في عودةٍ إلى أهدافِ جائزةِ المعمار رفعة الجادرجي، نقرأُ، في الكتابِ الذي أَعدَّهُ بنفسه في عام 1999 بعنوان: «المسؤوليةُ الإجتماعيَّةُ لدورِ المعمار، أو المعمارُ المسؤولُ»، والذي اعتبرَهُ دراسةً تمهيديةً لمنحِ «جائزة الجادرجي لطلبةَ العمارة في لبنان»، نقرأُ، أنَّ هدفَ الجائزةِ، هو تشجيعُ فكرِ الطلبةِ، وتحقيقُ حوارٍ نقديٍّ جديٍّ وبنَّاء، يجْعلُ مِنها، أي من الجائزةِ، أداةَ تنبيهٍ للطلبةِ:إلى الابتكارِ والمساءَلةِ، أولاً.
وإلى اتخاذِ موقِفٍ مسؤولٍ من دَورِ المِعمارِ في المجتمعِ، ثانياً.

كما نقرأُ، أنه أعدَّ لذلكَ أُطروحةً، عرَّف فيها هُمومَ العِمارة، والمراحلَ الأساسيَّةَ في تطوُّرها. آملاً أن تُحفِّزَ هذهِ الأطروحةُ والجائزةُ المقترنِةُ بها، حِواراً نقدياً يطالُ هُمومَ العِمارةِ كما عرَّفها. فيُقْدِمُ الطالبُ، من موقعٍ مسؤولٍ، على مواجهةِ سلبيَّاتِ العِمارةِ الحديثةِ، وتهيئةِ الفكرِ المناسبِ لمواجَهةِ هذه السلبياتِ، والعملُ بالتالي على تجاوزِها أو تخفيفِ حدَّتِها. وبهذا سيسترجِعُ المعمارُ الحديثُ دورَه القياديُّ والإنسانيّ.
ويكرِّر كرَّاسُ الدورةِ الرابعةِ للجائزة في عام 2003، هذهِ الأهداف. مؤكداً أنَّ مؤسَّسة الجادرجي، تهدُف عَبْر الجائزةِ، إلى دعمِ العِمارة الإنسانية، التي تُعنى بالعلاقاتِ الاجتماعيةِ السليمة، وتُشجِّعُ على إقامَةَ الصلاتِ بين المعمارِ والمُجتمع.
وفي إعادةِ كتابتهِ للأطروحةِ المحفِّزة في الكرَّاس المذكور، رأى الجادرجي، أن سلبيَّات الحداثةِ في مقوِّماتها الرئيسة، قد تفاقَمَ تأثيرُها، وعمَّ مختلفَ أرجاءِ العالم. ولم ينتهِ القرنُ العشرون، حتى تلوَّثت البيئةُ المعماريَّةُ في المجتمعاتِ عامةً، وفي مجتمعاتِ بلدانِ الأطرافِ بلدانُنا، التابعةِ للمركزِ الغربيِّ، الرأسْمَاليّ، خاصةً.
أصبحَ المعماريُّون مُنتِجي
مُوضةٍ ومُروِّجي نمطٍ في خدمةِ تسويقِ الأراضِي

لذلكَ، تدعُو الجائزةُ الفِكرَ المعماريَّ، ليُواجهَ متطلِّبات العِمارةِ، كأداةٍ تُرضي الحاجاتِ الاجتماعيةَ، كما تَدعوه ليُساهِم في إيجادِ مناخٍ لحوارٍ شفَّاف بين الأساتذةِ والطلبة.
يهيِّئ هذا الحِوارُ في حقلِ العِمارة، لبناءِ قاعدةٍ فكريَّةٍ في لبنان وربَّما في الوطنِ العربي أيضاً، تُواجِه العولمة المهيمنة وتتعَاملُ معَها في إيجَابيَّاتها، وفي سَلبيَّاتها.

