تحتدم المعركة على سوريا. الأطراف المحلية في ذروة استنفارها، والقوى الاقليمية والدولية منخرطة أكثر من السابق في جهود وكأنها ساعة الحسم، وسط معركة إعلامية تعيدنا الى الاشهر الاولى من الصدامات المسلحة بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة. وتظهر تطورات الوضع الميداني في العراق، والسياسي في تركيا، وما يجري على صعيد المفاوضات النووية الايرانية مع الغرب، كأنها عناصر حاسمة في الملف السوري، ما يجعل الجميع يتوقع شهوراً صعبة وأكثر قساوة.
ويتضح، بقوة، أن التفاهمات التركية ــ القطرية ــ السعودية ــ الفرنسية لم تؤت ثمارها في الشمال السوري، لناحية ضبط الوضع سياسياً وعسكرياً. ففي كل مرة تحرز المعارضة المسلحة تقدماً على الارض، ترتفع وتيرة الخلافات بين مكوّناتها، ويترافق ذلك مع هزال إضافي للائتلاف السياسي السوري المعارض بوصفه الناطق المفضّل لدى الدول الراعية. وفي المقابل، تشتعل المناطق الواقعة تحت سلطة المجموعات الارهابية، وتشهد معارك مجنونة تخلّف آلاف القتلى والجرحى والكثير من الدمار، لكن الأخطر أنها تفتح الباب أمام نزوح إضافي لعشرات الألوف من المدنيين، إما باتجاه المناطق الخاضعة لسلطة الدولة، أو الى الدول المجاورة.

مراقبة دقيقة لحركة إسرائيل التي
تستعد للتدخل أكثر في الحرب


ومع الكشف عن حجم البرنامج الاميركي لدعم المعارضة المسلحة في سوريا، وما يجري من عمليات تدريب وتخطيط في القسم الجنوبي من سوريا، يتضح أن الدول الداعمة للمعارضة المسلحة تفكر جدياً هذه المرة في التركيز على مناطق الجنوب، انطلاقاً من حسابات تقول بأنها ستكون أكثر قدرة على التحكم في الواقع السياسي والعسكري في تلك المنطقة، وانه سيصار الى التخلص من تنظيم «داعش» في كل المنطقة الممتدة من ريف دمشق الجنوبي حتى مناطق درعا والسويداء، وان الاتصالات متواصلة لإقامة تحالف جديد يجمع نحو 15 فصيلاً تعمل تحت إمرة «الجيش الحر» مع كبرى الفصائل الاسلامية، ولا سيما «جبهة النصرة» و»جيش الاسلام».
وفي هذا السياق، يسعى هذا التحالف الى إعداد خطط لشنّ هجمات قاسية عسكرياً في محافظتي درعا والقنيطرة، وإلى ترويع أهالي السويداء بغية إبعادها عن سلطة الدولة، بالحرب أو من خلال الوساطات السياسية والضغوط التي «يصادف» أن بين المشاركين فيها قوى يقودها وليد جنبلاط في لبنان، وبعض العرب الدروز العاملين في المؤسسات الصهيونية في فلسطين. ولا يغيب عن بال الدول الداعمة كيفية إيجاد تنسيق يحفظ مصالح الاردن وإسرائيل من جهة، ويعزّز نفوذ السعودية والولايات المتحدة من جهة ثانية.
وسط هذا الجنون، تتصرف القيادة السورية مع حلفائها في المنطقة والاقليم والعالم بطريقة تهدف الى منع أي خسائر إضافية في الجغرافيا، وعلى قاعدة تعزيز القدرات الدفاعية لصد أي هجمات في الجنوب أو الشمال أو الوسط. وهو ما يتطلب رفع مستوى التنسيق بين هذه القوى. ويتضح أنه تم تشكيل غرفة عمليات أوسع وأكثر تنظيماً بين قيادات سورية وإيرانية ومن حزب الله، بالتزامن مع رفع مستوى الدعم العسكري الروسي للجيش السوري. وبحسب المؤشرات، فإن الفريق الداعم للدولة السورية يريد الآتي:
أولاً، تثبيت نقاط الانتشار العسكري المانعة لأي إنجاز عسكري من جانب المعارضة المسلحة.
ثانياً، إعادة الامساك بمواقع تمثل نقاطاً استراتيجية مثل أريحا وجسر الشغور وجنوب إدلب، وتوسيع دائرة الأمان العسكري في جنوب دمشق.
ثالثاً، إنجاز عملية استعادة السيطرة على كل المناطق الحدودية مع لبنان في القلمون وسلسلة الجبال اللبنانية الشرقية ومناطق مشاريع القاع والزبداني.
رابعاً، إدخال تعديلات على آليات العمل وعلى صعيد القوى الميدانية في سياق رفع مستوى الجاهزية في جميع النقاط، والاستعانة بعدة آلاف من المقاتلين من دول المحور.
خامساً، خلق آليات وأطر ميدانية تتيح توسيع مشاركة الاهالي في أكثر من منطقة في عمليات تثبيت نقاط التماس، وفي تعزيز الانتشار العسكري الذي يمنع أي خروقات جديدة من جانب المسلحين.
الى جانب ذلك، هناك اهتمام، قد لا يبدو بارزاً علناً، يتعلق بمواجهة المساعي الاميركية ــ الاسرائيلية في الجنوب السوري. ويبدو أن معركة قاسية تدور في الخفاء مع الاسرائيليين الذين يريدون رفع مستوى تدخلهم في سوريا، ويواجهون خطر اندلاع مواجهة، سواء مع الجيش السوري أو مع حزب الله في كل المنطقة. وتشير معطيات جهات متابعة الى أن الاميركيين يحاولون إنتاج وقائع ميدانية تحول دون أي تدخل إسرائيلي مباشر، وذلك خشية توسع حدود المواجهة، وخشية تعاظم نفوذ المجموعات المتطرفة، حيث يظهر البعض في الأردن قلقاً من سيطرة هذه المجموعات على خط الحدود، لأنها ستجد من يلاقيها في الجانب الاردني.
تبدو سوريا مقبلة على مرحلة شديدة التوتر. لكن الأكيد أن ما يروّج له إعلام القوى والدول الداعمة للمعارضة المسلحة يذكّرنا بما فعله الاعلام نفسه على مراحل خلال السنوات الاربع الماضية، حيث يقتصر الامر على وهم سياسي، لكن نتيجة التحريض تكون المزيد من سفك الدماء.