افتتحت أمس الدورة السادسة لمؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين. طغت على المشاركين دعوات «زيادة التعاون» بين البلدان العربية والصين وضرورة الاستفادة من استراتيجية الصين الرامية إلى «بناء حزام اقتصادي على طريق الحرير». قلّة تحدثّت عن مصالح البلدان العربية، وما تريده من هذه «الطريق».«المارد الصيني» في لبنان.

فندق فينيسيا غصّ بالمدعوين؛ أكثر من 290 رجل أعمال وشخصيات رسمية صينية أتوا لتسويق استراتيجيتهم في الشرق الأوسط تحت شعار «بناء حزام اقتصادي لطريق الحرير» «وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين»، التي عُرفت لاحقاً باسم «الحزام والطريق». الدورة السادسة من مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين فرصة مناسبة لتسويق هذه الاستراتيجية والاستماع إلى الصوت العربي. رجال الأعمال اللبنانيون، كعادتهم، «هرعوا» بالمئات إلى المؤتمر للبحث عن شريك صيني يورّد لهم سلعة «أرخص» تزيد تنافسيتهم. قلّة فقط كانت تبحث في عمق العلاقات الصينية ــ العربية.
هكذا جاءت كلمات الافتتاح. تركيز على حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وعلى الاستفادة من استراتيجية «الحزام والطريق». رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، توقع توسيع الشراكة مع الصين «بفعل الآفاق الجديدة للتعاون التي يفتحها المسار الاقتصادي لمشروع طريق الحرير». أما نائب رئيس المؤتمر الشعبي الصيني زينغواي وانغ، فقد دعا البلدان العربية إلى شراكة استراتيجية في مشروع «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير»، مشيراً إلى أن «الصين تعمل على فتح الأسواق أمام المنتجات العربية». أما الوزير السابق عدنان القصار، الذي يعدّ رائد العلاقات الصينية اللبنانية، فقد أشار إلى أهمية «بناء حزام اقتصادي لطريق الحرير» بعد مرور 60 عاماً على توقيع أول اتفاق تجاري بين لبنان والصين في عام 1955. وقال رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، محمد شقير، إن حجم التبادل التجاري العربي الصيني بلغ نحو 240 مليار دولار في عام 2013 «لكن لا بد من تنويع الشراكة القائمة، بحيث لا تبقى بمعظمها محصورة في التبادل التجاري، ويجب معالجة الخلل في الميزان التجاري بين الدول العربية والصين، عبر العمل على تنويع الواردات الصينية من الدول العربية مع التركيز على المنتجات غير النفطية لخفض هذا العجز».
في الواقع، إن «طريق الحرير» المشار إليها، هي المسالك والدروب البرّية التي توصل شواطئ البحر المتوسط بالصين عبر سوريا والعراق، وصولاً إلى إيران والهند، وهي الخطّ البحري الذي كان ينقل تجارة جنوب وشرق آسيا إلى أوروبا. وبالتالي، فإن الاستراتيجية الصينية موجّهة لكل البلدان الواقعة على جانبي هذه الطريق وتطوير علاقاتها معها من خلال خمسة مبادئ وردت في ورقة أعدّتها وزارة الخارجية الصينية: الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة الخمسة للتعايش السلمي، التمسك بالانفتاح والتعاون (المقصود بين الصين والدول الواقعة ضمن منطقة الحزام)، التمسّك بالانسجام والتسامح، التمسّك بعمليات السوق (اتباع قواعد السوق والقواعد الدولية والتفعيل المستفيض لدور السوق الحاسم في توزيع الموارد) والتمسك بالمنفعة المتبادلة والكسب المشترك.

