يروى أن مجموعة من اللبنانيين المتملّقين «عثرت»، عام 1929، على ثري اسمه جورج لطف الله كان يستقبل هؤلاء في قصره في القاهرة. «لعب» أحدهم بعقل الرجل وأقنعه بأنه خير من يصلح ليكون «أمير لبنان». وسرعان ما طُبعت مذكرات صوّرت لطف الله ابن سلالة مُلْك عظيمة في بلاد المشرق، وروّجت الصحافة له داهية وعبقرياً في العلم والسياسة والأدب. وبالفعل، انتقل «الأمير» إلى باريس حيث دفع ثلاثين ألف جنيه ثمن كتاب موقّع من وزارة الخارجية يطلب من المفوض السامي في لبنان مساعدته للوصول إلى موقع الرئاسة في لبنان. عاد لطف الله إلى قصره السرسقي في بيروت وفتحه أمام المؤيدين، قبل أن يكتشف أن كتاب الخارجية الفرنسية مزوّر، كإعجاب المؤيدين.
ولّى زمن لطف الله ليبدأ زمن نعمة افرام. لم يحالف الحظ اللبنانيين للتعرف إلى منقذهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً، بعدما انقضى عهد ميشال سليمان من دون أن يعيّن الرئيس السابق لجمعية الصناعيين وزيراً. مصادر افرام تعزو ذلك إلى تآمر مختلف القوى السياسية، من ميشال عون إلى سعد الحريري مروراً بسمير جعجع وميشال سليمان، بسبب خشيتهم على مستقبلهم السياسي إذا اكتشفته الجماهير. إلا أن هذا يثير شعوراً بالتحدي لدى الرجل بدل أن يحبطه: لذلك، تجاوز نكستي النيابة والوزارة، وبات يتطلع إلى رئاسة الجمهورية، مستخدماً أدوات التكنوقراط: تحريض ذكي وغير مباشر على رؤساء الأحزاب المسيحية حد تحميلهم، عبر الإعلانات التلفزيونية، مسؤولية الأزمات البيئية بسبب مسؤوليتهم عن الفراغ الرئاسي؛ تقديم نفسه بديلاً يعد بالازدهار الاقتصادي من دون أن يلطخ يديه بدماء الحرب وفساد إعادة الإعمار؛ الاستخفاف الشديد بكل ما يحصل، موحياً للمتلقّين بأنهم يعيشون في سويسرا أو بريطانيا.
يستصعب أحد أصدقاء افرام تخيله يفكر بأقل من رئاسة الجمهورية. فهو اعتاد منذ طفولته أن يتقدم كل أقرانه، لكنه يرى اليوم نفسه محاطاً بنواب ووزراء حاليين وسابقين، فيما يعجز هو عن الفوز بلقب رسمي. على المستوى النيابي، صهره الدكتور وليد الخوري نائب، وعديله فريد هيكل الخازن نائب ووزير سابق. على المستوى الوزاري: صديق والده سجعان قزي وزير، ومساعد والده في الشؤون الصحافية يوسف سلامة وزير سابق. تراجع عن الترشح إلى الانتخابات النيابية قبيل تمديد 2013 بعدما أدرك أن صديقه السابق رئيس بلدية جونية جوان حبيش سيفوز على لائحة العونيين، فيما حظوظ النائبين السابقين منصور البون وفريد هيكل الخازن والوزير السابق زياد بارود باختراق اللائحة العونية تتقدم حظوظه بكثير. وبناءً عليه، يكفي المحيطين بافرام طرح اسمه في هذه المرحلة في بورصة الأسماء الرئاسية، ليتحول من «رئيس سابق لجمعية الصناعيين» إلى «مرشح رئاسي»، خصوصاً أنه من هواة حمل الألقاب. فهو مؤسس «المؤسسة اللبنانية المسيحية في العالم» التي تسعى إلى الحفاظ على التوازن الديموغرافي بين مختلف مكونات الوطن (عبر إجبار بعض اللبنانيين على الحدّ من النسل وتلقيح البعض الآخر لإنجاب توائم؟)، كما أنه ملهم جمعية «لبنان الرسالة»، ونائب رئيس المؤسسة المارونية للانتشار، وعضو في كل من مجلس أمناء «تجمع الصداقة اللبناني للحوار المسيحي – الإسلامي» و»المركز الماروني للتوثيق والأبحاث» و»ملتقى التأثير المدني» ومجلس إدارة «تيلي لوميار»، ورئيس «أصدقاء المدرسة الرسمية»، ورئيس جمعية «أصدقاء المدينة»، ورئيس «جمعية مهرجانات جونية الدولية». وهو عضو في اللجنتين الاستراتيجية والاقتصادية التابعتين للبطريركية المارونية، وعضو في «منظمة الرؤساء الشبان». وبناءً عليه، ما على المتسائلين عما ستكون عليه أوضاع الجمهورية في حال انتخاب افرام رئيساً إلا التمعن في أوضاع كل هذه القطاعات والمؤسسات التي أولاها اهتمامه في العقد الماضي، من الصناعة إلى الانتشار الماروني والمدرسة الرسمية!

