لم يكن لمُلك عبد العزيز بن سعود أن يقوم أو يدوم من دون دعامتيْ الدين الوهابي المزوّر الذي خلق من أتباعه وحوشاً بلا عقل ولا تدبر، والمخابرات الإنكليزية التي أمدته بالمال والسلاح والتخطيط. (...) ويروي جون فيلبي الذي بعثته المخابرات البريطانية في الهند لتوجيه عبد العزيز، قصة علاقة الأخير بالمكتب الهندي، فيقول: «وجد الانكليز في عبد العزيز القابلية التامة، والاستعداد، وقوة الذاكرة لتلقي ما يملى عليه. (...) وبعد أن قضت قبيلة شمّر وأهل حائل على الكابتن شكسبير، رأى المكتب الهندي أن أتولى أنا مهمة توجيه عبد العزيز(...) فقمت بإطلاق لحيتي وشعر وجهي كله. وأشهرت إسلامي واستبدلت اسمي «جون فيلبي»، باسم الشيخ محمد فيلبي. ثمّ رأيت أن من المصلحة الابتعاد عن اسم «محمد» فاستبدلته باسم «الحاج عبد الله فيلبي». ووضعنا مرتّباً شهرياً مبدئياً لعبد العزيز قدره 500 جنيه استرليني، ومبلغ 100 جنيه استرليني لوالده عبد الرحمن، و25 جنيها لكل واحد من إخوته. وتمّ احضار 30 ألف بندقية مع ذخيرتها، وكمية من المدافع الرشاشة».

(...) وبالإضافة إلى الدعم الانكليزي هذا، فقد اعتمد عبد العزيز على آل الشيخ، فصرف مرتبات ثابتة لهم ليفتوا بتكفير من يعارضه، ويبيحوا ماله وعرضه وأرضه. وأفلح عبد العزيز في تكوين جيش متدين يلتزم بفتاوى هؤلاء «الشيوخ» التزاما كلياً، وسُمِّيَ «جيش الاخوان».
اعتمد عبد العزيز
على آل الشيخ، فصرف مرتبات ثابتة لهم ليفتوا بتكفير من يعارضه
وكانت علامتهم الفارقة عمامة فوق الرأس، وشعارهم «هبت هبوب الجنة وينك يا باغيها» (أي فاحت روائح الجنة، فأين أنت يا من تريدها). ورأى قادة الإخوان أن يتجمع جيشهم في أماكن يطلق على كل منها اسم «الهجرة» تشبهاً (مع الفارق الكبير) بالمسلمين الذين هاجروا مع النبي محمد بن عبد الله من مكة إلى المدينة!... وطفق تجار الدين يلقنون الجنود المخدوعين فتاوى غريبة، ومنها أنّ «كل من قتل عشرة من قبيلة شمر، أو أهالي حائل، أو ممن يعادون ابن سعود يدخل الجنة بلا حساب، ليجد فيها عشر حوريات من الحسان الكواعب الأتراب اللائي لا يكبرن عن 15 سنة، ولا يصغرن عن هذه السنين عمرا. بالإضافة إلى لحوم الطيور المشوية التي سيجدها كل من يُقتل تحت بيارق آل سعود في الجنة. وما عليه إلا أن يفتح فمه، فتسقط فيه مشوية دون عظام. هذا بالإضافة إلى أنهار العسل واللبن...».
