وافق مجلس الوزراء في جلسته أمس على طلب وزير المال تفويضه «التفاوض لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ الأشغال العائدة لمعمل إنتاج الطاقة الكهربائية في موقع دير عمار ـ 2». تشي المراسلات الواردة ضمن الملف المرفوع الى مجلس الوزراء بأن لا نهاية قريبة للمشروع»، وأن المتعهد يريد مستحقاته «وإلا سيعمد إلى اتخاذ إجراءات قانونية أمام مراجع عالمية توصلاً لتحصيل حقوقه». وزارة الطاقة تؤيد رأي المتعهد الذي يقول إن ضريبة القيمة المضافة غير مشمولة بالسعر الذي قدّمه، فيما وزارة المال تتمسّك برأي ديوان المحاسبة الذي يقول إن قيمة الضريبة هي ضمن السعر.
سعر ملتبس

إذاً، يبدو مشروع «دير عمار ـ 2» مهدداً من أساساته بسبب سجال عقيم حول طريقة احتساب ضريبة القيمة المضافة. القصّة بدأت في نهاية عام 2011 حين أقرّ مجلس الوزراء البدء بمشروع إنشاء معمل لإنتاج 700 ميغاوات في دير عمار في موازاة البحث عن تمويل بقروض ميسّرة. وفي نهاية عام 2012، أطلقت وزارة الطاقة مناقصة التلزيم التي فازت بها شركة «J&P Avax» بعرض بلغت قيمته 360.9 مليون يورو (ما يوازي في حينه 495 مليون دولار). مجلس الوزراء وافق على نتائج المناقصة في 12 آذار 2013، ثم باشرت الشركة بالعمل في 14 تشرين الأول 2013. وعندما بدأت الشركة الملتزمة بتقديم فواتيرها إلى وزارة الطاقة، تبيّن أن العقد الموقع مع الشركة يخلو من الإشارة المباشرة والصريحة إلى ضريبة القيمة المضافة وطريقة احتسابها، وبالتالي كان لا بد من الإجابة عن هذا السؤال من قبل وزارة الطاقة: هل يشمل السعر الذي قدّمته الشركة وفازت على أساسه، ضريبة الـ TVA، أم أن هذه الضريبة تضاف على السعر المعروض، وبالتالي يجب على الخزينة تسديد مبالغ إضافية قيمتها 36 مليون يورو (ما يوازي في حينه نحو 49.3 مليون دولار)؟
إدارة الشركة الملتزمة قالت إن السعر المعروض لا يشمل قيمة الضريبة التي يجب أن تضاف فوق السعر، وقد أيّدتها في هذا الرأي وزارة الطاقة. وأفادت وزارة الطاقة، بالاستناد الى مراسلاتها مع المتعهد، بأن العقد جاء نتيجة مناقصة عمومية شارك فيها أكثر من عارض، وكلهم لم يحتسبوا ضريبة القيمة المضافة ضمن أسعارهم. كذلك قالت إن مجلس الوزراء اطلع على مجريات المناقصة ووافق عليها، علماً بأن وزارة الطاقة أوضحت أن «العروض لا تتضمن الضريبة على القيمة المضافة». وأوضحت الوزارة أن ملف المعاملة ذهب إلى ديوان المحاسبة لإجراء الرقابة المسبقة عليه، مرفقاً بمطالعة مراقب عقد النفقات لدى وزارة الطاقة والذي يبيّن كل الإجراءات المتبعة والنتائج التي لا تتضمن ضريبة القيمة المضافة.

هناك محاولات للتسوية بمبلغ 80 مليون دولار لكن المتعهد رفضها


وبحسب وزارة الطاقة، أصدر الديوان قراره رقم 652 الذي قضى «بالموافقة على الصفقة» مشيراً في صفحته الرابعة إلى أن «من الطبيعي عدم احتساب ضريبة القيمة المضافة ريثما يتقرّر مصدر التمويل نهائياً».
وفي 5 تشرين الثاني 2013، بدأت الشركة المتعهدة بتقديم فواتيرها إلى وزارة الطاقة «إلا أن المديرية العامة للاستثمار في وزارة الطاقة رفضت إرسال أوامر الصرف إلى وزارة المال، بحجّة أن الفواتير لم تتضمن قيمة ضريبة الـ TVA» وفق ما أفادت به وزارة الطاقة. وتبيّن أن وزارة المال تؤيّد وجهة نظر المديرية العامة للاستثمار في وزارة الطاقة، وهو ما جعل الوزير علي حسن خليل يرفض صرف أي مبلغ قبل حسم هذه المشكلة وتحميل ضريبة القيمة المضافة ضمن السعر المقدّم من الشركة الملتزمة.

