«المجتمع المنتج» الذي شارك، أمس، في لقاء «الهيئات الاقتصادية» يعكس فعلاً الدرك الذي وصل إليه المجتمع والاقتصاد اللبنانيان. فاللقاء في القاعة الفخمة «le pavillon royal» في مركز بيروت للمعارض (البيال) جمع هيئات أصحاب الرساميل، المتمتمعين بريوع السلطة والديون والمضاربات العقارية والاحتكارات والهدر والفساد وإنكار حقوق الناس، مع أصحاب الامتيازات في نقابات المهن الحرة، وزيّن جمعتهم رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، صاحب الاتفاق الرضائي مع أصحاب العمل على حساب مصالح العمال وحقوقهم، و»الأميرة» حياة ارسلان، التي بقيت طيلة اللقاء مشغولة وصاحباتها في التقاط الصور مع النائب روبير فاضل وأركان «الهيئات الاقتصادية»، ممثلة منظمات المجتمع المدني.
في هذا اللقاء، قاطعت هيئة التنسيق النقابية التي تمثّل اكثر من 200 الف موظف ومعلم وجندي، ولم يكن هناك اي نقابة تمثّل العمّال الا اذا صدّق احد ان غصن هو ممثلهم، وغاب معظم ناشطي «المجتمع المدني» من دون أن تكون لهم مواقف سلبية من اللقاء، بحسب ما قال بعضهم لـ «الأخبار»، وهو أمر ليس مستغرباً بما أنّ تمويل هذه المنظمات يأتي إما من أصحاب الرساميل أو من أربابهم في الدول الخارجية.
هذا في الشكل، امّا في المضمون، فحتّى هؤلاء المشاركون المتماهون مع المصالح الراسخة في النظام القائم، لم يتوافقوا على عناوين مشتركة او رؤية جديدة للدولة والنظام السياسي والاقتصاد، كل ما فعلوه هو أنهم اعلنوا ان جمعتهم تقضي بتحييد كل القضايا الحقيقية في السياسة والاقتصاد والمجتمع والتركيز على «الوحدة المصطنعة»، وقرروا أيضاً في الوثيقة الموقعة بينهم الابتعاد عن إثارة المطالب القطاعية والفئوية، ومنها سلسلة الرتب والرواتب وتصحيح الاجور وتعديل النظام الضريبي وتأمين التغطية الصحية لجميع اللبنانيين وتوفير فرص العمل. هذا بالضبط ما عكسته الكلمات التي بقيت في الاطار «الشعاراتي» والتباكي على الفقراء المظلومين الذين يعيشون بفضل تراكم ارباح الاثرياء... والمطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة العمل بالمجلس النيابي لتأمين الاستدانة الخارجية، كما قال صراحة رئيس «الهيئات» عدنان القصار.

فاضل

عرّاب اللقاء رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة ABC النائب روبير فاضل نفى أن يكون الهدف تغيير القيادات السياسية أو الانتقال من حزب لآخر بل «مطالبة قياداتنا بتغيير أدائها وأولوياتها». برأيه، لبنان لا يعيش إذا العمّال وأصحاب العمل لم يعوا أنّهم في خانة واحدة وأنّ دولة الهدر والفساد تعيش على حسابهما، إذ توفر أعباء من حقوق العمّال والموظفين وتزيد الهدر من تعب أصحاب العمل».

عدنان القصار

رئيس «الهيئات الاقتصادية» الوزير السابق عدنان القصّار لفت إلى أنّ جميع اللبنانيين موحّدون في مواجهة خطر التدهور الاقتصادي وتراجع النشاط التجاري والسياحي، وارتفاع معدّل البطالة، في ظل استمرار ارتفاع معدّل الدين العام. وطالب بانتخاب رئيس للجمهورية بأقرب فرصة ممكنة وفتح مجلس النوّاب أمام العمل التشريعي، وخصوصاً أنّ لبنان خسر نتيجة غياب التشريع تمويلاً خارجيّا في غاية الأهميّة. وقال للسياسيين: «انظروا إلى مسؤولياتكم الوطنية لأن التاريخ سيحاسبكم».

فرانسوا باسيل

رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان فرنسوا باسيل رأى أن «المجتمع المنتج» بمكوّناته كافة يجب ألا يتغاضى عن المديونية العامة وانعكاساتها السلبية على تصنيف لبنان السيادي والإنفاق الاستثماري العام المحفِّز للنمو والمولِّد لفرص العمل، ووهَن الادارة العامة وغياب الشفافيَّة وقواعد الحكم الرشيد عن بعض مؤسَّساتنا العامة والخاصة، والتأخّر الزائد في مسار الإصلاح الاقتصادي، ولا سيّما في عمليات الخصخصة و/أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كحلّ واقعي ومنهجي. ودعا إلى معالجة ملحة لملفّ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسّسة كهرباء لبنان والاتصالات والطاقة والنفط وانضمام لبنان إلى منظمة التجارة الدولية، وإحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

محمد شقير


ابرز المفارقات ان «الاميرة»
مثلت «المجتمع المدني» وغسان غصن تحدّث باسم «العمال»

رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير ادعى بأنّ «الهيئات الاقتصادية» ستقود انتفاضة ضد تدهور الوضع الاجتماعي والمعيشي ومكافحة «البطالة التي بلغت 25%، وعند الشباب تجاوزت الـ35%، وانعدام فرص العمل والفقر والعوز وترنح الاقتصاد الوطني وإقفال المؤسسات وانعدام النمو وتفاقم عجز الموازنة.