عولمة العمارة

الإجابةُ على السؤالَين، ماذا بعد؟ وماذا بعدُ في الدوراتِ المُتبقِّية؟ تمرّ في الحَلقَةِ الأُولى بالضرورة بأهدافِ الجائزةِ كما حدَّدها الجادرجي في الوثائقِ التي عَدَّدتُها، كما تمرُّ أيضاً، بمقاربةٍ هادفةٍ للعِمارة الراهِنةِ. مقاربةٌ تُظهِرُ التنديد المتسّع بطُغيانِ الأَشكالِ- الرُموزِ، وبدكتاتوريةِ الرسومِ الدالَّةِ، وبانفجارِ اللغةِ المِعماريَّةِ في عددٍ لا يُحصَى من الفقَّاعاتِ الفرديَّةِ الصغيرةِ، المُتناسِخة، رُغْم تعدُّدِها.
لقد أصبحتْ العِمارةُ الراهنةُ، بشكلٍ مؤكَّدٍ، وفي مُعظمِ الأمكنةِ، مسألةَ الـ«EGO» أو «الأنا» المنتفخة والمتورّمة. صورٌ، وتصاويرٌ جماليَّةٌ مدَّعيةٌ، إلى درجةٍ مُمكِنُ معَها التساؤُلُ، إذا بقيَ للمعماريين، شيٌ يَقولُونَه. وتعدُّدُ التعابيرِ المِعماريةِ، وتعدُّدُ الرُؤى الجَماليَّةِ فيها، قد تمَّ الحصُولُ عليهِ عَبْرَ خلافاتٍ عديدةٍ، داخِلَ عالمِ المِعماريِّين، في الغرب.
لقد ساهمت مسألة المعاني أو الدلالات في العِمارة، بإعادةِ توزيعِ الأوراقِ والمواقعِ، داخلَ عالمِ العِمارةِ (في الغربِ خاصةً)، في ستيناتِ القرنِ الماضي، لتُفضيَ بعدَ ذلكَ، إلى عودةِ الرمزيِّ، عبْر الاستدارةِ «الما بعد حدَاثِيَّة»، في الثمانيناتِ من القرنِ الماضي، أيضاً. ومثَّلتْ هذهِ المرحَلةُ، العَودةَ إلى استعمَالِ الجماليِّ والصرحيِّ في العِمارة، لأسبابٍ تواصُليَّةٍ معَ سياساتِ السلطاتِ الحاضنةِ للمشاريعِ الكُبرى، ومعَ رغبةِ هذه السلطاتِ بتثبيتِ ذاتِها. قادَ ذلكَ أولاً، إلى زيادةِ الاهتمامِ بالوظيفةِ الرمزيةِ للعِمارة، ثانياً، إلى ازدِهَارِ منطِقِ النفوذِ والشهرةِ، وثالثاً إلى «نظامِ النجوميَّةِ» في الحقلِ المِعْماريِّ.
لقد عزَّزَ ظَاهِرةَ المنْحَى الجماليِّ المفتعَلِ المُبالِغِ في العِمَارةِ، عاملان إضافيان، أولهُما الطلبُ العامُّ أي طلبُ الدولةِ في دولِ المركزِ الغربيِّ، الرأسْماليّ، هذا الطلبُ الذي قامَ على أساسِ المباراةِ الوطنيَّة أحياناً، والدوليَّةِ غالباً، والتي قادَتْ المِعْماريِّين المُتنافِسينَ إلى المبالغةِ لا بل إلى المُزايدةِ، في إظهارِ مُقتَرحَاتِهم. والثاني، إقامةُ نظامٍ للتكْرِيسِ، بُنِيَ على الجَوائزِ والنشْرِ واعتمادِ النقدِ المعماريِّ. نظامٌ قادرٌ على إنتاجِ نُخبةٍ رمزيَّةٍ، ونمطٍ من الشُهرةِ والنُجوميَّة. لقد انتقدَ المعمارُ الفذُّ «ألفاروسيزا» بقسوةٍ، وبِمَرارَةٍ، هذا النِظَامَ، ببُنيتهِ، وبنتَائجِه.
أقولُ لمن يرى أنَّ العِمارةَ فنٌّ، إن هذا الفنَّ هو فنُّ الطلب Commande. والانزلاقاتُ التي تَطالُ اليومَ العلاقاتِ بينَ ما يسمِّيه البعضُ «عالمَ الإبداعِ والخلقِ»، وعالمَ التسوُّق، يمكِنُ رُؤْيَتَها في العِمارة. وما أعدَّه «النقدُ الفنيُّ الما بعدَ حداثي»، ما هو إلا إعادةُ صياغةٍ لهذهِ العلاقاتِ، بكلِّ انزِلاقاتِها. فقِيَمُ «الخلقِ» يَقولونَ، أصْبَحتْ مندمجةً في عالمِ السوق. يُعبِّر عن هذا الاتجاهِ، المعمارُ «رِم كولهاس ومكتَبُهُ OMA، مكتبُ العِمارةِ المتروبولية»، ومفْهومُه للمَدينةِ، الذي يَرى في عَولَمةِ الاقتصادِ، أُفقاً لا يُمكنُ تَجَاوُزُه.