الديوان يحسم رأيه

واستمرّ السجال بصورة غير منقطعة حتى 7 آب 2014 حين تلقى ديوان المحاسبة كتاباً من مراقب عقد النفقات لدى وزارة الطاقة والمياه تحت عنوان «بدل الضريبة على القيمة المضافة على مشروع دير عمار ـ 2». الملف يتضمن طلب حجز اعتمادات لتغطية مبالغ ضريبة القيمة المضافة. الديوان قال إن مشروع مطالبة الإدارة بالضريبة على القيمة المضافة على المبلغ الإجمالي للتلزيم الأساسي غير صحيح وغير واقع في موقعه القانوني للأسباب الآتية:
في الفقرة الخاصة بالضريبة على القيمة المضافة، نصّ دفتر الشروط على «أن الضريبة على القيمة المضافة، بقدر ما تنطبق بموجب القوانين اللبنانية والقانون رقم 379 غير مشمولة بالأسعار ويجب أن تكون مبينة على حدة وبشكل منفصل، وفي حال عدم ذكر الضريبة على القيمة المضافة TVA في تحليل الأسعار يعتبر أن العارض قد احتسبها ضمن السعر الإجمالي تلقائياً.
ويضيف الديوان إن دفتر الشروط كان واضحاً وصريحاً بالنسبة إلى هذه الضريبة «ذلك أنه خصص لها فقرة مستقلة». وشدّد الديوان على أن ما ورد «بعبارة صغيرة، من أن الأرقام الواردة في التقرير المعروض على مجلس الوزراء لا تتضمن الضريبة على القيمة المضافة، هي عبارة وردت في كتاب وزير الطاقة والمياه وليس في نتيجة القرار الذي جاءت فيه الموافقة على أساس المبلغ الإجمالي». وذكّر الديون برأيه الاستشاري السابق رقم 69 والذي يقول فيه أنه «في حال عدم إضافة ضريبة القيمة المضافة ورسوّ الالتزام على العارض فلا تصحّ الإضافة لاحقاً، ويعتبر السعر متضمناً كافة الأعباء بما فيها ضريبة القيمة المضافة».

فواتير وإنذارات

وفيما كان السجال يكبر ويزداد حدّة طبقاً لتأزّم العلاقات السياسية، كان المتعهد يستمر في تقديم فواتيره من دون أن يقبض مستحقاته، وهو ما دفعه إلى إرسال إنذار ومطالبة الدولة بمبالغ إضافية وبغرامات تأخير عن الفواتير. وتبيّن أخيراً أن التوربينات التي اشتراها المتعهد من شركة أجنبية من أجل تركيبها في المعمل وصلت إلى مرفأ بيروت، لكنها بقيت في مستودعات المرفأ ولم يتمكن من إخراجها بسبب عدم حسم الجدال. ومع استمرار الأزمة حول ضريبة الـ TVA وتحميل قيمتها للمتعهد أو للخزينة العامة، قرّر المتعهد، بحسب مصادر مطلعة، أن يعيد التوربينات إلى الشركة الصانعة وأن يطالب الدولة بدفع قيمة أرضيات المرفأ وبقيمة الفواتير، بالإضافة إلى غرامات مالية تصل قيمتها إلى 150 مليون يورو.

التمويل والضريبة

لكن، ما هي العلاقة الفعلية بين توافر التمويل لهذا المشروع وبين ضريبة القيمة المضافة؟ في الواقع، يبدو الأمران منفصلين للوهلة الأولى، إلا أن الوقائع تثبت العكس. فالمشكلة أن التمويل لم يكن متوافراً لدى اتخاذ مجلس الوزراء قرار السير بهذه الصفقة، بل كان الوزراء المعنيون يأملون أن تحصل الدولة اللبنانية على تمويل من مصادر خارجية معفاة من الضريبة.
ويفسّر المتابعون أن هذا الأمر هو وراء القرار الأول لديوان المحاسبة الذي اعتبر عدم احتساب ضريبة القيمة المضافة أمراً طبيعياً «ريثما يتقرّر مصدر التمويل نهائياً»، ولذلك قال في نهاية قراره الثاني إن «احتمال توفير تمويل خارجي لا يتعارض مع اعتبار أن التلزيم تم على أساس السعر المتضمن قيمة الضريبة على القيمة المضافة، بحيث تتم الفوترة لاحقاً في حال حصول التمويل دون الضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي فإن تفسير قرار ديوان المحاسبة يجب أن يتم على هذا الأساس».
ويقول وزير المال علي حسن خليل لـ«الأخبار» إن الموضوع الذي طرح أمس على مجلس الوزراء ليس إلا «التفويض اللازم للبحث عن التمويل ولا دخل لمشكلة الضريبة على القيمة المضافة بالموضوع، فهذه المشكلة لا تزال واقعة وليس عليها أي تسوية، بل يجب تطبيق الأصول القانونية».
كلام خليل يترك الباب مفتوحاً أمام استمرار المشكلة، ولا سيما أن مصادر «عونية» أبلغت «الأخبار» أنه لم يعد هناك شكّ بأن مشروع إنتاج 700 ميغاوات بات مجهول المصير، وخصوصاً أن هناك محاولات لتسوية هذا الأمر بمبلغ 80 مليون دولار، لكن المتعهد رفضها، وهو يحاول اليوم أن يدرج عقده مع وزارة الطاقة ضمن إحدى الاتفاقيات الدولية التي تتيح له اللجوء إلى التحكيم الدولي والحجز على أموال الدولة اللبنانية أينما وجدت.