نقولا شماس

رئيـس جمعيـة تجـار بيـروت نقولا شمـّـاس بدا مقتنعاً بأننا «تمكننا من اسـتحّداث حالـة عابـرة للاصطفافات، أكـانت سـياسية أو طائفيـة أو مذهبيـة أو اقتصـادية أو اجّتماعيـة». وتحدث عن ثلاث مراحل سيمر بها اللقاء، الأولى: مراجعة كل طرف لأقواله وأفعاله. والثانية: المصالحة مع الذات والانفتاح على الآخر. والثالثة: تصفية الحسـابات مـع الـذات ومـع الآخريـن ووضـع خريطـة طريـق للمرحلـة المقّبلـة.

فادي الجميّل

رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل أشار إلى أنّ انخفاض صادراتنا وتراجع أعمالنا فيهما ضياع للفرص وتبديد للقدرات، لافتاً إلى أنّ معالجة أكلاف تصدير القطاعات الزراعية والصناعية بعد إقفال معبر نصيب دليل على أن مشاكلنا ليست فقط من الخارج، بل أيضا نتيجة اختلاف أهل السياسة في الداخل على اتخاذ التدابير اللازمة. وناشد السياسيين ان يكونوا على مثال القطاع الخاص اللبناني والقوى المنتجة في لبنان، وأن يعلنوا خطّة طوارئ اقتصادية واجتماعية شاملة.

محمد صالح

رئيس غرفة التجارة والصناعة في صيدا محمد صالح أعلن تأييد اللقاء الذي «يتجاوز أي انقسام سياسي أو طائفي ويسعى لإنقاذ الوطن من المخاطر التي تحدق به على كل مختلف المستويات.

انطوان البستاني

نقيب الأطباء انطوان البستاني حمّل المسؤولية للمواطن اللبناني الذي يعمل، كما قال، للدويلة ومكتسباتها وامتيازاتها وحرمتها، «وهو يسير مباشرة نحو الانتحار الجماعي، أصمّ للنداءات التي تحذّره من كلّ حدب وصوب، فاقد البصيرة للأخطار القاتلة والمحتومة التي هي على قاب قوسين منه». وقال: «نريد رئيساً للجمهورية ورأساً لها اليوم قبل الغد، يجمّع الأوصال ويرمم المؤسسات، نختاره نحن ولا يفرض علينا هبوطاً في مظلة كما كاد العرف أن يقضي».

جورج جريج

نقيب المحامين جورج جريج رأى أنّ «المجتمع المنتج تسمية عابرة للحدود المصطنعة بين المواطنين وفئاتهم ومواقعهم ومراتبهم من هيئات اقتصادية ونقابية وعمالية ومجتمع مدني. برأيه، الفرق واضح بين المنتج والعاطل من العمل. نحن هنا جماعة انتاج، وهناك مجموعة استهلاك، نحن هنا مجتمع عمل، وهناك مجتمع مخملي اعتاد ملاعق الذهب. نحن هنا نتفق بالشراكة المتكافئة والمتوازنة ونضع خبراتنا وقدراتنا بتصرف الدولة، وهي قاصرة عن حماية الاقتصاد وإنهاض القطاع الخاص والأمن السياسي والأمن الاجتماعي.

خالد شهاب

نقيب المهندسين خالد شهاب رأى أن التراجع الحاد في حركة البناء (20%)، وتراجع القطاع الزراعي بسبب فقدان الأمن والأمان، يتناقضان مع قدرة الاقتصاد اللبناني، الذي يملك طاقات بشرية ومالية عالية تخوله القيام بنهضة اقتصادية كبيرة، ينتج منها تفعيل قطاعات الانتاج. ودعا إلى تشكيل لجان طوارئ نواتها أعضاء نقابات المهن الحرة والغرف الاقتصادية والتجارية والجمعيات الأهلية المتخصصة في المجتمع المدني، للبدء بالعمل على وضع دراسات واقتراحات لكل المعضلات.

ربيع حسونة

نقيب الصيادلة ربيع حسونة قال إننا «أصبحنا على وشك الانتحار بفضل التناحر السياسي والاوهام المتقابلة بيننا، وهذا الانتحار لا يفرّق بين طائفة وأخرى او حزب وتيار، كمن ينتظر موتاً رحيماً او معجزة تنشله من القهر اليومي، وانسداد الافق واحتضار أحلامه المشروعة بحياة تزخر بنخب تعي أن السياسة هي في خدمة الناس وبناء الاوطان وتحقيق العدالة.

