يناقش مجلس حقوق الانسان مواضيع محددة ذات صلة بحقوق الإنسان وتغير المناخ، في دورته التاسعة والعشرين التي تعقد في جنيف. وقد اصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تقريراً الى الدورة الـ ٢٩ يقدم مجموعة من التوصيات المتعلقة بهذا الموضوع، ابرزها التدابير وأفضل الممارسات في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، التي يمكن أن تعتمدها الدول في التصدي للآثار الضارة لتغير المناخ على التمتع الكامل والفعلي بحقوق الإنسان.
وركز التقرير على الآثار الضارة لتغير المناخ على جهود الدول الرامية إلى إعمال الحق في الغذاء. ووصف تغير المناخ بأنه دليل على بطلان النموذج الاقتصادي الذي يُديم أوجه عدم المساواة.
ويشكل تغير المناخ تهديداً للتنمية المستدامة بل إنه يشكل في بعض الحالات تهديداً لبقاء البشرية. فهو قد يؤدي إلى تفاقم المجاعة والاضطرابات السياسية والنزاعات حول الموارد كما أن له آثاراً غير متناسبة على النساء والفقراء والشعوب الأصلية والفلاحين التقليديين والمجتمعات الساحلية والمهاجرين.
ويلاحظ أن سكان البلدان النامية، خصوصاً الدول الجزرية الصغيرة النامية، وأفريقيا، وأقل البلدان نمواً هم الأقل إسهاماً في انبعاثات الكربون الخطيرة لكنهم يرزحون تحت الآثار السلبية لتغير المناخ. ويطالب مجلس حقوق الانسان بإجراءات فورية في مجال تغير المناخ لتحويل الاقتصادات وتسخير الإمكانات من أجل الوصول إلى مستقبل تنخفض فيه انبعاثات الكربون. ويدعو الدول للتوصل إلى اتفاق عالمي ذي مغزى في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، المقرر عقدها في باريس في كانون الأول 2015.
أنجزت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ - وهي أكثر الأصوات تأثيراً في مجال علوم تغير المناخ - توثيقاً شاملاً لما لتغير المناخ من ضرر على بيئتنا، وتبين القرارات السبعة التي اتخذها مجلس حقوق الإنسان في ما يتعلق بتغير المناخ بوضوح وتفصيل تأثير تغير المناخ على التمتع بحقوق الإنسان.
والمفارقة ان أكثر من سيتضرر من تغير المناخ هم الأشخاص الذين يساهمون بأقل مستوى من انبعاثات غازات الدفيئة، بمن فيهم أفقر الأشخاص في أفقر البلدان والأجيال المقبلة في جميع أنحاء العالم.

