ليس أمراً إنشائياً أو عرضياً أن يكرر رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، موقفه الذي تحول إلى شعار يلخص الرؤية السياسية التي تتبناها إسرائيل وتقوم على أن حجم الخطر الذي تشكله إيران وحلفاؤها أشد بأضعاف من الخطر الذي تمثله تنظيمات مثل «داعش» والتيارات التكفيرية في المنطقة، وخاصة أن هذا التوصيف يترتب عليه رسم محدَّد للأولويات التي يتبناها صانع القرار السياسي والأمني في تل أبيب.ويلعب هذا الترتيب للأولويات الدور الأساسي في بلورة سياسات عملانية تجاه أطراف الصراع في المنطقة.

وضمن هذا الإطار، تندرج التقديرات التي ترى في الدور الذي يلعبه «داعش» و«النصرة» تنفيذاً في الواقع لأجندة إسرائيلية، كونها تستنزف العدو الأول لإسرائيل. كما لم يأتِ ترتيب نتنياهو، ومعه المؤسسة العسكرية والأمنية، لهذه الأولويات إلا وفق معايير محددة. فإيران بالنسبة إلى المؤسسات السياسية والاستخبارية والعسكرية في تل أبيب، دولة تتبنى أولويتها على مواجهة إسرائيل، وهو ما ترجمته في مواقفها التي ترفض الاعتراف بوجودها، بل تدعو إلى إزالتها.
كذلك يتضح في سياسات طهران ودعمها التام للمقاومة في فلسطين ولبنان طوال العقود الماضية، ما نتج من واقع إقليمي مغاير فرض معادلات جديدة في حركة الصراع مع إسرائيل. وإلى جانب ذلك، تملك الجمهورية الإسلامية التي تتبنى هذا الخيار الاستراتيجي قدرات مادية وعسكرية تسمح لها بترجمة سياساتها وتطبيقها على أرض الواقع، وهو ما حدث فعلياً لتسخيرها هذه القدرات في وجهة الصراع مع إسرائيل.
في المقابل، تتبنى التيارات التكفيرية، وفي مقدمها «داعش» أولوية مواجهة المذاهب والأديان الأخرى كافة، بل كل من لا يتبنى عقائدها ورؤيتها ونهجها وفقهها. أما إسرائيل، فهي في أحسن الأحوال مؤجلة إلى مرحلة غير منظورة. لذلك فإن أدبيات «داعش» الذي يهاجم فيها اليهود لا تشكل بالنسبة إلى إسرائيل مصدر قلق في المدى المنظور. كما أنه على مستوى القدرات لا يملك حتى الآن القدرات الاستراتيجية التي تجعل تل أبيب تشعر بالقلق منه، رغم ما حققه التنظيم في سوريا والعراق.
في كل الأحوال، فإن أولوية توجيه ما يملكه «داعش» من زخم وقدرات موجهة بالدرجة الأولى نحو قوى وأطراف إقليمية تشكل بمجملها العدو الأساسي لإسرائيل. أما بالنسبة إلى «النصرة» فهو أمر محسوم، وخاصة أن مجموعاتها منتشرة على الحدود مع الجولان، هذا من دون الإشارة إلى ما كشفته إسرائيل عن ترتيبات واتفاقات مع المجموعات المسلحة المنتشرة على الحدود من أجل حماية أمن مستوطنات الجولان والقوات الإسرائيلية.
على ضوء ما تقدم، لم تكن مصادفة اختيار نتنياهو مقر قيادة الجبهة الداخلية في اليوم الثالث على بدء مناورة «نقطة تحول»، برفقة وزير الأمن موشيه يعلون ورئيس أركان الجيش غادي إيزنكوت، من أجل تكرار موقفه بأن «خطر إيران أشد بأضعاف على إسرائيل من الخطر الذي يمثله داعش». كما استغل رئيس وزراء العدو المناسبة لمهاجمة الاتفاق الذي يعمل عليه بين إيران والسداسية الدولية، معتبراً أنه يمهد الطريق «للكثير من القنابل الذرية، وتدفق الكثير من المليارات إلى صندوقها، التي عبرها ستستطيع مواصلة تسليح أعدائنا بأسلحة قوسية وغيرها، وهي أخطر بأضعاف من الخطر الذي تشكله آلة الإرهاب الخطرة، داعش»، وموضحاً في الوقت نفسه أن إسرائيل تهتم لأمنها... «عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، نعتمد أولاً على أنفسنا».
وأضاف: «نعمل في قوس واسع جداً»، واصفاً ما تقوم به إسرائيل بأنه «عمل جداً منهجي ومكثف للدفاع عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية». ولفت إلى أن إسرائيل تقوم بهذه المهمة «منذ سنوات وعبر الحرب ضد قطاع غزة، الجرف الصامد»، ولكن «التحديات طوال الوقت تتزايد من حولنا، منها الصواريخ التي أغلبها مصدرها إيران».
من جهة أخرى، نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن جهات سياسية إسرائيلية رفيعة قولها إن «الرئيس الأميركي باراك أوباما مصمم على التوصل إلى اتفاق مع إيران»، وأضافت الجهات نفسها: «يبدو أن الاتفاق مع إيران سيوقع، لأن الرئيس الأميركي معني بالاتفاق».
إلى ذلك، توجه وفد إسرائيلي برئاسة مستشار الأمن القومي، يوسي كوهين، إلى فرنسا وبريطانيا من أجل إجراء محادثات تهدف إلى محاولة «تحسين» الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، الذي يتوقع التوصل إليه. ولفتت تقارير إعلامية إلى أن ترؤس كوهين للوفد يشير إلى أن الحديث يدور عن «مبادرة دبلوماسية ــ سياسية» خاصة من نتنياهو، بهدف استغلال الأسابيع الفاصلة عن توقيع الاتفاق، ومن أجل بذل «جهد أخير للتأثير على صيغة بعض البنود المهمة في الاتفاق»، إذ يعتبر نتنياهو أنها تشكل خطراً على إسرائيل، وخاصة ما يتعلق بموعد رفع العقوبات عن إيران.