ما دام الخلاف على التعيينات العسكرية والامنية مستمرا، ستظل ابواب السرايا موصدة امام استعادة حكومة الرئيس تمام سلام مقدرة مجلس الوزراء على اتخاذ القرارات. بيد ان ذلك لا يوقف دوران الزمن الذي يجعل الاستحقاقات المتنازع عليها اقرب، يوما بعد يوم. لائحة الاستحقاقات تلك تحدد الروزنامة الآتية: في 7 آب يحال رئيس الاركان اللواء وليد سلمان على التقاعد. بعده في 20 ايلول مدير المخابرات العميد ادمون فاضل. بعده في 21 ايلول الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير. بعد في 22 ايلول قائد الجيش العماد جان قهوجي. ثم في 15 تشرين الاول قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز. في ثلاثة ايام بفاصل ساعات، يغادر خير وفاضل وقهوجي تباعا.
في كلّ من الضباط الخمسة الكبار تكمن عقدة في المنشار. لكل منهم مرجعية يسهل عليها فرض قواعد لعبة الخلاف الداخلي والتسبّب بتعطيل آلة الحكم. لدى كل منهم ما يتيح للمرجعيات تلك التمسك به، او مقايضة التخلي عنه بثمن سياسي باهظ.
مفتاح سلمان في جيب النائب وليد جنبلاط، صاحب الكلمة الفصل والوحيدة في تعيين رئيس الاركان، وهو يؤيد التأجيل الاول لتسريحه. كذلك سيفعل سلام عندما يحين اوان احالة خير على التقاعد، وان بدا في الظاهر ان القرار لوزير الدفاع سمير مقبل كونه الوزير المختص. الا ان القرار سنّي اولا واخيرا. ما يعني تأجيل تسريح الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع للمرة الثانية.
تبدو مشكلة مدير المخابرات اكثر تعقيدا. يفترض احالة فاضل على التقاعد نهائيا في ايلول بعدما ان يكون انهى 42 عاما في الجيش ما يمنع بقاءه فيه بعد ذلك. وهو مرّ في السنوات الثلاث المنصرمة بثلاثة تأجيل تسريح. في الاسابيع الاخيرة فتح بازار اسماء محتملة لخلافته: قهوجي يدعم مدير مكتبه العميد كميل ضاهر، ومقبل بايحاء من الرئيس ميشال سليمان يريد قائد الحرس الجمهوري العميد وديع غفري. طرح ايضا اسم قائد مقر عام الجيش العميد جورج كيوان حلا وسط، لكنه يشكو من ثغرة في حظ وصوله ان المدة المتبقية له في الخدمة ليست طويلة.
ورغم الاعتقاد بأن فاضل ذاهب الى التقاعد هذه المرة، ثمة احاديث هامشية في اوساط المؤسسة العسكرية عن مخرج متاح لاستمراره بلا عراقيل قانونية من خلال استدعائه الى الخدمة من الاحتياط، بعد ان يكون قد احيل على التقاعد، دونما الحاجة الى تأجيل تسريح لم يعد ممكنا.

بقاء فاضل في
منصبه معلق
على احتمال استدعائه من الاحتياط


تبعا لقانون الدفاع، ما خلا الاعضاء الستة في المجلس العسكري (ضمنا قائد الجيش ورئيس الاركان) يحق استدعاء اي ضابط آخر سواهم من الاحتياط واحلاله في وظيفة. ما يفتح باب التكهن بتكريس سابقة في ذلك مع فاضل في حال اخفق التفاهم على مدير للمخابرات يخلفه. لكن المشكلة المترتبة على خيار كهذا انها تفتح الباب على سوابق من ضمن السابقة: هل يقتصر الاستدعاء عليه وحده؟
بعض مَن يخوض في هذا المخرج يتذرع بـ «المباركة الدولية» لدور المؤسسات العسكرية والامنية ورجالاتها، اذ تنصح بابقاء القديم على قدمه ريثما يصير الى انتخاب الرئيس. ثمّة مَن يتحدث عن تنسيق كبير ومهم في السنوات المنصرمة بين فاضل ونظرائه في الاستخبارات الاميركية والبريطانية والفرنسية والاوسترالية تعزز ميلها الى استمرار هذا التعاون.
ما يتردد داخل الجيش على نطاق ضيق، ان موعد تأجيل تسريح رئيس الاركان في آب سيكون مناسبة لابرام صفقة متكاملة تشمل، في آن، تأجيل تسريح خير وقهوجي تفاديا لتكرار الضجيج والسجال بازاء هذا القرار مجددا. على نحو كهذا يحافظ الدرزي والماروني والسني على موقعه في المجلس العسكري، فيما المناصب الثلاثة الاخرى، الشيعي والأرثوذكسي والكاثوليكي، تستمر شاغرة منذ عام 2013.
اذ ذاك يفتح الباب على مصير مدير المخابرات.
عملا بقانون الدفاع، يعيّن مدير المخابرات بقرار من وزير الدفاع بناء على اقتراح قائد الجيش.
حتى اتفاق الطائف كان رئيس الجمهورية مَن يسمي مدير المخابرات، وفي بعض الاحيان بالتفاهم مع قائد الجيش الذي يسلم بارادة الرئيس ما دام هو الآخر يسميه رئيس الجمهورية، فيصدر وزير الدفاع ــــ آخر مَن يعلم ــــ قرارا بالتعيين. كان العقيد سيمون قسيس آخر مدير للمخابرات يسميه رئيس الجمهورية ــــ أمين الجميّل آنذاك ــــ دونما الوقوف على رأي قائد الجيش العماد ابرهيم طنوس آنذاك سوى للتسليم به. في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، متأثرة بالنفوذ السياسي والامني السوري ووطأته على الجيش، حيل دون الرئيس في تسمية مدير المخابرات: الاول العقيد خليل جلبوط سماه قائد الجيش العماد اميل لحود ثم خلفه بعد سبعة اشهر العقيد ميشال رحباني خلافا لارادة الرئيس الياس هراوي في الحالين. عندما اصبح لحود رئيسا سمّى قائد الجيش العماد ميشال سليمان العميد ريمون عازار مديرا للمخابرات ثم خلفه العميد جورج خوري، من غير ان تكون للرئيس ووزير الدفاع كلمة فصل.
لم تكن هذه الحال مع فاضل. رئيس الغرفة العسكرية لوزير الدفاع الياس المر واحد الاسماء المقترحة لقيادة الجيش عام 2008. بعد تعيين قهوجي اتفق الرئيس الجديد ميشال سليمان مع المر وقهوجي على احلال فاضل في مديرية المخابرات. شاع الاعتقاد بأن المرّ بالذات وراء الإختيار، الدور الذي يحاول الوزير الحالي اليوم الاضطلاع به، خافيا وراءه تأثير سليمان الراغب في تعيين قائد الحرس الجمهوري ابان ولايته. والواقع أن تأثير سليمان على مقبل أكثر منه على قهوجي الذي له مرشحه ومدير مكتبه الوثيق الصلة به، ما يمنحه لدى قائد الجيش أفضلية تتقدم سواه.
لا رئيس للجمهورية، وكل من الوزير والقائد يضع قدمه في موطىء مختلف عن الآخر.