بعد سقوط مدينة أدلب وبعدها «جسر الشغور» (بوابة الشمال باتجاه الساحل) ثم ارتفاع وتيرة الحرب النفسية ضد النظام السوري وحلفائه، وترويج شائعة كاذبة عبر السوشيال ميديا عن مقتل الرئيس السوري بشار الأسد، أطل الأخير خلال مشاركته في تكريم أبناء شهداء الحرب المنتسبين للكليات العسكرية في مناسبة ذكرى عيد الشهداء في 6 أيار 2015. يومها، أطلق وعداً صريحاً بفك الحصار عن عناصر الجيش السوري في مشفى «جسر الشغور» وتخليصهم من حصار الجماعات التكفيرية، فكانت النتيجة سقوط تدمر في يد «داعش».
مع ذلك، تمكن الجيش السوري من فتح طريق لانسحاب حفنة من عناصره الذين صمدوا في «مشفى جسر الشغور»، فإذا بالحادثة تتحول إلى «مناسبة لاحتفال السوريين بنصرهم». وأي نصر ذاك الذي يعد بالمزيد من امتداد الكارثة السورية! هكذا، علت أصوات المعارضة المسلحة، وهنأت أبواقها من الشخصيات الإعلامية والفنية بعضها بسقوط آخر معقل للنظام في المدينة، ثم أحصت بزهو أعداد القتلى من السوريين وتركت الفرصة للمراسل الحربي هادي عبد الله الذي تحول إلى «غول» يرقص عند عشرات الجثث المتفحمة من أشقائه السوريين وهو يقول عنهم «عناصر تابعة لكتائب الأسد»! وراح الشريط نحو التداول رغم وحشيته.
على ضفة مقابلة، طبّل المؤيدون للنصر الموعود واكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي صور «الجرحى الأبطال الذين صمدوا في وجه جيش من الإرهابيين» حسب تعبير الصفحات الموالية، إلى درجة أنّ صفحة الفايسبوك العائدة للجالية السورية في أميركا التي تحمل اسم الدكتور بشار الجعفري ممثل سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك دخلت على خط الاحتفال، فنشرت صورة لجندي مخّضب بدمائه، وأتبعتها بجمل احتفالية قبل أن تعود وتزيلها لأن غلطة الشاطر بألف. فالصورة التي تداولتها عشرات المواقع والصفحات التواصلية الموالية، لم تكن سوى لقطة معبرة للممثل السوري الشاب دانيال الخطيب (الصورة) من فيلم «مطر حمص» (2014) للمخرج جود سعيد الذي انتفض سريعاً مصححاً الموضوع من خلال صفحته الزرقاء، قبل أن يطلب التوقف عما أسماه «دعارة إعلامية». وكانت لصاحب الصورة الممثل الشاب دانيال الخطيب وقفته الأكثر بلاغة عندما عبر بلغة بسيطة وتعليق كتبه على صفحته على الفايسبوك قال فيه: «أخاف وضع صورتي هنا، فيظن العامة أنني أضع صورة شهيد في جسر الشغور أو في عدرا أو حلب. آمل من الله أن تتوقف صفحات الإعلام الإلكتروني من نشر هذه الصورة. حينها تأكدوا أنه لن يكون هناك خسائر جديدة في تدمر أو درعا أو دير الزور وجميع أرجاء سوريا» ثم توّجه لمخرج الفيلم بالقول: «أستاذ جود توقف عن منحي أدواراً جديدة. أريد أن يكون هذا المشهد ختام الفن بالنسبة لي.. كل فيلم وسوريا بخير».
أربع سنين عجاف أرخت بظلالها على كامل سوريا والحرب المستعرة تزداد شراسة ولا تزال المعركة الإعلامية صاحبة اليد الطولى في ازدياد سعار الحرب. الواقعة الأخيرة تذكرنا باللقطة السينمائية التي تم تداولها منذ فترة من فيديو «الطفل السوري البطل» (الأخبار 17/11/2014) الذي أقنع الرأي العام على أنّ هناك طفلاً حمصياً يحاول انقاذ أخته الصغرى متحاشياً رصاص القناص، ويستمر في عمله البطولي رغم إصابته بطلقات عدة. لكن بعد أشهر، خرج المخرج النرويجي لارف كليفبيرغ وفضح اللعبة. قال بأن هدف الفيديو كان «الترويج للدفاع عن معاناة الأطفال في سوريا» كأنه يقول لنا يا لغبائكم!