تجاوز نكستي
النيابة والوزارة وبات يتطلع إلى رئاسة الجمهورية

قبل سنوات، كان الرجل معنياً بانتخابات جونية البلدية. يومها، حرصت مختلف القوى السياسية على توفير كل الدعم له، بعدما ظن كثيرون أن مدينتهم ستنافس بقوة مونتي كارلو وميكونوس. لكن سرعان ما سرت شائعات عن أنه يسعى، عبر البلدية، لدى الوزارات المعنية إلى استملاك شاطئ جونية الذي تحتله المطاعم والملاهي والمنتجعات، لا لحمايته من المجارير وتحويله إلى شاطئ لجميع اللبنانيين، بل لبناء مشروع أشبه بـ»زيتونة» النائب محمد الصفدي. وأخيراً، علمت «الأخبار» أن مقربين من افرام يشترون، منذ بضعة أشهر، كل ما يمكنهم شراؤه في السوق العتيق ومحيطه، في انتظار توسيع وزارات الدولة مرفأ جونية ليصبح قادراً على استقبال السفن السياحية، وانطلاق المشروع السياحي الجديد. وفيما تنظم بلدية جبيل، سنوياً، مهرجانات ناجحة، أنشأ افرام جمعية خاصة بتنظيم مهرجانات جونية حوّلتها من احتفال شعبي مفتوح أمام المواطنين، إلى احتفال نخبوي مغلق لا يمكن أسرة تتألف من أربعة أفراد الاستمتاع بسهرة واحدة من سهراته من دون دفع 200 دولار. وحتى هنا، عجز رجل الأعمال الناجح عن تنظيم مهرجان مربح، لذلك «يضطر» إلى إعلام من يهمهم الأمر، عاماً تلو آخر، بأنه يدفع من جيبه الخسائر السنوية التي تتكبدها لجنة المهرجانات.
المقربون من افرام يتحدثون دائماً عن نجاحه في إدارة شركات «إندفكو» التي «يعمل فيها أكثر من 10000 موظف» كدليل على إمكان نجاحه في إدارة البلد. لا فرق بين إدارة 10 آلاف موظف وإدارة 4 ملايين مواطن. يمكن دائماً تحويل الوطن إلى شركة والمواطنين إلى موظفين. هذا ما حصل في بلدية جونية ومهرجاناتها، وجني الأرباح بات قريباً. المقربون أنفسهم يلوّحون للبنانيين بأن وصول افرام إلى الرئاسة سيعني أنه سيحمل معه فريق عمله الخاص الذي يضم مئات الطاقات الشابة المتفوقة علمياً. علماً أن أحداً لم يتلمّس أثر هذه الطاقات في كل المناصب التي تبوّأها.
يقول افرام في إحدى مقابلاته إن مثاله الأعلى هو بنجامين فرنكلن الذي وحّد الولايات المتحدة ووضع أسس تحولها إلى دولة صناعية عظمى و»لم تكن السياسة هدفاً له». هو، إذاً، كغيره من رجال الأعمال الذين شق الرئيس رفيق الحريري طريق الأحلام أمامهم: طوباوي، يعطي وطنه من دون مقابل، وكل همّه أن «تكون السياسة في خدمة الاقتصاد لا العكس كما يحصل اليوم». أحلام وطموحات لم يعرف لبنان، في تاريخه، أياماً أصعب من أيامه مع أصحابها. علماً أن والد افرام، النائب والوزير السابق جورج افرام، أمضى حياته السياسية معارضاً للحريري الأب وطموحاته، فيما يتماهى نجله اليوم مع الحريري الابن اقتصادياً وسياسياً.