لقد استطاعَ معماريُّو الحداثةِ الأوائل، يُلهِمُهُم «ميثاقُ أثينا»، أن يأخذُوا شرعِيَّتَهُم من سيطَرَتِهم على التِقنيَّةِ، في سياقِ إنتاجٍ كميٍّ كبيرٍ مخطَّطٍ مركزيَّاً، تقودُه دولٌ وطنيةٌ قَوِيَّة. لقد اختلفتْ كلياً المراحلُ اللاحقةُ، ومِنْها المرحلةُ الراهِنة.
فَحقلُ العِمارةِ اليومَ، لا تنظِّمُهُ «المواثيقُ» أو «التيَّاراتُ»، بل طَلَبُ الفرادةِ لأسماءِ مِعماريين أَعلام. والطلبُ المعماريُّ، قد تغيَّرَ هو الآخر. فلا مركزيةٌ للكفاءَاتِ، ولا منطقٌ لحكومةٍ Gouvernement، بل بروزُ منطقِ الحَوكمة Gouvernance، وتقدُّم الخاصِّ على حِسابِ العام. لقد غَيرَّ كلُّ ذلكَ عَملَ المعماريِّين، الذين أصْبحوا في وضعٍ لا يأخذونَ فيه شرعيَّتَهم من قاعدةٍ تقنيَّةٍ، أو ثقافيةٍ، أو اجتماعيةٍ، بل مِن قُدرَتِهم على إنتاجِ ما يُسَمُّونه «تجديداً جمالياً»، يُساهِمُ في إنتاجِ هُوياتٍ مدينيةٍ، يَزعَمُون. لقد أفَلَ نجمُ مخطِّطي القرنِ الماضي، الذين تَشَاركُوا في تَبنِّي نظرياتِ الحَداثَةِ، وأعْطُوا بذلكَ هدفاً للعملِ العام. والممارساتُ المهنيةُ في الإطار المدينيِّ، هي اليومَ مطبوعةٌ، بعدمِ الاكتراثِ بالتفكيرِ الاجتماعيِّ التقدميّ. عَدمُ اكتراثٍ، يقودُ غالباً إلى براغماتيةٍ يتراجعُ فيها التخطيطُ، أمامَ متطلِّباتِ السوق.
نُشاهِدُ، منذُ عَقدينِ ونيِّف، نمطاً لإنتاجِ المُدنِ، يُمكِنُنا وصفُه بأنَّه نمطُ المُقاوِلين والتجَّار، أو النمطُ النيوليبرالي. مُدنٌ مُعولَمةٌ، فيها سُلطاتٌ مدينيَّةٌ مِترُوبُولية، تُريدُ لهذهِ المُدنِ في المركزِ الرأسماليِّ الغربيِّ، أن تتنافَس. وربَّما كانَ لمُدنِ الأطرافِ، مُدُننا، الرغبةُ ذاتُها. وهي، في اختياراتِها المختلِفةِ، تتبنَّى الأهدافَ والأولوياتِ ذاتَها. أهمُّ هذه الأهدافِ والأولوياتِ:
1- خلقُ الشروطِ الأكثرَ ملاءمةً للمْستثمرينَ، والسوَّاح، والفئاتِ المسَّماة «خلاَّقة». حتى أن بعضَهُم في مدينةِ الرياضِ مثلاً، يتبنَّى فِكْرةَ إقامةِ مدينةٍ جديدةٍ مخصَّصةٍ حَصْرياً لهولاءِ «العُلماءِ والمُبدعين»، مدينةُ الملك عبدالله للطاقةِ الذريَّةِ والطاقةِ المتجدِّدة.
2- ولا يقودُ السياساتِ المدينيةَّ في هذهِ الحالةِ، منطقُ التوازُنِ في استعمالاتِ الأراضي مثلاً، بل تقودُها الرغبةُ بالنموِّ، وبالمُنافَسةِ. إنه زمنُ التنافسِ المديني إذاً، الوطنيِّ والدولي. والإنتاجُ المعماريُّ في هذا الزمنِ، مثلُه مثل الثقافةِ، هُما من الموارِدِ التي تُحرَّكُ لبناءِ رأسمالٍ رمزيٍّ، وهُويَّةٍ مُمَيزةٍ جاذِبةٍ. جاذبةٌ أتساءل؟ جاذبةٌ بالتأكيدِ لرأسِ المالِ المستثمرِ، أُكرِّر مُضطرَّاً.

