يقتصر النقاش في ملف ردم الحوض الرابع على أمور تقنية ــ هندسية بعيداً من الجدوى الاقتصادية للردم ودور مرفأ بيروت المستقبلي وضرورة تصحيح أوضاعه الإدارية. نقاش كهذا لا يفضي إلا إلى محاولات «تسوية» تستبعد فتح ملف المرفأ بكل تفاصيله. يستند «التسوويون» إلى خطّ دفاع سياسي يتألف من رئيس الحكومة تمام سلام، الذي يؤيد ما قام به قريطم لجهة الردم والتلزيم بالتراضي، ومن النائب وليد جنبلاط، الذي يرعى شركة «حورية» الملتزمة أعمال الردم، فضلاً عن أن القوات والكتائب ليس لديهما أي مانع يحول دون التسوية، فيما يتردّد أن إحدى الشركات العاملة في تجارة نقل الحاويات، التي يسوّق لها قريطم ضمن مشروع الردم، تحظى برعاية الرئيس نبيه بري.
في الواقع لم يبق من المعترضين إلا اثنان. رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون، وقيادة الجيش اللبناني. عون يرفض أي تسوية «تقنية» حتى لو لم يعترض عليها ممثلو التيار الوطني الحرّ في اللجنة المنبثقة عن الأحزاب المسيحية. وبحسب مصدر مطلع، فإن الحل التقني والهندسي لعملية الردم، أي التخفيف من المساحات المردومة من 420 متراً (من الرصيف الى داخل الحوض) إلى 150 متراً، وتعميق الأرصفة الجديدة الناشئة عن الردم والفصل بين المساحات المخصصة للبضائع العامة وتلك المخصصة للحاويات... كلها أمور لا يوافق عليها عون «وإن كانت الفكرة مقبولة تقنياً وهندسياً» يقول المصدر. شروط عون لقبول تسوية كهذه، هو أن يجري تغيير اللجنة المؤقتة وتعيين لجنة أصيلة يكون من أولوياتها وضع هيكلية إدارية وأنظمة للرقابة على صرف الأموال والتأكد من سلامة الإجراءات التي ستتخذها الإدارة. «قرار ردم الحوض الرابع اتخذ بصورة منفردة ومن قبل هيئة مؤقتة في مرفأ بيروت ومن دون أن يجري عرض دفتر شروط التلزيم ولا تفاصيل المناقصة ونتائجها على مجلس الوزراء، بل لُزّم المشروع بالتراضي وبمبلغ كبير» وفق المصدر.
أما بالنسبة إلى قيادة الجيش اللبناني، فهي أبلغت قريطم رفضها ردم الحوض الرابع بسبب حاجتها لأرصفة قادرة على استقبال السفن الحربية التي تزور لبنان بصورة دورية، وإضافة إلى ذلك، تبيّن أن الجيش بحاجة إلى استعمال أرصفة المرفأ خلال الفترة المقبلة من أجل تسيير الطرادات العسكرية التي سيحصل عليها من الهبة السعوية.