ويقول أحد شيوخ القبائل (الشيخ بن سحمي) عن هذا الدجل: «لم نكن نعلم بادئ الأمر أن بريطانيا قد جاءت تعلمنا أمور ديننا مرسلة لنا بجون فيلبي وعبد العزيز آل سعود. ولم ندرك هذه الخديعة إلا في وقت متأخر، بعد فوات الأوان، وبعد أن انقسمت المدينة الواحدة، والعشيرة الواحدة، والعائلة الواحدة إلى أقسام عديدة. وقام الأخ منا يقتل أخاه وابنه وزوجته، ثمّ ببيع كل ما يملكه، أو ذبح إبله وأغنامه للتخلص منها. وقد يتخلص حتى من أقرب الناس إليه، ومن كل ما يعوقه في الدنيا عن طريق الآخرة. وكنا نندفع لمشايخ الدين ولعبد العزيز آل سعود، ونبدأ بقتال الأهل والأقارب بعد أن أوهمنا مشايخنا بأنهم من «الكفار» لمجرد أنهم لا يشاركوننا بهذا الجهل الذي حسبناه علماً وديناً. بل وأخذنا نترك نساءنا وديعة لدى عبد العزيز ليرعاهن بينما نذهب نحن للقتال بحثاً عن نساء في الجنة وملذات في الآخرة. ومن لم يمت منا ثم رجع إلى بلده، فإنه يجد عبد العزيز قد تمتع بنسائه في الدنيا، وهو ذاهب يقاتل إخوته بحثا عن نساء في الآخرة... إنّ عبد العزيز آل سعود ألصق العار في وجوهنا».
هذا ما قاله أحد الذين أوهمهم آل سعود، ومشايخ الحركة الوهابية بالفتاوى التي كان لها أقوى التأثير في نفوس بعض القبائل... حتى لقد استطاعوا أن يجعلوا من الوهم عقيدة تشرّبت بها عقول العديد من الناس. وصار بعض أفراد القبائل يتبرأون من كل شيء في الدنيا بحثاً عن ملذات الآخرة. وعندما يصاب أحدهم بجرح يمنعه عن المسير، يبادره أقرب الواقفين منه بطعنة خنجر، مُسِرّاً بأذن المصاب وهو يلفظ آخر أنفاسه قائلاً: «لا تنسني عند ربك يا فلان. أسرع للقاء ربك، وادع لي ليهبني بيتاً في الجنة». فيرد المطعون، وهو يلفظ آخر أنفاسه قائلاً: «هل تريد البيت مخومس أو مسودس؟» (وهما نوعان من بيوت الشعر البدوية). فيرد الطاعن والدم لا يزال يقطر من يده: «لا تطول الحكي. اذهب، فما يريده الله مقبول، ولا شروط عندي فستكون فيه فرس مربوطة، وحور ممشوطة، وكلب للغنم، وسلقة للصيد، ودلو لإخراج الماء. ويكون البيت بالقرب من نهر اللبن وأشجار القهوة».
كذا... وليست هذه الوصايا من أحاديث التندر، إنما هي قصص سعودية قد حدثت فعلاً يرويها من عاصروها... لقد روى أحد أفراد جيش «الإخوان» ممن ما زالوا أحياء لزميل له اسمه فريح النّبص فقال: «حينما كنت من جند الإخوان التابعين للشيخ فيصل الدويش، وجرحت في معركة تربه، وتركني «الإخوان» طريح الأرض أنزف دمي... لم ينقذ حياتي غير امرأة بدوية مرّت بي، فأخذتني إلى بيتها وحفرت لي حفرة في التراب ألهبت النار فوقها حتى حمي التراب ثم دفنتني فيها، فالتأمت جراحي بهذه الطريقة. وبعناية البدوية وبعد شهرين، لحقت بقوم ابن السعود، وإذا بي أجد أحد مشايخ الدين قد تزوج زوجتي بحجة «أنني الآن في الجنة لا بد قد تزوجت سواها». لكنه ما أن رآني قد رجعت حتى أفتى «بكفري»، زاعماً: «أن الله قد أعادني إلى الدنيا، وأخرجني من الجنة لأنني من الكفار والمنافقين. ولقد أمر الشيخ بقتلي من جديد، وإحراقي بالنار تطهيراً لجسدي وروحي الشريرة. ولقد تمكنت من الهرب بجلدي لكني فقدت زوجتي الغالية، ما جعلني أكفر بالدنيا والآخرة».