تغير المناخ في العالم
سيؤدي الى صراعات عنيفة
في كثير من الدول


ومن شأن اتفاق جديد ملزم قانوناً في مجال المناخ أن يعزز الالتزامات التي قطعتها الدول في اتفاقات كانكون لعام 2010 حرصاً على «أن تحترم الأطراف جميع الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ وحقوق الإنسان للجميع وتحميها وتعززها وتعملها»، وأن يضمن إشارات واضحة إلى مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بالمساواة وعدم التمييز والمساءلة والمشاركة والتمكين والتضامن والشفافية ضمن مبادئ أخرى.
ويجزم تقرير صدر عن البنك الدولي اواخر العام الماضي أن نتائج تغير المناخ ستكون «كارثية» على منطقة شرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضمنها لبنان، إذ إن بيروت والرياض ستسجلان أعلى مستوى زيادة في ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، وسيزداد عدد الأيام الحارة إلى 126 و132 يوماً في السنة على التوالي. وهذا ما سيجعل فصل الصيف طويلاً وحاراً للغاية.
واعربت دول عدة شاركت في آخر اجتماع للفريق العامل المخصص المعني بمنهاج ديربان للعمل المعزز المتعلق بتغير المناخ، الذي عُقد في جنيف في شباط 2015، عن دعمها لتضمين الاتفاقات المقبلة عبارات شديدة تتعلق بحقوق الإنسان، وقد وقعت 18 دولة على «تعهد جنيف المتعلق بحقوق الإنسان والإجراءات المتعلقة بالمناخ»( ).
ويقول التقرير الصادر عن مجلس حقوق الانسان ان التعامل مع قضايا تغير المناخ والتنمية وحقوق الإنسان ينبغي أن يكون منصفاً ومتكاملاً. ويتطلب أي نهج قائم على حقوق الإنسان إدماج العدل المناخي، فضلاً عن التعاون والتضامن الدوليين، وهي جميعها أمور أساسية في دعم البلدان النامية، بما في ذلك دعمها بالتمويل والتكنولوجيا. وينبغي أن يستند هذا التنسيق والتعاون على الصعيد العالمي إلى التضامن والإنصاف والعدل واحترام حقوق الإنسان.
ويشير التقرير الى أن تغير المناخ هو التحدي الأخلاقي الأكبر الذي يواجه البشرية. فهو يهدد بقاء الشعوب والأوطان في حد ذاته. وهو مشكلة عالمية تتطلب قيادة عالمية. وللحث على اتخاذ إجراءات لا بد من فهم الوجه الإنساني لتغير المناخ.
ومن المعلوم ان المفاوضات للوصول الى اتفاقية ملزمة للحد من تغير المناخ لم تتوصل حتى الآن الى نتائج ايجابية، ما جعل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الذي سيُعقد في باريس عام 2015 في غاية الأهمية.
ومن المفترض ان تعمل الحكومات بوتيرة سريعة لوضع اتفاق عالمي جديد بشأن تغير المناخ يغطي جميع البلدان اعتباراً من عام 2020، والذي سيُعتمد بحلول عام 2015 في باريس. وتركز التقارير العلمية إلى ضرورة أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها عام 2015، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80% من هذا المعدل عام 2050، علماً بأن مستوى تركيز الغازات الدفينة الحالي يبلغ اكثر من 400 جزء في المليون من ثاني أكسيد الكربون، وهو يرتفع نقطتين كل عام. ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أكسيد الكربون، وهو هدف فشلت حتى اللحظة جميع السيناريوهات التي تطرح داخل أروقة الأمم المتحدة في الوصول اليه.
ومن الامثلة التي يقدمها التقرير حول تهديد تغير المناخ ما تواجهه دولة كيريباس التي اتخذت حكومتها خطوات لحماية شعبها والتخطيط للمستقبل. فقد اشترت أرضاً في فيجي وعملت على تحضير شعبها بحيث يتمكن من الهجرة بكرامة.
وتصنف كيريباس دولة جزرية صغيرة تقع في المحيط الهادئ. لا يتجاوز تعداد السكان الدائمين 100,000 وتتكون من 32 جزيرة مرجانية. وتعتبر واحدة من أكثر دول العالم ضعفاً لآثار تغير المناخ، لذلك فإنها تشارك وبنشاط في الجهود الدبلوماسية الدولية المتعلقة بتغير المناخ وأهمها المؤتمرات الإطارية بشأن أطراف تغير المناخ. وهي عضو في تحالف الدول الجزرية الصغيرة، أنشئت في عام 1990 والغرض الرئيسي من هذا التحالف هو تعزيز أصوات الدول الجزرية الصغيرة النامية للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري.
ويقول الكاتب الاميركي كريستيان بارينتي في كتابه «مدار الفوضى... تغير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف» ان هناك دراسات تشير الى ان تغير المناخ في العالم سيؤدي الى صراعات عنيفة في كثير من الدول التي تقع في ما اسماه «مدار الفوضى» وان هذا سيؤثر في نحو ثلاثة مليارات نسمة. وحذر من ان ذلك سيزيد من فقر ومشكلات جزء كبير من العالم وان الدول الغنية لن تستطيع بالقوة ان تحصر بلدان العالم الفقيرة في عالمها البائس فلا بد اذن من ان يغرق العالم كله في البؤس في نهاية الامر. ويحذر الكاتب من ظهور ما اسماه «الفاشية المناخية» وهي سياسة مبنية على الاستعباد والفصل والقمع، سياسة بشعة جداً ومصيرها الفشل. ويخلص الى انه لا بد من وجود مسار آخر. لا يمكن للدول المتعبة في عالم الجنوب ان تنهار من دون ان تأخذ في النهاية الاقتصادات الغنية معها. إذا سمح لتغير المناخ بأن يحطم اقتصادات ودولا بكاملها فلا يمكن لأي كمية من الجدران والمدافع والاسلاك الشائكة وطائرات الدرون المسلحة أو استخدام المرتزفة أن تنقذ بشكل دائم نصف العالم من نصفه الآخر.




126 يوم حار

تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر منطقة في العالم شحاً في موارد المياه. ويبلغ نصيب الفرد من المتاح من الموارد المائية المتجددة بوجه عام أقل من ألف متر مكعب في السنة (باستثناء عدد قليل من البلدان)، ويقل هذا المعدل إلى 16 متراً مكعباً للفرد في الإمارات العربية المتحدة. وبالمقارنة بالمكسيك، أن نصيب الفرد يبلغ 3500 متر مكعب في السنة، و4500 في بلدان منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و9000 متر مكعب في الولايات المتحدة الأميركية. يقول البنك الدولي في آخر تقاريره ضمن سلسلة «اخفضوا الحرارة»، انه في عالم ترتفع فيه الحرارة درجتين مئويتين، من المتوقع أن تزيد عدد أيام السنة الحارة التي ترتفع فيها درجات الحرارة بصورة غير معتادة مع الشعور بعدم الارتياح نتيجة ارتفاع درجة الحرارة في العواصم من 4 إلى 62 يوماً في عمان (الأردن)، ومن 8 إلى 90 يوماً في بغداد (العراق)، ومن يوم واحد إلى 71 يوماً في دمشق (سوريا). وتشير التوقعات إلى أن بيروت (لبنان)، والرياض (السعودية) ستشهد أعلى مستوى من الزيادة في ارتفاع درجات الحرارة حيث تشير التنبؤات إلى زيادة في عدد الأيام الحارة إلى 126 و132 يوماً في السنة على التوالي. وفي سيناريو ارتفاع الأربع درجات مئوية، تشير التنبؤات إلى أن متوسط عدد الأيام الحارة سيتجاوز 115 يوماً في السنة في جميع هذه المدن. وهذا سيجعل فصل الصيف طويلاً وحاراً للغاية.