المعماريون مروِّجون ومُعْلِنُون

إن في هذا التحوُّلِ بالنسبةِ للمِعماريِّين، انتقالٌ لنظامِ شرعَّيتهِم. فالاعترافُ بهم، لم يَعدْ لسيطَرتِهم التقنية، أو لتَحقِيقهِم لرغباتِ مجتمعاتِهم، أو لِجهةٍ، أو لِدَولَة. الاعترافُ بهم، يعودُ اليومَ لقُدرتِهم على إنتاجِ معنى ما، لصالحِ المُدُنِ الكبيرة، والفئاتِ التي تحكُمُها. وتوقيعُ المعمارِ المميَّزِ يتقدَّمُ المَشْهدَ.
تُحرَّكُ اليومَ، النخبةُ المُعولَمةُ من المعماريين، للمُساهمةِ في بناء المدنِ بسماتٍ فاخرة. لقد أصبحَ المعماريُّون مُنتِجي مُوضةٍ ومُروِّجي نمطٍ، في خدمةِ تسويقِ الأراضِي. إنهم «فنانون»، كَما يَرى البعْضُ، في خدمةِ الأقوياءِ، والأغنياءِ، ومُحتكري الريُوعِ الخياليَّة، يستعملُونَهم لإطلاقِ نمطٍ أو موضةٍ، أكرِّرُ، ليُبهِرُوا، ويشدُّوا الانتباه العامَّ، عَبر منشآتٍ لم تعُدْ مبانٍ. إنها مجرَّدُ لوحاتٍ إعلانيةٍ ضخمةٍ، على شكلِ متاحفَ، أو صروحٍ تُمجِّدُ وكالةَ اتصالاتٍ، أو مَصْرِفاً عالميَّ النشاط. هذا إذا لم يكتشفوا حيَّاً عتيقاً، يحوِّلونَه إلى «ديزني لاند». ولا تغيبُ بالطبعِ، القريةُ الإيكولوجيَّةُ، الدائمةُ الحُضُور.
يشهدُ على ذلك أمثلةٌ كثيرة، منها «المقارباتُ التخطيطيَّةُ لباريس الكبرى»، حيث أكثريةُ المعماريين النجومِ الذين تمَّ استخدامُهم، هم قُدماءُ الطامِحين في نهايةِ الستينيات من القرن الماضي، يُنتَظرُ منهم، عملٌ مُلهِمٌ، قادِرٌ على التخفيفِ من تعقيداتِ المُهمَّة. وهناك «بيلباو» ومُتحفُها، «والدوحةُ في قطر»، وفروعُ الجامعاتِ الكبرى والمتاحفِ العريقةِ فيها، ومنشآتها الرياضيَّة والثقافية، «والصين» واهتِمامُها المُفرِط بالمنشآتِ الأولمبية، «وأبو ظبي ومدينتُها النموذجية مصدر»، الخاليةُ من إنبعاثاتِ ثاني أوكسيد الكربون، يزعَمُونَ. من دون أن ننسى بالطبع «سوليدير في بيروت»، وزَحمةَ المِعماريين النجوم، يبنونَ فيها ناطحاتِ السماءِ، المختَنِقةِ بتَجاوُرِها، وبارتِفاعِها.