قيادة الجيش
ابلغت قريطم أنها تحتاج إلى الحوض الرابع

قيادة الجيش لديها علم بأن هناك نيّة لدى قريطم لردم الحوض الثالث أيضاً، وبالتالي، فإن تحويل مرفأ بيروت بكامله إلى منطقة مخصصة للحاويات التجارية ليس أمراً مقبولاً لديه، بل هناك ضرورة لإبقاء رصيف للاستخدام العسكري.
على أي حال، فإن الاتفاق على التسوية التي يسوّق لها بعض أعضاء لجنة الأحزاب المسيحية مع قريطم سيكرّس مبدأ تقسيم المرفأ إلى مقاطعات خاصة يتقاسمها أصحاب السلطة والمال، ولن يفتح الباب أمام أي إصلاح ذي هدف اقتصادي في مرفأ بيروت، ولن يكون بإمكانه توزيع الأدوار الاقتصادية على المرافئ اللبنانية المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني، فضلاً عن أنه سيكرّس الاستثناء على القاعدة، أي مبدأ التلزيم بالتراضي الذي حلّ بدلاً من المناقصات العمومية.
وتجدر الإشارة إلى أن تلزيم ردم الحوض الرابع جاء ضمن خطّة توسيع المرفأ الصادرة عن الهيئة المؤقتة، التي اتخذت قراراً يتضمن «الموافقة على تنفيذ أشغال ردم الحوض الرابع على أساس إلحاقها بعقد التلزيم الأساس الموقع سابقاً مع شركة بيل ــ حورية (أي العقد الموقع لعملية التوسعة الأولى في الجهة الشرقية من المرفأ). وسنداً لقراري لجنة الإدارة رقم 11/2012 ورقم 26/2013 جرى تلزيم المتعهد بيل ــ حورية أشغال المرحلة الثانية من مشروع توسعة محطة المستوعبات في مرفأ بيروت، وذلك بموجب عقد اتفاق بالتراضي ملحق بالعقد السابق الموقع مع المتعهد في 22/6/2009 الذي لا يتطرق الا إلى تلزيم أشغال المرحلة الأولى من المشروع»!
أما الجدوى الاقتصادية من الردم، كما سوّقت لها الهيئة المؤقتة لمرفأ بيروت، فهي زيادة القدرة الاستيعابية لمحطة الحاويات، زيادة القدرة الاستيعابية للبضائع العامة، زيادة الإنتاجية في المرفأ، استقبال بواخر أكبر، وتحفيز حركة المسافنة. غير أن بعض الخبراء تحدثوا عن ضرورة رفع العبء الإضافي عن بيروت من خلال إعادة توجيه البضائع وتوزيعها على المرافئ اللبنانية، وأبرزها مرفأ طرابلس حيث يجب تعزيز النشاط التجاري وخلق فرص عمل إضافية تسهم في الحدّ من الحرمان المتزايد شمالاً.
وفي السياق نفسه كانت الأحزاب المسيحية برعاية بكركي تشير إلى إمكانية توسيع المساحات في مرفأ بيروت من خلال إدارة فعالة أكثر للعقارات الواقعة ضمن المرفأ وفي محيطه، فمن المتاح أن تكون توسعة المرفأ من خلال استملاك أراضٍ تابعة لبلدية بيروت، ومن المتاح أيضاً استعادة الأملاك حيث يقوم المسلخ وما يحيط به، ومن المتاح أيضاً التوسّع شمال مرفأ بيروت.
واللافت في هذا الملف أن النقابات العاملة في مرفأ بيروت، التي اعترضت على ردم الحوض الرابع كانت أربع نقابات، لكن «بعد اجتماعات عديدة مع الهيئة المؤقتة تراجع وكلاء البواخر، ومخلّصو البضائع الجمركيون، والترانزيت الدولي». وتبيّن أن الهيئة قدّمت وعوداً لهؤلاء أثنتهم عن مواقفهم، ولم يبق في الميدان إلا نقابة الشاحنات، التي بدورها ربطت موقفها من الردم بموقف بكركي واللجنة المنبثقة عن الأحزاب المسيحية» يقول مصدر مطّلع.




الاعتراض سياسي لا اقتصادي

يعتقد أحد المعنيين بملف توسيع المرفأ وردم الحوض الرابع، أن الاعتراض القائم حالياً على الردم هو سياسي الطابع، إذ إن التجّار الذين كان يمكن أن يعترضوا على التوسيع، هم تجّار الحديد الذين يستوردون الحديد على بواخر ضخمة حمولتها تزيد على 50 ألف طن، «حالياً، فإن الرصيف الوحيد الذي بإمكانه استقبال هذه البواخر هو الرصيف 12 الذي يصل عمقه إلى 13 متراً، علماً بأن الأرصفة الواقعة ضمن الحوض الرابع، أي 13 و14 و15 (التي لا يتجاوز عمقها 11 متراً، متوقفة عن الإشغال منذ 9 أشهر، ولم يؤدّ هذا الأمر إلى تضرّر التجارة واستقبال البواخر المحملة بالبضائع العامة. وإذا كان هناك باخرتان كبيرتان تحمل كل منهما أكثر من 50 ألف طن، فإنه يجري تخفيف حمولتهما على الرصيف 12 ثم تنقل إلى رصيف ثان لإكمال عملية تفريغ البضائع». ويضيف أن التراجع الذي شهده المرفأ في الفترة الأخيرة ناجم عن تراجع حركة المسافنة، أي حركة ترانزيت الحاويات التي تنزل في مرفأ بيروت لفترة بسيطة ثم يعاد نقلها إلى مقاصدها.