قبل عامين، كان تاريخ قائد «القوات» اللبنانية سمير جعجع حافلاً بجرّ الصحافيين المعارضين له الى محكمة المطبوعات، وربما لو كانت موسوعة «غينيس» مهتمة، لحصل جعجع على لقب أكثر سياسي قام باستدعاء هؤلاء الى المحاكم. يومها اكتظت هذه المحكمة بصحافيين كانت تهمتهم الأولى والأخيرة «القدح والذم والتشهير»، وأغلبهم كان ينتمي الى الخط «العوني». في بداية العام الجاري، حلّ الوفاق ونزلت من السماء البركات على خصوم الأمس، وأصدقاء اليوم أي «التيار الوطني الحرّ» و«القوات».
هكذا بسحر ساحر، أسقطت الأخيرة كل دعاواها على الصحافيين العونيين وقام العونيون بخطوة مماثلة عبر إسقاط «هيئة المحامين والدراسات القانونية» في التيار كل دعاوى التشهير والقدح والذم بحق وسائل الإعلام التابعة للقوات اللبنانية وإعلامييها تمهيداً للحوار بين الطرفين اللدودين.
حلّ الوفاق بين البرتقالي والقوات، لكنه لم يحل عند صحيفة «البناء» القومية. أول من أمس، وبعد أخذ ورد وتحقيقات دامت خمس سنوات، غُرِّم المدير المسؤول في صحيفة «البناء» محمد عقل والصحافي حمزة الخنساء بمبلغ 22 مليوناً يتقاسم كل منهما نصفه أي 11 مليوناً بتهمة القدح والذم برئيس «القوات». جاء ذلك على خلفية مقال كتبه الخنساء في الصحيفة المذكورة بتاريخ 7/10/2010 بعنوان «القوات وسيناريو الفتنة المتنقل». وفيه يستكمل الكاتب نقلاً بداية عن صحيفة لبنانية عريقة كشفت بعضاً من مخطط قواتي يتضمن وضع كمائن لـ«حزب الله» في بعض المناطق الجغرافية المختلطة طائفياً. وبعد ذلك استعرض الخنساء نقلاً هذه المرة عما سماه «مصادر مطلعة» سيناريو أكثر توسعاً عن هذا المخطط الفتنوي يطال مناطق لبنانية أبعد من العاصمة. النقل عن هذا المصدر كلف الصحيفة والكاتب معاً هذا المبلغ. والأكثر غرابة في قرار محكمة المطبوعات ربط الغرامة بتهمة «القدح والذم»، علماً بأن المقال لم يتضمن أي إشارة مباشرة أو شخصية لجعجج، بل تحدث وفق ما يقول الخنساء لـ«الأخبار» عن وقائع ومعلومات. واستغرب عدم إقدام «القوات» بعد نشر مقاله الشهير على اتباع الأساليب المهنية والقانونية بنشر رد ونفي في المكان المنشور عينه وذهابها على الفور الى رفع دعوى قضائية. أكثر من ذلك، استدعي الخنساء الى «مخفر حبيش» (ما رآه إهانة له) ، بدل ذهابه بشكل طبيعي الى «المطبوعات» التي بالمناسبة أحيلت القضية اليها قبل عام فقط، أي بعد 3 سنوات من المماطلة والتأجيل والتنقل. يضع الصحافي اللبناني ما صدر عن المطبوعات ضمن سياق «كمّ الأفواه» وترهيب الصحافيين بغية إسكاتهم، كما يريد جعجع عبر محو أي أثر «لتاريخه الدموي إبان الحرب الأهلية اللبنانية». الخنساء تحدّث عن فترة كتابة مقاله التي كانت أجواؤها توحي بمضمونه، قائلاً إنّ الإعلام وقتذاك بأغلبه نقل هذا السيناريو التفجيري المحتمل، ولم يكن وحده. على صفحته الفايسبوكية، أخبر الخنساء الجميع بمضمون الحكم الصادر عن محكمة «المطبوعات» وعن كلفة الغرامة، وعلّق بطريقة ساخرة أنّ بذمته لجعجع 11 مليون ليرة لبنانية سيدفعها له على طريق coins (عملات معدنية). لكن هل سينفذ الحكم؟ يجيب الصحافي اللبناني بالجزم بأن محاميه، بالتنسيق طبعاً مع «البناء» سيقدمون طلب تمييز في المحكمة ولن يدفعوا المبلغ. إذاً، ستدور مجدداً عجلة المحكمة في النظر في هذه القضية التي يظهر من أساسها أنها سياسية بحت.