إنّ هذا الشخص ما زال على قيد الحياة، واسمه «علي السلامة»، وقد قارب الثمانين سنة. وبمثل هذه الفتاوى الفاسدة، استطاع الوهابيون ومشايخ الدجل أن يخدعوا بعض القبائل التي تبرّأت من كل شيء في الحياة باعتباره «شقاء»، ونادوا بأعلى أصواتهم في الشوارع تخلصا من هذا «الشقاء» قائلين: «وينك يا شاري الشقاء؟». ولقد تخلى هؤلاء المخدوعون حتى عن أموالهم باعتبارها «شقاء» يمنعهم ويشقيهم عن الجهاد. وأصبح أهم ما يشغلهم قصور الجنة وحورها... وكان من أول من خُدِعَ بهذه المغريات - ويا للأسف - فيصل الدويش رئيس قبيلة مطير، وسلطان بن بجاد رئيس قبيلة عتيبة، ومحسن الفرم رئيس قبيلة حرب، وأبو اثنين رئيس قبيلة سبيع، وملبس بن جبرين من شيوخ قبيلة شمر وغيرهم. (...) بل إنّ حكايات الحور العين من كثرة ما ردّدها الوهابيون في مجالسهم، فإنّ عبد العزيز آل سعود نفسه صدّقها فعلاً. وقد كان بعض المشايخ يزعمون أنهم شاهدوا الحور العين فعلاً في حائل. ويروي عبيد المسلمان (وهو رجل ظريف، وممن تعاونوا مع السعوديين بعد احتلالهم لحائل) قصة طريفة، فيقول: «لطمني الأمير محمد بن طلال بن الرشيد [حاكم حائل قبل أن يغزوها آل سعود] بكف يده، وصادر بعض أموالي التي أرابي بها، ما جعلني أركب حماري إلى قرية النيصية التي بدأ منها عبد العزيز بن سعود محاصرته لحائل. فاتصلت بعبد العزيز، وأبلغته بمن يعتمد عليهم في حائل. فشكرني، ولكنه لم ينس أن يطلب مني إحضار «حورية» من نساء حائل يرضي بها نزواته. فوعدته خيراً... إلا أنه ألح في طلبه لكي أعود إلى حائل، فأحضر له الحورية منها. وحاولت أن أقنعه أن مجيئي له يتعلق بالسياسة لا بـ«الكساسة»! فرد عبد العزيز قائلاً: «إن ما أطلبه منك هو روح السياسة». فوعدته أني سآتي بها إليه عندما يدخل إلى قرية عقدة القريبة من حائل، وبذلك يسهل حمل المرأة إليه... وكان عبد العزيز لمّا دخل إلى جبل طي يمد «دربيله» (المنظار) على بيوت أهالي حائل ليكشف على النساء، ثم ينادي كبار «الاخوان» ويصرخ بهم: «تعالوا يالاخوان، تعالوا يالمسلمين... انظروا الحور العين في حايل... انظروا نساء الجنة». فيجتمع أخوان الشر حوله ليلقوا بنظراتهم على جهامة النساء من بعيد، وما إن يروا امرأة حتى ترتفع أصواتهم عالية مهللين: «الله أكبر... ايو الله ايو الله: إنها الحور العين! اللهم ارزقنا من خيرها وخير من فيها، واكفنا شرها وشر من فيها»... ثم يصرخ عبد العزيز بن السعود قائلاً بصوت مرتفع منادياً: «أين عبيد؟.. يا عبيد؟ رح هات لي واحدة من الحور العين... رح هات لي ما وعدتني بها».
ويتابع عبيد حكايته قائلاً: «وذهبت حائراً في محنتي أفكر في أمرين. الأول: أن لا يكتشفني أهل حائل أتعامل مع ابن سعود... والثاني: أن اكتشف داعرة تقبل بالتعامل معه، وتغامر معي لتبيع عرضها... ففكرت... ومحّصت... ولم أجد غير محترفة دعارة عبدة معتقة، كان يتعلم بها الصبيان مبادئ النكاح، فاتفقت معها، وأردفتها على صهوة حماري. وكانت طوع إشارتي. وخرجنا من حائل بعد المغرب، ووصلنا إلى خيمة عبد العزيز بعد العشاء. وتركتها على ظهر الحمار وترجلت. وما أن شاهدني «الإمام» حتى صرخ فزعاً بأعلى صوته: «أين الغرض يا عبيد؟». فأجبته قائلاً: «على الحمار يا طويل العمر». حينها انبلجت أساريره، وناداني ليوشوشني، وسألني: «هل هي زينة؟!»، فقلت له: «حورية يا إمام المسلمين». فأسرع داخلاً معها في الظلام. وفي الصباح سلمني إياها. وقلت له: «لا... إنني ما جئت بها إلا لك خاصة لتأخذها معك ولا يمكن أن أعيدها وقد اتفقت معها مسبقاً على أن تكون زوجة لك، على الكتاب والسُنة». فوافق عبد العزيز ضاحكاً: «ما دام في الأمر كتاب وسنة قبلناها». (...) وما لبث عبد العزيز حتى برّ بوعده، وأرسل من أقلّها إلى الرياض حيث أصبحت والدة لثلاثة من أولاده».
