جرس ومطرقة على باب قاعة الانتخاب في بيت حزب الكتائب المركزي. الجرس الذي «حفظ الحزب على مدى سنين» بالنسبة الى الرئيس أمين الجميّل، رنّ تمام العاشرة صباح أمس مُعلناً بدء عملية الاقتراع لمنصبي رئيس الحزب ونائبه الثاني والمكتب السياسي.
هوية الرئيس الجديد للحزب كانت محسومة منذ ما قبل إعلان الرئيس الجميل عزوفه عن الترشح لدورةٍ أخرى: سامي الجميل الرئيس السابع للكتائب بنتيجة 339 صوتاً مقابل 37 للمرشح الآخر بيار عطاالله. لم يكن أحد ليحلم بنهاية أخرى. المعركة كانت على مستوى نائب الرئيس الثاني التي حسمها الوزير السابق سليم الصايغ على حساب مستشار الرئيس الجميل ساسين ساسين (النائب الأول جوزف أبو خليل فاز بالتزكية)، وأعضاء المكتب السياسي الـ16.
«منذ ثلاثة أيام لم نخلد الى النوم... القصة مش لعبة... نريد أن نُسجّل أرقاماً عالية»، يقول سيرج داغر بحماسة. خليّة نحل بقيت تغزل في الصيفي منذ العاشرة صباحاً حتى ساعات الليل الأولى. المرشحون علّقوا سيرهم الذاتية على اللوح، وانطلقوا لاستكمال حملاتهم الانتخابية. اتخذ كلّ من الصايغ وساسين زاوية من البهو الذي تجمّع فيه صحافيون وكتائبيون. تنقلوا بين الحاضرين مُشكّلين حلقات ضيقة، كلّ يحاول تسويق نفسه. خبريات كثيرة يتبادلها «الرفاق»، منها أن الصايغ اشترط أن يتصل به «الشيخ سامي» ليترشح، ولكن الأخير خيّب آماله فتقدم بطلبه دون «تمنٍ» من أحد.

الرئيس الجميّل: المسؤولية ستفرض على سامي الليونة

الأمر الذي تباهى به «المقرّبون» من سامي هو وقوفه على الحياد دون تفضيل مُرشح على آخر. «لمن تريدوننا أن ننتخب؟»، سأل عدد كبير من المندوبين الذين ترددوا في قرارهم، خاصة في ما خص نيابة الرئاسة. إلا أن المعلومة التي «دزّها» أحد الحزبيين في أذن النائب نديم الجميل تشير الى العكس: «جماعة سامي يوزعون لوائح ويطلبون من المندوبين الالتزام بها». يُنكر أحد المرشحين ذلك، واضعاً إياه في اطار الحرب الاعلامية «تماماً كما نشروا إشاعة انسحاب الياس حنكش». غياب الوزير سجعان القزي ترك العديد من التساؤلات: «توفي خاله». فعلّق أحد الحاضرين «الله ساعده حتى يرتاح من التصويت لسامي».
اُقفلت صناديق الاقتراع عند الثالثة لتطول عملية فرز الاصوات. سبب التأخير أن الأمين العام ميشال خوري أصرّ على أن يفتح شخصياً كل مُغلف ثم يُمرّره على مندوبي الفرز. قرابة الثامنة أُعلن فوز 13 من أعضاء المكتب السياسي وفتح دورة ثانية بعد أن تعادل ثلاثة أعضاء. «فعلها الحنكش وتصدر اللائحة»، يقول داغر ممازحاً. يعانق ندى ماروني مُهنّئاً «ما منقعد على الطاولة بلاكي ريسة». ولكن المرشحة الخاسرة عايدة أبو جودة غاضبة. دقائق قليلة ويُعلن رسمياً فوز سامي الذي لم يحصل على صوت والده. فهو انتخب بورقة مكتوب عليها «عاشت الكتائب ليحيا لبنان». حُمل سامي على الأكتاف وألقى «خطاب القسم»، بينما صدحت أناشيد كتائبية تعود الى زمن الحرب.
تسلّم النائب الشاب مقاليد الحُكم الحزبي من والده الرئيس أمين. صحيح أن الجميل لا يُشبه بقية «الورثة» السياسيين، فهو كوّن شخصية خاصة به وكدّ في عمله حتى يُبعد عنه صفة «الوريث» التي تستفزه جداً، ولكن «الشطارة» ليست هي المعيار الذي على أساسه ينتخب الكتائبيون. لو لم يكن سامي ابن الجميل، لما كانت طريقه ستكون بهذه السلاسة.
يقول الرئيس الجميل لـ«الأخبار» إنه «لا سامي ولا أنا نُنكر بعض... لو لم يكن مؤهلاً ما كنا رشحناه». لا يخاف الجميل على مُستقبل الحزب «أصلاً أنا وعمّو (جوزف أبو خليل) هون». كذلك فإنه لا يتوقف عند شخصية سامي الاندفاعية، لأنه «سابقاً لم يكن لديه منصب رسمي، فكان بإمكانه أن يجتهد، ولكن المسؤولية ستفرض عليه الليونة. عمله تطور جداً، مش هيك عمّو؟». يعترف بأن الكتائب «بيطلع وبينزل»، ولكن ذلك لا يعني النهاية، «نحن مشروع وطن وليس سلطة».
يؤمن أبو خليل أيضاً بسامي «صحيح أن لبنان هو مجموعة من العائلات، ولكن سامي طوّر نفسه مثل أخيه بيار». أما الاعتراضات على ترشحه فهي «علامة جيدة ودليل على أن لدينا نظاماً». يسود اقتناع في الكتائب أنه «من دون المخاطرة وروح الشباب لا يُمكن للحزب أن يقوم بشيء».
الى ذلك، ردّ عضو المكتب السياسي السابق لحزب الكتائب ميشال جبور على اتهامات النائب الجميل للمعترضين على ترشّحه بأنهم «من الخوارج ورواسب المرحلة السورية»، فذكّر الجميل بأنه «لم يكن قد ولد بعد خلال حرب المئة يوم التي كنت قائدها في منطقة الاشرفية، وهي الحرب الوحيدة التي خسرها الجيش السوري بوجه مقاومتنا»، مضيفاً أنه «يوم كان والدكم في المنفی كنت الوحيد الذي عارض قيادة المرحوم جورج سعادة التي كانت تحت سقف الوصاية السورية». وأكد جبور أنه لم يزر سوريا «ولا مرة عكس الذي زارها 11 مرة بحثاً عن مناصب». وأكّد للجميل أن «أشرف الكتائبيين سيجعلون رئاسته لحزب الكتائب أشغالاً شاقة»!