خلال أقل من شهرين في مطلع السنة الجارية، أقفل معبران للتصدير بوجه لبنان. السلطات الأردنية أقفلت من جهتها معبر «نصيب» الذي يربط لبنان برّاً، بدول الخليج عبر سوريا والأردن، وذلك بعد سيطرة التنظيمات المسلّحة على الجهة السورية منه. أما معبر «الوليد» الذي كان يربط لبنان برّاً بالعراق عن طريق سورياً، فقد سيطر عليه تنظيم «داعش». تداعيات هذا التطوّر ستكون كبيرة على الصادرات اللبنانية، فقد أدى إلى خسارة سوقي العراق والأردن بصورة كاملة، فيما توقف التصدير إلى دول الخليج. البديل هو الخطّ البحري الذي لا يزال «قيد الدرس». الصادرات اللبنانية بلا مفرّ!
التصدير جوّاً وبحراً

في آخر جلسة عقدها مجلس الوزراء كان موضوع دعم التصدير البحري إلى دول الخليج والأردن والعراق من ضمن البنود الواردة على جدول الأعمال. المجلس لم يناقش الموضوع بسبب تعقّد الخلافات السياسية التي علقت جلساته إلى اليوم. ورغم أهمية هذا الموضوع الناجمة عن إغلاق معبري «نصيب» و«الوليد» وما يرتّبه ذلك من خسائر على المزارعين والصناعيين، إلا أن حجم الاهتمام به تراجع. يقول رئيس مجلس تنمية الصادرات منير البساط انه «إزاء هذا الوضع، لم يبق لدينا سوى أن يبادر القطاع الخاص إلى استئجار بواخر وعبارات لتصريف المنتجات ويحاول تحصيل الدعم من الدولة اللبنانية لاحقاً. الخطر الكبير سيصيب القطاع الزراعي بسبب نوعية البضائع التي لا يمكن تصديرها جوّاً نظراً إلى كلفتها المرتفعة، أو بسبب كون نوع السلع الزراعية لا يحتمل تصديرها بحراً بواسطة الحاويات لفترات طويلة قد تزيد على 30 يومأً».
في هذا الوقت، قرّر المصدّرون اللبنانيون، من مزارعين وصناعيين وتجار، البحث عن طرق بديلة وأصبحت خريطة التصدير على النحو الآتي:
ــ بعض المصدّرين انتقل من التصدير البرّي إلى التصدير البحري بواسطة الحاويات. هذه الفئة لم تزد كلفتها كثيراً نظراً إلى أن «المعدّل الوسطي لكلفة النقل بواسطة الحاويات إلى دول الخليج يبلغ 3650 دولاراً» بحسب الدراسة التي أعدّتها المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات «إيدال» والمعروضة على مجلس الوزراء. وفي مقابل ذلك، إن معدل كلفة التصدير برّاً إلى دول الخليج كانت تبلغ 3500 دولار في عام 2011 وارتفعت في عام 2014 إلى 6700 دولار. أما السلع التي يجري تصديرها بواسطة الحاويات، فهي منتجات الصناعات الغذائية، وبعض أنواع المنتجات الزراعية مثل البطاطا والعنب والتفاح والحمضيات نظراً إلى وجود كميات وفيرة منتجة محلياً وقدرة هذه المنتجات على التأقلم لفترة طويلة نسبياً قبل تلفها. صحيح أن هذا النوع من المنتجات يتعرّض لمنافسة كبيرة في أسواق الخليج والأردن والعراق، مثل الحمضيات اللبنانية التي تنافسها الحمضيات المصرية، لكنه لا يزال صامداً إلى حدّ بعيد. ومسار الشحن البحري بواسطة الحاويات هو من لبنان إلى مرفأ جدّة في السعودية، ثم تنقل البضائع من هناك إلى مقصدها النهائي براً.