هل أخذ العرب قراراً بالحصول على المعرفة في الصناعة والتكنولوجيا من الصين؟


هذه المبادئ التي وردت في ورقة وزارة الخارجية الصينية تحت مسمى «مبادئ البناء المشترك»، تشير بوضوح إلى أن الأمر أبعد وأعمق من مجرّد «طريق» كانت تستعمل لنقل الحرير الصيني والتوابل الهندية إلى بلاد الشرق وأوروبا... وبالتالي يستوجب الأمر طرح سؤال من نوع مختلف: ماذا يريد العرب من الصين؟ وعلامَ يمكن أن يحصلوا؟
يكاد المؤتمر يخلو من أي إجابة بسبب «الوفرة» في تسطيح القضايا الاقتصادية. المارد الصيني يحاول تقديم صورته العالمية ــ الاقتصادية من خلال «طريق الحرير»، لكن العرب لا يزالون عالقين ومذهولين من مؤشرات «التبادل التجاري» التي تميل لمصلحة الصين، رغم أنها تتضمن صادرات النفط العربي.
وبحسب رئيس تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني علي العبدالله، فإن «الصين تنظر اليوم الى البلدان العربية باعتبارها سوقاً واعدة وواسعة، وتضمن فرصاً تجارية كبيرة وهي مصدر أساسي للنفط»، أما البلدان العربية «فهي تنظر إلى الصين باعتبارها واحدة من أكبر الأسواق العالمية التي لم تكتشف فيها كل الفرص بعد نظراً إلى القوة الإنتاجية الخجولة للبلدان العربية وعدم وجود رؤية اقتصادية عربية واضحة تجاه الصين».
في لبنان، يبدو كلام العبدالله أوضح. فالتبادل التجاري خلال السنوات الأربع الماضية يشير إلى ارتفاع في صادرات الصين إلى لبنان وانخفاض في صادرات لبنان إلى الصين. ففي عام 2011 كانت صادرات لبنان إلى الصين تبلغ 43.5 مليون دولار، لكنها تراجعت في عام 2014 إلى 12.4 مليون دولار. وفي هذا الوقت كانت صادرات الصين إلى لبنان ترتفع من 1624 مليون دولار في 2011 إلى 2483 مليون دولار في 2014.
لكن ما هي حقيقة كل هذا التبادل؟ يمثّل النفط أساس الصادرات العربية إلى الصين، وهو الذي يجعل كفة الميزان التجاري مع الصين تميل لمصلحة بعض دول الخليج. سطوة المارد الصيني فرضت نفسها بسبب الإخفاق العربي «المتعمد في بعض الأحيان» وفق تعبير وزير الصناعة حسين الحاج حسن. وهي التي تدفع العبدالله إلى السؤال الآتي: هل مستوى العلاقات الاقتصادية العربية مناسب ومنطقي؟
الحاج حسن تحدّث بصراحة مع «الصديق الصيني الذي ناصر القضايا العربية»، فأشار إلى أن «الدول العربية تتعامل مع الصين بالمفرّق. أخفقنا في العمل العربي المشترك. لو كنّا نريد التعاطي مع الصين بالجملة، لكان هناك فرصة لإقامة علاقات اقتصادية. لكن في الوضع الحالي نحن سوق للصين».
رؤية الحاج حسن للعلاقة العربية الصينية تستوجب أربع نقاط اساسية:
ــ يجب الإجابة عن السؤال الآتي: ماذا نريد من الصين؟ نحن نستورد من الصين، والشركات الصينية التي تعمل في الدول العربية هي في غالبيتها تستورد البضائع الصينية لتسويقها لدى مستهلكي الدول العربية. نعرف أن الصين هي كتلة نقدية هائلة وهي تبحث عن التوظيف، لكن في المقابل تذهب الاستثمارات العربية إلى البورصات الأميركية حيث تخسر من قيمتها بصورة شبه دورية. المال العربي ضائع وليس له قيمة، أما المال الصيني فهو يستثمر في كل العالم.
ــ يجب علينا أن نحصل على المعرفة من الصين التي نقلت معرفتها إلى بعض دول العالم، لكن «هل أخذ العرب قراراً بالحصول على المعرفة في الصناعة والتكنولوجيا؟ المعرفة تحتاج إلى قرار سياسي. رؤساء العرب يذهبون إلى الصين للتحريض بعضهم على بعض، لا للحصول على المعرفة».
ــ ليس لدينا مانع من التبادل التجاري مع الصين، لكن الأمر يستوجب أن نسأل أنفسنا لماذا هو ليس متكافئاً. نصف ما يصدّره لبنان إلى الصين هو عبارة عن خردة، وقد تبيّن أن هناك معوقات للتصدير إلى الصين. «عندما كنت وزيراً للزراعة، حاولت تصدير زيت الزيتون، لكن واجهتنا ضريبة بنسبة 40%، ما يجعل سلعنا أغلى من السلع الأوروبية التي تحصل على ميزات ضريبية تفاضلية».