قد لا يكون من السهل ابصار تلويح الرئيس ميشال عون بخطوات سلبية تجبه حكومة الرئيس تمام سلام قريبا على نحو ما اوحى، واظهر عجلة في امره منها. مقدار ما يبدو مستعجلا على الاستحقاقات تحت عبء الوقت، يتصرّف بتأن في المواجهة وحساباتها وتلقف رد الفعل.
على ان خيارات ثلاثة مغايرة ــــ بل مناقضة ــــ تظهر وشيكة اكثر من ذي قبل:
1ــــ تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي للمرة الثانية، في مدة مماثلة لتأجيل التسريح الاول ــــ وهي سنتان ــــ عندما اصدر الوزير السابق للدفاع فايز غصن في 12 ايلول 2013 قراره، وكانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ابان تصريف الاعمال. يبدو تأجيل التسريح الثاني لسنتين اخريين تنتهيان في ايلول 2017 ــــ وهو الحد الاقصى الذي يمكن قائد الجيش البقاء في الخدمة (44 سنة) ــــ قاطعا ونهائيا، على وفرة الضغوط التي يمارسها عون على حكومة سلام للحؤول دونه. على ان القرار بين يدي وزير الدفاع سمير مقبل وحده.
بالتأكيد بات من باب الاوهام الاعتقاد بأن معظم الافرقاء اللبنانيين، في قوى 8 و14 آذار على السواء، لا يزالون يتمسكون ببقاء قهوجي في قيادة الجيش، كموطىء قدم لبقائه في السباق الى انتخابات الرئاسة. لا هذه، ولا تلك. بيد ان لا بديل منه حتى الآن. لا شغور في المنصب، لا ضابط غير ماروني يحلّ فيه ايا تكن الذريعة، لا قائد جديداً للجيش بسبب تعذر التوافق عليه. كل ذلك يجعل تأجيل التسريح ضروريا حتى اشعار آخر. في الشكل يستمر قهوجي ما دام لا خيار سواه الى ان يُنتخب رئيس للجمهورية، اذ ذاك يصبح انهاء خدمته حتميا. على ظهر تلك الاوزار يستمر في موقعه.
2 ــــ لن يقول تيار المستقبل الآن ومستقبلا، حتى تشرين الاول في احسن الاحوال، نعم لتعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائدا للجيش. بالتأكيد سيتكمن من ابقاء اليد على المديرية العامة لقوى الامن الداخلي وتأجيل تسريح اللواء ابراهيم بصبوص، على الارجح في 6 حزيران، بقرار من وزير الداخلية نهاد المشنوق بسبب تعذر توافر نصاب الثلثين لتعيين آخر. لا يربط تيار المستقبل بين تعيين خلف لبصبوص وتعيين روكز قائدا للجيش، بعدما ولى الى غير رجعة التعهد الذي قطعه الرئيس سعد الحريري لعون بمجاراته في هذه المقايضة.
كان ثمة الكثير دار في الحديث، في بيت الوسط، عندما نزل عون ضيفا على الحريري مساء 18 شباط الماضي، وكانت مناسبة لمعايدة الرئيس السابق للحكومة سلفه الرئيس السابق للحكومة في العيد الثمانين. على ذمة الرواة الواسعي الاطلاع، دار بين الرجلين حوار مهم حينذاك.

استقبل الحريري
روكز فلوّح
جعجع بالخروج
من 14 آذار



قال الحريري انه حائر بين العميدين عماد عثمان وسمير شحادة لترؤس المديرية العامة لقوى الامن الداخلي. كلاهما يحظى بتأييد مراكز قوى في تيار المستقبل، بيد ان الثاني تلح عليه عمته النائبة بهية الحريري. واكد انه لن يبت ايا منهما في انتظار اتضاح رجحان الكفة قبل الوصول بالاسم الى مجلس الوزراء.
ردّ عون باعلان دعمه اياه في مَن يختاره لذلك المنصب، الا ان لديه مرشحا واحدا لقيادة الجيش هو العميد شامل روكز.
بدوره الحريري ايّد ترشيح روكز، وطلب من عون ايفاده اليه في اليوم التالي، للتعرّف اليه. لم يسبق ان عرفه قبلا.
اليوم التالي زار قائد فوج المغاوير بيت الوسط، وحصل التعارف بينه والحريري.
اغضبت المقايضة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فلوّح بالخروج من تحالف قوى 14 آذار في حال الاتفاق على روكز قائدا للجيش. في روحية رسالة جعجع الى الحريري لثنيه عنها، ايحاؤه بأنه لن يوافق على تكرار تجربة عون في قيادة الجيش بين عامي 1988 و1990 من خلال صهره العميد روكز. وهو ما بلغ الى عون بالذات.
طمأن الحريري حليفه الابرز في الائتلاف برسالة جوابية، انطوت على تخليه عن تلك المقايضة واصراره على استمرار تحالف قوى 14 آذار: استقبالي اياه للتعرف اليه، ولا يعني موافقتي على تعيينه.
لم تكن المرة الاولى يدرك رئيس تكتل التغيير والاصلاح تنصل رئيس تيار المستقبل من تعهد قطعه له، على مرّ جولات طويلة من التفاوض المباشر وغير المباشر بينهما.
ما يعنيه ذلك كله، ان قائد فوج المغاوير يوشك على فقدان فرصة تعيينه قائدا للجيش من الآن حتى موعد احالته على التقاعد في تشرين الاول، تبعا لمبررات ثلاثة على الاقل:
توقع تأجيل تسريح قهوجي للمرة الثانية قبل ذلك الموعد بكثير. يتردد ان هذا الخيار ليس مطروحا للمساومة في هذا الظرف بالذات.
تمسّك تيار المستقبل بمعارضة تعيين روكز، ومنع مقاربته في مجلس الوزراء قبل انتخاب الرئيس.
طيّ صفحة مشروع قانون تعديل سن التقاعد الراقد في ادراج الامانة العامة لمجلس الوزراء منذ كانون الاول، بعدما اظهر التشاور من حوله انه لا يحظى بالتوافق المطلوب بما يتيح اقراره في حكومة سلام، ناهيك بانتهاء العقد العادي الاول لمجلس النواب بعد اقل من اسبوعين، وذهاب البرلمان في اجازة طويلة حتى العقد العادي الثاني في منتصف تشرين الاول، يكون روكز قد احيل عندئذ على التقاعد.
3 ــــ لا تزال تدور داخل التيار الوطني الحر مناقشات مستفيضة، بين قائلين بضرورة اعتكاف وزيري التيار توطئة للاستقالة ما لم يُستجب طلب عون تعيين روكز قائدا للجيش، وقائلين بعدم جدوى الاعتكاف ومن ثمّ مآل الاستقالة والاهداف التي يصح الوصول اليها من جرائها.
بالتأكيد الكلمة لرئيس التيار اولا واخيرا. بيد ان من غير المؤكد ان الضغوط التي يثقل بها عون على حكومة سلام، بدءا بالتلويح بالاعتكاف، ستفضي الى تعليق جلسات مجلس الوزراء وشل قراراته. وقد لا يطول الاعتكاف الى اكثر من اسبوعين او ثلاثة اسابيع حدا اقصى، يعود الجميع بعد ذلك الى طاولة المجلس التي يحتاج اليها الوزراء جميعا كما حقائبهم. على ان اصحاب الرأي غير المتحمس لكل من الاعتكاف والاستقالة ليسوا قليلي الشأن في التيار، بل قد يكونون من بين الاوسع تأثيرا، ما يجعل القرار عندئذ مربكا وضائعا في الاهداف التي يتوخاها.