ماذا بعدُ؟

ماذا بعدُ إذاً، في الدورات المقبلة؟
أبدأُ باسترجاعِ ما قالهُ زملاءٌ في عام 2003. زملاءٌ كثرٌ، شاركُوا في الطاولةِ المستديرةِ التي عُقِدَتْ حولَ الجائزةِ في آذار 2003، وقالوا فيها كلاماً عميقاً. قالوا: 1- الجائزةُ أصْبَحَتْ تقليداً في النقابة. لكنَّ فِكرَ رِفعةْ الجادرجي لم يُطبَّق في الجوائزِ التي قدَّمناها إلى الآن، إلا أنَّ الجائزةَّ لم تَفْشَلْ، لأنَّها وضَعتْ حَافزاً للطلاَّبِ في مختلَفِ الكليَّات. 2- أُشدِّد على تكوينِ شَخصيَّةِ المِعمار، وإبعادِهِ عن عِمارَةِ الصُّوَرِ والشكلِ، والاتجاهِ إلى عملٍ بحثيٍّ جديّ. 3- ويجبُ الاطِّلاعُ على فكرِ الجادرجي لمن يتقدَّم لِهذِه الجائزة. وفي التحكيمِ، يجبُ أن تكونَ هناكَ مُسَاءلةٌ. ماذا يقترحُ المتَباري، وماذا أضَافَ إلى بيئَتِهِ ومُجتمعِه. 4- أقتَرحُ أن تكونَ الجائزةُ مستقلةً عن مشاريعِ التخرُّج، وتفتَحُ الجامعاتُ باباً حولَ مَفْهومِ الجائزة. 5- هَدَفُ الجائزةِ الاقتباسُ من فكرِ الجَادرجي، والابتعادُ من الإحادِيَّة. عَلينا أن نتَّفِقَ على موضوعٍ معيَّنٍ كالسكنِ مثلاً، وإطلاقِ فكرةِ المباراةِ على أسَاسِها. 6- هناكَ قيودٌ بروتوكوليةٌ بين الجَادرجِي والنقَابة، حولَ شروطِ إعطاءِ الجائزة. كلُّ ما يُمكِننا فِعلهُ، هو تقديمُ توصياتٍ لتحسينِ الإداء. والجائزةُ التي تُعطَى، يجبُ أن يكونَ لها علاقةٌ بفكرةِ الجادرجي الفلسفية. 7- علينا الاستفادةُ من الجائزةِ، لإجراءِ لقاءٍ وحوارٍ سنويٍّ في النقابةِ، حول فكرِ الجادرجي ومشاكلِ التعليم. 8- لنبدأَ بمفهومِ الجائزةِ، ونطرحُ حواراً بينَ الطلابِ، لنُحضِّرَ أنفُسنَا ونحضِّرَ الطلابَ، لهذا المفهوم.
في مواقِفِ الزملاءِ، منذ ما يزيدُ عن عقدٍ من الزمن، ما يَستَشْرِفُ وضعَ الجائزةِ اليومَ، في زمنِ العولمةِ المستمِّر. لقد عرَّف «رَيْمُونْد هينبوش»، العولمةَ، بأنَّها المرحَلَةُ العُليا من الإمبريالية. والمِعمار النجمُ في زمنِها، هو منتجُ موضةٍ، وصَانعُ نمطٍ، في خدمةِ تسويقِ الأراضي، كما سبَقَ وذكرتْ. إنه «فنَّان»، يَقولون، في خِدمةِ الأغنياءِ، ومحتكِري الريوعِ الخيالية. إنه منتِجُ صورٍ تُبهِرُ، ومنشآتٍ هي لوحاتٌ إعلانيةٌ ضخمةٌ، أكرِّر. العِمارةُ في زمن العولمةِ أصْبَحَتْ إعلاناً. وعلى الجائزةِ، في السنواتِ المقبلة، أن تُحافِظَ على جَوهَرِها، لتَغْرُسَ في المِعمارِ الشابِّ روحَ المسؤوليةِ الإجتماعيةِ، وتبعِدُهُ عن نهجِ الصورةِ، والإبهارِ، والفرديَّةِ، وتساهِمُ بالتالي، في جَعلِهِ «معماراً مسؤولاً».

(ألقيت هذه الكلمة خلال حفل توزيع «جائزة الجادرجي لطلبة العمارة في لبنان»، في دورتها الخامسة عشرة، يوم الثلاثاء في 9 حزيران الفائت)