشاء المجلس من ألفه الى يائه أمام الرأي العام، «بدءاً من خلوة البيال وصولاً الى الجلسات البعيدة عن الاعلام التي أدت الى تبديل مسار الامور»، استناداً الى مصادر شاركت في الاجتماعات التحضيرية. إلا أن ما لن يُعلنه سعيد هو الخلافات الداخلية التي كشفت عنها اجتماعات الشهرين المنصرمين.
قبل أسبوعين، بعثت القوات اللبنانية برسالة الى المجلس تعتذر فيها عن عدم حضور الاجتماعات «لأن الصيغ المطروحة لا تعجبنا»، استناداً الى المصادر نفسها. خلال اللقاءات العامة، كان مسؤولو القوات يتحدثون بإيجابية عن إنشاء المجلس «والدعم المطلق لسعيد الذي يلعب دوراً جامعاً بين مكوّنات الفريق»، واضعين الكرة في ملعب حزب الكتائب «الذي يشترط تنصيب الرئيس أمين الجميل رئيساً للمجلس أو يعرقلون عمله». ساعدهم في تسويق هذه النظرية خلاف النائب سامي الجميل مع سعيد والشروط الكتائبية العديدة للقبول بالمجلس. تروي المصادر كيف «لعب الكتائبيون لعبة القوات عبر تسهيل اتخاذ القرار خلال النقاشات ليبعدوا عنهم تهمة العرقلة»، على رغم أن الجميل كان قد انتقد خلال ذكرى «ثورة الارز» في البيال هذا «الفولكلور»، ناعياً وجود هذا الفريق.
بدأت النقاشات تطفو على السطح أكثر مع تقسيم الحصص على «الورثة». توضح المصادر أن «الخلاف لم يكن سياسياً، بل هو إداري ـ تقني حول جدوى تأسيس المجلس… من طرح الفكرة كان القوات اللبنانية». الاعتبارات التي على أساسها اتخذت الاحزاب قرار إجهاض المجلس ثلاثة؛ الاول يتعلق بتحديد الحصص، فقد «كان الاقتراح أن ينال المستقلون سبعين في المئة والاحزاب الثلاثين الباقية… رفضته الاحزاب وبدأت تطرح الاسئلة: على أي أساس جرى هذا التقسيم؟ من هم المستقلون وكيف نحددهم؟ هل سيكونون مرشحين على لائحة الاحزاب؟». تبرر المصادر تحديد حصة للمستقلين بضمان «الديمقراطية في العمل». تخوف المستقلين ناجم من كون أي لوائح انتخابية تسيطر عليها الاحزاب ستكون معلبة. الاعتبار الثاني هو «انزعاج الاحزاب من فكرة أن يضم المجلس نخبة تسيطر على القرار». أما الاهم، فهو التخوف من «استمالة المجلس لعدد من الحزبيين الذين لم يتولوا مسؤوليات داخل أحزابهم».
استناداً الى المصادر، «القوات كانت واضحة منذ البداية حين حاولت فرض إيقاعها على عمل المجلس وإلا فلن توافق عليه». على رغم ذلك، ينفي أحد ممثليها في المجلس، ندي غصن، هذا الكلام، «ولكن مثل كل شيء العملية تمر بمدّ وجزر».
منذ تأسيس 14 آذار، لم يكن لمستقلي هذا الفريق إطار يحدد عملهم. توصلت النقاشات الى نتيجة: «عوضاً عن مجلس يضم جميع هذه القوى ويكون مستنسخاً عن الامانة العامة، ولأن الهدف الاساسي إنشاء إطار للمستقلين، إذا فليكن المجلس لهم حصراً». هؤلاء سينظمون الانتخابات ويعيدون تنظيم صفوفهم «من دون رقابة على عملهم من قبل أي طرف». تؤكد المصادر وجود فارق بين الامانة والمجلس، «الامانة تضم الجميع أما المجلس فهيئة مستقلة». عزة نفس أعضاء هذا الفريق ترفض الاعتراف بالفشل «هذا التطور جيد... لا خلافات مع أحد بل وجهات نظر متباينة من الموضوع». بالنسبة الى «قائد الاوركسترا» سعيد، فقد بقي غائباً عن السمع طيلة يوم أمس، حتى إنه لم يعقد اجتماع القوى الاسبوعي. تنقل مصادره عنه أنه سيوضح الامور للرأي العام «وليتحمل كل فريق مسؤوليته. شمّر ابن قرطبا عن سواعده ولن يتراجع».