يتواصل الحوار السنّي ــــ الشيعي، والماروني ــــ الماروني، بوتيرة متفاوتة. الاول دورياً بلا انقطاع او توقف، والثاني بطيئاً يوحي بالتقدم بلا ثمار بعد. كلاهما لا يسعه تبرير استمرار تحدّث الاضداد، مع بعضها بعضاً، من دون ان يتأثر بالانقسام الحاد على معظم الملفات السياسية والامنية الرئيسية، المحلية والاقليمية. حوار من اجل الحوار، ولا شيء سواه.في حوار عين التينة يثابر تيار المستقبل وحزب الله على اللقاء ــــ والثلثاء كانت جولته الحادية عشرة ــــ من غير ان يصطدما. المطلعون عن قرب على مساره، يقولون ان الفريقين لا يكتفيان بمقاربة المسألة الامنية في الشارع فحسب، بل يخوضان في مسائل سياسية، حساسة احياناً وغير متفق عليها دائماً، لكن من ضمن ضوابط، أبرزها:
ــــ لا بند لا يطرح داخل الحوار وان كانا يختلفان عليه، اذا ابدى احدهما رغبة في مناقشته. الا انهما يقاربانه في سبيل تأكيد الخلاف، لا تسعيره ورفع نبرة المواجهة عليه.

ــــ لا يطرح بند الخلاف بغية اتخاذ قرار منه، او تسجيل موقف علني. والحري ان بيانات الجولات المنصرمة من حوار الطرفين، انطوت على قرارات امنية وتفادت الخوض في اي موقف سياسي.
ــــ يحرص الفريقان، وهما على طرفي نقيض في معظم ملفات الداخل والخارج، على تبادل الافكار في سياق الاستيضاح ليس الا.
ــــ لا يقللان احترامهما المواعيد الدورية وتجاوز بعض العراقيل احيانا، كجراحة الظهر التي اجراها معاون الامين العام لحزب الله حسين الخليل واوجبت تغيبه عن اجتماع الثلثاء، كي يؤجلا الالتئام. الا انهما يتمسكان في المقابل بوضع جانبا الملفات التي من شأنها ان تقود الى خلاف علني. على نحو كهذا تمكن الفريقان من الاطباق على المداولات وتجنب تسريبها.
ــــ يضع المتحاوران السنّي والشيعي الملف الامني الداخلي في رأس اولوية المناقشات وتكريس التفاهم عليه، وتوفير اوسع مناخ للاستقرار. كلاهما يتشبّث بوجهة نظره القاطعة من الحرب السورية وتداعياتها، واخصها اخيرا حرب القلمون، وكذلك السجال الذي اداراه في الشارع بعد اطلاق السعودية «عاصفة الحزم» في اليمن، ومن ثمّ الحملات المتبادلة بين الطرفين على خلفية موقف كل منهما من الرياض عداء او اطراء.
يتصرّف حزب الله على انه جزء لا يتجزأ من الحروب الناشبة في المنطقة من سوريا الى اليمن، في حين يعكس تيار المستقبل نفسه حالا محلية غير متورطة في النزاعات الاقليمية، من غير ان يكون محايداً حيالها. واذ يبدو دوراهما متفاوتي التأثير وغير متكافئين، يُبرزان وجهاً لوجه وطأة الصراع الايراني ــــ السعودي، في ذروة اشتعاله في المنطقة في مقابل تحييد لبنان عما يجري هناك. وهو مغزى ان تيار المستقبل وحزب الله يلتقيان على ما التقت عليه طهران والرياض وهو الاستقرار الامني في لبنان، ويحاذران الخوض في ما تختلف عليه العاصمتان الاقليميتان الكبريان وهو بت انتخابات الرئاسة اللبنانية.

الخلاف على السلطة وغياب الامتداد الاقليمي يجعل الحوار الماروني أكثر سهولة


بذلك انسحب الحوار السنّي ــــ الشيعي على حكومة الرئيس تمام سلام ــــ وكان بدأ بعد تسعة اشهر على تأليفها ــــ بوضع ضوابط ادارتها، مماثلة لضوابط الحوار نفسه: يختلف الفريقان ولا يخرجان منها، يتباينان ولا يعتكفان.
على نحو مشابه يسير الحوار الماروني ــــ الماروني بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. ليس بينهما تناحر مذهبي كالاشتباك السنّي ــــ الشيعي في المنطقة، ولا امتداد اقليمياً علنياً على صورتي تيار المستقبل وحزب الله، الا ان الخلاف على الطموحات المشروعة في الوصول الى السلطة ــــ لكليهما في احسن الاحوال ــــ تجعل مشكلاتهما وقدراتهما على الحوار اكثر سهولة، واتفاقهما على الخيارات والسياسات والاستحقاقات اكثر تعقيداً. يختلف الفريقان ــــ وهما يواصلان حوارهما ويحضّران وثيقة سياسية تتناول شكواهما من الافئتات على الدور المسيحي في السلطة والحكم ــــ على الملفين الاكثر قابلية للاشتباك في الوقت الحاضر، وهما رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. كلاهما في الظاهر استحقاق مسيحي، لأن المنصب ماروني، يُعنى به الفريقان. الا ان ايا منهما، ولا الاثنين معا حتما، لا يسعه بت قراره من دون الشريكين السنّي والشيعي.
ما يتوخاه الرئيس ميشال عون من هذين الاستحقاقين لم يقل نده سمير جعجع انه جاهز لمجاراته فيهما. بل تبدو حكمة القوات اللبنانية ــــ على الاقل من وجهة نظرها ــــ في انها تتفادى القول لمحاورها علناً ما لا تريده: في الاستحقاق الرئاسي ليست ضد ترشيح عون، لكن لها مرشحها هو رئيسها، وكلاهما يتساويان في حظوظ الوصول الى رئاسة الجمهورية. كذلك حال قيادة الجيش، لا تجهر بأنها ضد تعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائدا للجيش وتقول انها ضد شغور القيادة وليست ممثلة في حكومة سلام كي تعلن موقفها من التعيينات العسكرية والامنية. مع ذلك ثمة مَن يهمس في اوساط مؤثرة في التيار الوطني الحر ويسأل عن جدوى استمرار الحوار مع القوات اللبنانية، وهي تمتنع حتى الآن عن قول كلمتها في الاستحقاقين المعلقين.