الجزائر | تحركٌ سياسيٌ لافت شهدته الجزائر نهاية الأسبوع الماضي، انتهى بـ"تزكية" رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، رئيساً للحزب الحاكم بعدما كان رئيساً شرفياً، وانتهى أيضاً بإعادة انتخاب الأمين العام للحزب، عمار سعداني، لولاية جديدة من خمس سنوات، وذلك خلال انعقاد المؤتمر العاشر لحزب "جبهة التحرير الوطني".وبالتوازي، قدّم عبد القادر بن صالح، وهو الأمين العام لـ«التجمع الوطني الديموقراطي» (الشريك القوي للحزب الحاكم)، استقالته من منصبه الحزبي فاسحاً في المجال أمام عودة رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق، أحمد أويحيى. ووقعت هذه الأحداث في ظرف قصير، وتبعت تعديلاً حكومياً أجراه بوتفليقة.

واختُتم مؤتمر الحزب الحاكم في الجزائر على وقع مفاجأة يبدو أنها كشفت ما يدور في أروقة النظام من استعدادات لمرحلة جديدة تكون بدايتها بانسحاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم عبر الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة.
لا دلالات قطعية على هذا الاتجاه، لكن المؤتمر شهد إعادة انتخاب سعداني أميناً عاماً للحزب الحاكم وهو الذي يوصف بأنه «رجل شقيق الرئيس»، وانضمام عدد من الوزراء في حكومة عبد المالك سلال، الذي حضر المؤتمر، في وقت جرى فيه تحييد وعزل كل القيادات التي شكلت معارضة قوية لإعادة انتخاب عمار سعداني.
وفي السياق، رأى رئيس حزب «جبهة التغيير» وزير الصناعة الأسبق، عبد المجيد مناصرة، أنّ ما حدث في مؤتمر الحزب الحاكم «مهزلة»، معتبراً أنّ رئيس الجمهورية يتحمل المسؤولية.
ودعا زعيم «الإخوان» رئيس «حركة مجتمع السلم»، عبد الرزاق مقري، إلى الانتفاض ضد الوضع الذي تعيشه الجزائر، وخاصة بعدما ذكر رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، أنّ احتياطي النقد الأجنبي سيتراجع في عام 2019 إلى حدود تسعة مليارات دولار، واصفاً ذلك بـ«الفضيحة الكبيرة». وطالب مقري النظام الحاكم بأن «يعيد الأمانة للشعب الجزائري عن طريق انتخابات تؤطرها لجنة مستقلة، وبالتعقل وقراءة تجارب العديد من الدول التي نجحت في الخروج من أزمتها وتطورت عن طريق الانتقال الديموقراطي». واعتبر أنّ تولي الرئيس بوتفليقة رئاسة الحزب الحاكم ينبئ بأن هناك مرحلة يتم الإعداد لها في الكواليس، بعيداً عن أنظار الجزائريين.
وجاء إعلان عبد القادر بن صالح عن استقالته من الأمانة العامة لحزبه (الشريك القوي في السلطة)، ليقدّم دليلاً على أن «رجالات الظل» قامت بتحضير "الطبخة" استعداداً لمرحلة جديدة، تجمع عدة أطراف على أنها تؤسس لما بعد بوتفليقة. واعتبر الضابط السابق في جهاز المخابرات الجزائرية، محمد خلفاوي، أن اقتراب عودة أحمد أويحيى على رأس حزب «التجمع الوطني الديموقراطي»، ما هو إلا تمهيد لمرحلة انتقالية يعلن من خلالها الرئيس بوتفليقة انسحابه من الحكم.
وفي حديث إلى «الأخبار»، يرى المحلل السياسي، محمد جمالي، أنه ليس من باب الصدفة أن يقدم عبد القادر بن صالح استقالته عشية انعقاد المؤتمر العاشر للحزب الحاكم، معللاً بأنّ طرفي النزاع في أعلى هرم السلطة توصلا إلى تسوية سياسية شاملة واتفقا على خليفة بوتفليقة. ويعرب جمالي عن اعتقاده بأنّ "معركة الخلافة قد حسمت باتفاق الطرفين، فالأهم هو استمرار النظام، وإن كان الثمن التضحية ببعض الرؤوس كما رأينا وكما سنرى قريباً».
غير أن حمزة عتبي، وهو القيادي البارز في حزب «طلائع الحريات» لزعيمه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس (المعارض الشرس للرئيس بوتفليقة)، يقول في حديث إلى «الأخبار»، «أعتقد أنّ ما يحدث هو تحضير لمرحلة مستعجلة»، مضيفاً إنه بعد 10 حزيران (موعد انعقاد مجلس التجمع الوطني الديموقراطي) ستظهر أولى خيوط المرحلة المقبلة.
ولدى سؤال عتبي إن كان لا يرى في الأمر حركة استباقية لمنع الطرف الرافض في المخابرات والسلطة من التحرك، يقول إنه يربط «الأمر بصحة الرئيس»، مؤكداً أنّه يجري التأهب للمرحلة الجديدة بحيث يكون الجميع مستعدين للصدمة ولا تكون هناك حالة تخبط أو شيء من هذا القبيل. ويعتبر أنّ الجميع اتفقوا وتدارسوا المرحلة المقبلة و«أنا لا أؤمن بوجود خلاف أصلاً بين المخابرات، لأن الصراع أو الخلاف يستدعي سقوط أحد الأطراف، وبالتالي فإنّ كل ما يحدث من تطورات وافتعال للصراع كان مدروساً ومدبراً له سابقاً». ويرى عتبي أنّ الصراع في «حزبي السلطة» يقتصر على من ينبطح أكثر للرئيس ويقدم خدماته لكسب الود والفوز بامتيازات فقط، وفق تعبيره. لكن لدى سؤاله عن أسباب التودد للرئيس الجزائري طالما أنّ «نهايته اقتربت»، يشرح أنه «عندما نقول الرئيس، نعني شقيقه، السعيد. فمن يدير الأحداث منذ مرض الرئيس هو شقيقه، والكل يعلم ذلك». ويضيف إنّ «ما يثبت ذلك، التغييرات التي أجريت أخيراً في هرم السلطة، فمن أحسن ولاءه للسعيد فاز فوزاً عظيماًَ».