دعم مباشر لكل شاحنة تحمّل منتجات لبنانية مصدرة بحراً


ــ هناك فئة ثانية من المصدّرين قرّرت أن تلجأ إلى التصدير الجوي. وتشير دراسة «إيدال» إلى أن «الشحن جوّاً يتم لعدد محدود من المنتجات وخصوصاً الزراعية ذات القيمة المضافة المرتفعة والتي يجب أن تصل طازجة». أما كلفة الشحن الجوّي، فهي تتراوح بين 80 سنتاً و1.05 دولار على كل كيلوغرام. هكذا تصل كلفة الطن المشحون بواسطة الطائرة إلى 1050 دولاراً. أما السلع التي يمكن شحنها بالطائرة، فهي الحشائش والفاكهة الطازحة التي لا تحتمل فترة طويلة من الانتظار وهي لا تلاقي منافسة كبيرة من الأسواق المصدرة إليها، ما يجعل إمكانية تحقيق أرباح فيها متاحة من خلال التصدير الجوّي. التحميل يتم في مطار بيروت الدولي بعد نقل الكميات من مصدرها الأساسي، والتفريغ يكون في مطار الدولة المقصودة مباشرة ثم تنقل البضائع براً إلى مقصدها النهائي.

الأكلاف الإضافية

وتشير إحصاءات «إيدال» إلى أنه في عام 2014، صدّر لبنان، عن طريق البرّ إلى دول الخليج والأردن نحو 300 ألف طن وهذه النسبة تمثّل 71% من مجمل الصادرات إلى الدول المذكورة. النسبة الأكبر من هذه الكمية صدرت في النصف الثاني من السنة (بين حزيران وكانون الأول) بمعدّل 58 شاحنة يومياً.
أما الصادرات الصناعية التي جرى تصديرها برّاً إلى دول الخليج والأردن، فهي تقسم إلى قسمين؛ الأول يتعلق بصادرات الصناعات الغذائية التي تبلغ 76.6 طناً، منها 37 ألف طن صدرت في النصف الأول من السنة بمعدّل 7 شاحنات يومياً. والقسم الثاني من الصادرات الصناعية بلغ 62 ألف طن، منها 43.7 ألف طن في النصف الثاني من السنة بمعدّل 8 شاحنات يومياً.
وتقدّر إيدال أن تبلغ صادرات لبنان إلى دول الخليج والأردن خلال النصف الثاني من 2015 نحو 276 ألف طن، أي ما يعادل حمولة 11057 شاحنة وبمعدّل يومي يوازي 53 شاحنة، أي أن هذه الكمية تحتاج إلى الدعم لهذه الفترة الزمنية فقط.
وقد احتسبت إيدال الدعم على أساس فترة 6 أشهر، وبعد دراسة خطوط النقل البحرية والوسائل المتاحة والأكلاف. طبعاً، العبّارات التي تنقل الشاحنات المحملة بالمنتجات اللبنانية هي الوسيلة الثالثة للنقل بدلاً من وسيلة النقل البرية المقطوعة. إلا أن الشحن البحري بواسطة العبارات يتضمن أكثر من خيار واحد؛ يمكن نقل الشاحنة وسائقها على متن العبارة بكلفة تبلغ 9200 دولار (ذهاباً وإياباً)، أو يمكن نقل الشاحنات فقط بكلفة تصل إلى 8600 دولار (ذهاباً وإياباً)، وعلى أن يذهب السائق بالطائرة لملاقاة شاحنته بكلفة 300 دولار.
وإلى جانب قدرة المرافئ اللبنانية الثلاثة، أي بيروت وصيدا وطرابلس على استقبال العبارات المختلفة، إلا أن المسارات مختلفة أيضاً وهي على النحو الآتي:
ــ تبيّن لـ«إيدال» أن مرفأ ضبا في السعودية هو الأفضل لشحن المنتجات اللبنانية عبر استخدام العبارات التي تحمل الشاحنات، ومنه تذهب الشاحنات براً إلى مقصدها النهائي. الشحن مباشرة إلى ضبا يتطلب عبور قناة السويس، علماً بأنه يمكن للعبارات أن تجتاز القناة وتذهب أولاً إلى مرفأ العقبة لتفريغ قسم من حمولتها هناك ثم تكمل نحو ميناء ضبا في السعودية.
ــ يمكن أن تسلك العبّارات البحرية مساراً مختلفاً. يمكن الانطلاق من المرافئ اللبنانية في اتجاه مرفأ بور سعيد في مصر، ومنه تذهب الشاحنات برّاً في الأراضي المصرية نحو مرفأ «سفاجة» المصري، ثم تنقل بواسطة عبّارات صغيرة إلى مرفأ ضبا وتكمل طريقها من هناك براً.
وتقول «إيدال» إن عوائق النقل البحري بواسطة العبارات متعددة، إذ لا توجد إمكانية للشحن يومياً، بل تنطلق العبارات بصورة أسبوعية وفي يوم واحد فقط. ويجب توضيب البضاعة ونقلها إلى السفينة قبل يوم من مغادرتها الميناء، ما يتطلب جهوزية لوجستية عالية في الموانئ اللبنانية. أما المدّة الزمنية لوصول البضائع المشحونة بحراً بواسطة العبارات فهي تراوح بين 15 يوماً و30 يوماً، تضاف إليها إجراءات التفريغ في الموانئ. كذلك تبيّن أن السعودية لا تسمح بدخول السائقين عبر الجو في حال إدخال شاحناتهم بحراً، ما يفرض على السائق السفر إلى مصر جواً والانتقال برّاً إلى مرفأ سفاجة المصري وملاقاة الشاحنات في مرفأ ضبا.
على أي حال، إن كلفة استئجار العبّارات البحرية لمدّة شهر ذهاباً وإياباً تصبح مخفضة إلى 500 ألف دولار، وهي تستوعب نحو 100 شاحنة، أي أن كلفة نقل الشاحنة تبلغ 5000 دولار. غير أن هذه الكلفة «مربوطة بضمان الدولة تأمين 75% من حمولة الباخرة عن كل رحلة وضمان استمرار العمل على الخط لمدّة ثلاثة اشهر كحد أدنى، وإلا سيرتّب الأمر أعباء إضافية».