(...) وإنّ إتيان الفحشاء لم يقتصر على عبد العزيز وحده، فما أن استولى جيش السعوديين على قرية عقدة وجبل طي حتى باشروا عدوانهم على النساء؛ بل إنّ بعضهم جامع حتى الحيوانات كالأُتُن. ويشمئز الإنسان من ذكر حوادث حصلت من هذا النوع حينما تقدم أصحاب الحيوانات في قرية عقدة إلى الشرع السعودي وإلى عبد العزيز نفسه، طالبين إنصافهم ممن عاشروا إناث حميرهم وحيواناتهم من جنود الجيش السعودي، وقد ذكروا أسماءهم.
(...) ولقد تكبد أهلنا خسائر فادحة جراء ما جَرَّه عليهم هؤلاء الدجالون السعوديون الذين كان أول ما بدأوا به هو الهجوم على قريتي بيضاء نثيل والشييعة، وذلك في ليلة 27 رمضان حيث هجموا على القرويين الآمنين في المسجد أثناء أداء صلاة الفجر، وقتلوهم وهم عزل. ولم تكن لهاتين القريتين من أهمية استراتيجية في المعارك أو أي فائدة مادية لهم أو ضرر عليهم، ولم يكن لأهل القريتين أي دور معروف في القتال. بالإضافة طبعاً إلى أن الدين ينص على عدم الغدر أو التمثيل لا بالإنسان، ولا بالحيوان، ولا حّتى بالشجر... ومع هذا فقد قتلوهم وهم يصلون الصبح في المسجد صائمين رمضان وبيدهم القرآن، واعتدوا على أعراض نسائهم. وأمّا قرية الجليدة فقد قتلوا كل رجالها وذلك بقيادة ملبس بن جبريل، وشرّدوا نساء شمر إلى الكويت. فأرغموا بعضهن على ممارسة أخس أنواع المعيشة، بعد أن هتك السعوديون أعراضهن في تلك المذبحة، وذبحوا رجالهن وأطفالهن.
(...) ولقد بلغت اللوثة الوهابية بالبعض حتى قتل الأخ أخاه، والابن أمه أو أباه... وبدأ دين الدجل يسري في حائل من جهتها الجنوبية في قرية اسمها الروضة حيث برزت مخلوقات تسمى عذال ومغيلث وناصر الهواوي، الذي نصب نفسه قاضياً شرعياً ومفتياً. وأخذ يفتي بتكفير قبائل شمر وأهل حائل، وأفتى بأن يقتل كل ذي قربى قريبه الذي يريد البقاء في عهد الجاهلية، ويرفض الدخول في الإسلام. ومما أفتى به المدعو ناصر الهواوي («قاضي الروضة») ان يتولى شلاش الهديرس تقطيع أوصال ابنه ناصر بدعوى أنه من الكافرين. ومن العجيب أنّ الوالد شلاش الهديرس قام بالفعل بتقييد يدي ابنه ناصر أمام جمع من سكان الروضة، وطفق يضرب ولده بالسيف بكل ما أوتي من قوة. (...) وبعد ذلك صافحه المفتي الدجال، وهنّأه الحاضرون بعد أن قذفوا أوصال الابن الشهيد في العراء!
* (مقتطفات من كتاب «تاريخ آل سعود» لناصر السعيد)

في عدد الاثنين: الشريعة السعودية

■ للإطلاع على كتاب «تاريخ ال سعود» انقر هنا