لا شك في أنّ مُشاهد ريبورتاج mtv أول من أمس وقف مشدوهاً أمام هول ما يراه. صحيح أنّ لقناة المرّ صولاتها وجولاتها و«فتوحاتها» في مناسبات عديدة، إلا أنّ أحداً لم يتوقع أن تصل الأمور إلى تلك الدرجة من «الغباء» العاري الممزوج بثقة كبيرة بالنفس، وبنية مبيتة في التشويش على قناة lbci وفق ما يقول أحدهم. صحيح أنّ العبارة قاسية، لكنّها أقل ما يمكن أن يوصف به مضمون الريبورتاج «الفذ». التقرير المحشو بكمية هائلة من العشوائية، هزّ الرقيب اللبناني في نهايته كي «يفيق من غيبوبته» ويجهز مقصّه في الأعمال الإبداعية بجريمة...
«العنصرية». أجل، مَن تصدى هذه المرة للعنصرية هو شاشة المرّ نفسها التي ـ لو توافرت هذه الفئة في الموسوعة ــ لدخلت «غينيس» في منسوب العنصرية التي تبثها، وخصوصاً تجاه السوريين والفلسطينيين. حتى إنّ ذوي الاحتياجات الخاصة لم يسلموا من الموضوع. وهو ما ظهر جلياً في نشرات أخبارها وبرامجها، ولاسيّما «ما في متلو»... لكن بدل أن تفكّر الشاشة اللبنانية في مراجعة أدائها والعمل على تصويب المضمون الذي تقدّمه، قرّرت أخيراً أن تضرب من تحت الزنّار من خلال التشويش على زميلتها lbci. كيف؟ بثّت mtv في نشرتها المسائية أوّل من أمس تقريراً بعنوان «lbci تشوّه سمعة اللبنانيين»، رأت فيه أنّ «المؤسسة اللبنانية للإرسال» تبثّ في رمضان مسلسلاً يتهم اللبنانيين بالعنصرية.

طالبت القناة اللبنانية الأمن
العام بالتدخّل!
العمل ليس سوى نقطة مضيئة في سماء الدراما السورية هذا الموسم. إنّه «غداً نلتقي» (إخراج رامي حنّا ــ يُعرض على «أبو ظبي»، وlbci، وLDC) الذي وصفت mtv كاتبه إياد أبو الشامات بـ «العنصري». أما سبب «غضب» المحطة، فيعود إلى بعض المشاهد التي تتحدّث عن تمييز يمارسه اللبنانيون تجاه السوريين والفلسطينيين. «وسوري كمان؟»، يقول أحد المواطنين اللبنانيين لسائق الباص السوري، فيجيب الثاني: «إيه نعم سوري، شو بدنا نساوي، هيك الله خلقنا». برغم قساوته، فإنّ الحوار ملتحم بالواقع يعكسه ببساطة مرعبة. كلّنا يعرف ذلك، حتى لو لم ترد mtv أن ترى الحقيقة. ألا يعاني السوريون وغيرهم من اللاجئين والعمّال الأجانب في لبنان عنصريّة مقيتة يومياً؟ ألا يمنّنهم بعضهم كلّ دقيقة بأنّ لبنان يستقبلهم، ويحمّلهم البعض الآخر مسؤولية تراجع نسبة فرص العمل وزيادة الجرائم والسرقات؟ وكلها تصريحات تأتي أحياناً على لسان السياسيين قبل المواطنين العاديين، وأيضاً على شاشة mtv ضمن برامجها المختلفة.
باختصار، «غداً نلتقي» يضع الإصبع على جروح كثيرة. لقد نجح في تقديم المعاناة السورية في بيروت من خلال نماذج مهجّرة سحقتها الحرب، لكنّها لم تتخل عن الأمل، إما بالهجرة أو مواصلة حياتها البائسة. واحد من المشاهد التي أثارت حفيظة «قناة المرّ» كان حين تقول الممثلة كاريس بشّار (وردة) لعبد المنعم عمايري (محمود) إنّها لا تحب فيروز لأنّها تذكّرها بأيّام المدرسة، وتفضّل عليها «وردة الجزائرية وأم كلثوم وراغب علامة». أيضاً، وجدت القناة «الغيورة» على رمزها في هذه العبارة «إهانة لرمز من رموز لبنان». لم تفقه طبعاً إلى أنّ كاريس تتحدّث بلسان الطفل الذي كانته والمشاعر التي تنتابه مع الاستيقاظ باكراً على صوت فيروز إلى المدرسة... لكن ماذا تعرف mtv أصلاً عن فن اسمه الدراما التلفزيونية، هي المغرمة بعرض مسلسلات وأعمال «لايت» (وهذا حقها) نائية بنفسها عن «وجع القلب» مع أعمال على شاكلة «غداً نلتقي».
«الدرس التأديبي» التي قدّمته mtv إلى lbci لم ينته هنا، بل تابع التقرير مطالباً «المديرية العامة للأمن العام» بالتدخّل، متسائلاً: «كيف مرّت كل هذه المشاهد على الأمن العام اللبناني؟ وأين رقابته على كلّ ما يمس سمعة اللبنانيين؟ ألم يلاحظ الأمن العام الذي يجب أن يكون حريصاً على سمعة اللبنانيين الإذلال بحق الشعب اللبناني؟ لمَ سكت عن كل ذلك؟». إذاً، نحن أمام مؤسسة إعلامية يُفترض أنّها تقدّس حريّة الرأي والتعبير و«تتغنّى» بوجودها في بلاد الأرز، تحثّ جهازاً تابعاً لمؤسسة رسمية على التدخّل من أجل منع، أو على الأقل حذف مشاهد من عمل إبداعي.
«أم. تي. في» الرائدة في التحريض على السوريين والفلسطينيين، تتهم غيرها اليوم بما اشتهرت هي به. وفي الوقت الذي يعمل فيه الحقوقيون والمثقفون والناشطون على إلغاء قوانين الرقابة البالية، تُطالب بتعزيز دور مقص الرقيب. بعد كل ذلك، نتساءل إن كانت تنفع مواصلة الكتابة عن «مآثر» mtv... فما لجُرحٍ بمَيّتٍ إيلامُ.