الخيارات المتاحة

إزاء هذ الوضع، ما هي الخيارات المتاحة أمام الدولة اللبنانية لدعم التصدير البحري؟
تشير «إيدال» إلى الخيارات الآتية:
ــ دعم مباشر لكل شاحنة تحمّل منتجات لبنانية مصدرة إلى دول الخليج والأردن بحراً. الدولة يمكن أن تغطّي فرق الأسعار في الكلفة بين النقل البري والبحري، وذلك بكلفة تبلغ 3.2 ملايين دولار شهرياً. إذا استخدمت طريقة نقل الشاحنة والسائق، فإن الكلفة تبلغ 3.9 ملايين دولار شهرياً. أما نقل الشاحنة بلا سائق فسيكلّف الدولة نحو 3.2 ملايين دولار شهرياً، ويمكن أن تكون الكلفة 2.8 مليون دولار شهرياً في حال اعتماد مسار النقل إلى بور سعيد.
ــ تقوم الدولة باستئجار عبارات تنقل الشاحنات مع سائق، فتدفع الدولة اللبنانية كلفة إيجار 3 عبّارات على مدّة سبعة أشهر وتسيّرها لنقل الشاحنات اللبنانية المحملة بالمنتجات اللبنانية، فتستوفي الدولة من المصدرين كلفة موازية لكلفة التصدير البري فقط، لكن هذا الخيار يتطلب كادراً بشرياً خبيراً وجهوزية ورقابة شديدة. وبالتالي تكون الكلفة على الدولة 2.4 مليون دولار شهرياً.




كلفة الشحن برّاً



تضاعفت كلفة الشحن البري بين عام 2011 و2015. السبب، بحسب الدراسة التي أعدّتها «إيدال» يعود إلى ارتفاع المخاطر الأمنية الناتجة من الأحداث في سوريا، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار التأمين، وارتفاع بدلات سائقي الشاحنات وكلفة الشحن الإجمالية. في عام 2012 ارتفعت كلفة الشحن البري إلى دول الخليج بنسبة 28.5%، أي من 3500 دولار في 2011 إلى 4500 دولار في 2012. ثم زادت الكلفة عام 2013 بنسبة 37.7% لتبلغ 6200 دولار، ثم زادت عام 2014 بنسبة 4.7% لتصل قيمتها قبل إقفال المعابر البرية في مطلع عام 2015 إلى 6507 دولارات كمعدل وسطي لكل شاحنة. وتظهر إحصاءات إيدال أن 98% من الصادرات الزراعية اللبنانية هي إلى الدول العربية. فالعراق ومصر والبحرين والكويت وقطر والسعودية والإمارات العربية واليمن وعمان، تستحوذ على 64.5% من الصادرات الزراعية، فيما سوريا والاردن تستحوذان على 34.2%.