غسان غصن

رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان غسان غصن انتبه وهو في حضرة كل هؤلاء الريعيين المحاضين بالانتاج « أنّ سياسة تغليب الاقتصاد الريعي على حساب قطاعات الإنتاج أدّت إلى ارتفاع معدّلات البطالة وضمور فرص العمل وتفاقم البطالة حتى فاقت نسبة العاطلين من العمل 25% مقابل منافسة اليد العاملة الرخيصة الأجر والأعداد الهائلة للنازحين السوريين». ورفض أن «يبقى مصيرنا رهينة المصالح الفئوية والأنانية الضيّقة لأهل السياسة».

حياة أرسلان

رئيسة طاولة حوار المجتمع المدني حياة أرسلان، بدت سعيدة باللقاء، فباركت «الهيئات الاقتصادية»، معلنة بحزم أنّ «مكونات الشعب اللبناني بكل أطيافه تؤسس منظومة المصلحة الوطنية التي أصبح لها طريقا نسلكها معا بالتنسيق والتشاور والتكامل».




"نداء 25 حزيران"

النص الحرفي لما سُمّي "نداء 25 حزيران" الصادر عن المشاركين في لقاء "بيال" أمس:

في منطقةٍ تقف على حافةِ المصائر التاريخية بين احتمالات التفكُّك والفوضى وتختبر شعوبها الحياةَ والموتَ في وقتٍ واحد يصمد لبنان على الخطّ الفاصل بين زمَنين واحد للأمل وآخر لخيبة الأمل.
فالاستقرار النسبي وعدم الخروج عن المبادئ الوطنية التأسيسية ووثيقة الوفاق الوطني يحييان الأمل بالحفاظ على الكيان والصيغة والنظام وسط عواصف الجوار فيما الشلل وتدمير المؤسسات الدستورية وإعاقة الانتاج وممارسة ترف الرقص السياسي فوق البركان عوامل تضاعف الخشيةَ والخيبةَ من القضاء على المستقبل.
ولأن على السياسة أن تكون معنيةً بالحفاظ على الوجود في الحاضر من أجل ضمان التطوّر والاستمرار في المستقبل،
ولأن الاقتصاد ليس إلاّ جوهر السياسة وعلى السياسة أن تكون في خدمة الاقتصاد ومصالح المواطنين في عيشهم وكرامتهم،
ولأن لا قيمةَ لسياسةٍ تقتصر على لعبة الصراع على السلطة ولا تدور حول الإنتاج وقوى الإنتاج، ولأن لا سلطة تقوم بمعزلٍ عن الناس وبالانفصال عن همومهم واهتماماتهم أو على أنقاض الدولة والنظام العام، ولأن الدولة استحالت شبحاً معطَّلاً ومعطِّلاً قرارها موزَّع بين الداخل والخارج ومؤسساتها معلّقة على العجز الداخلي وانتظار المعجزة الخارجية، ولأن الدولة هي الإطار الضامن للمجتمع الحرّ والمزدهِر والمتعدِّد وهي إطار العيش سويّاً،
ولأن المناعة الوحيدة أمام التحوّلات هي إرادة العيش تحت سقف الدولة الواحدة، ولأن العجز السياسي يؤدي إلى زيادة العجز المالي والعجز عن مكافحة البطالة والهجرة والعجز عن البقاء في العصر، وكي لا يفوتنا المؤجَّل في النمو والإعمار والقروض والقرارات، وكي لا يصبح لبنان مقرّاً للنازحين ومستقَرّاً للاجئين ومنطلقاً لتصدير الكفاءات وعموم اللبنانيين،
لهذا كلُّه، فإن قوى الإنتاج عمالاً وأصحاب عمل ونقابات مهن حرّة وهيئات المجتمع المدني التقت للتحذير من تحوّل الفراغ المؤقت إلى مأزق دائم يقضي على كلِّ أملٍ بالنهوضِ الاقتصادي والاجتماعي والوطني.
إنّ اللبنانيين مضطرّون إلى صنعِ حقيقةٍ جامعة يصوغونها بإرادتهم السياسية والوطنية، ولا تتحقق هذه الإرادة إلّا في إطار الدولة وعن طريقها، ولا تقوم الدولة ولا يستمرّ الوطن إلّا بالدستور والمؤسسات، وأوّلها رئاسة الجمهورية، رمز الوحدة والسيادة والكرامة.
إن المجتمع المنتج يدعو إلى الانتقال من الصراع حول الدولة والسلطة إلى التنافس في إطار الوطن والدولة وإلى تثبيت العيش المشترك وإلى تدعيم المصالحة بالمصلحة الاقتصادية والحياتية.
لذلك فإن هذه القوى مجتمعةً ترفض الرضوخ للأمر الواقع والاستسلام للتلاشي والموت البطيء،
ولأنها المؤتمنة على لقمة العيش وعلى مفاصل الاقتصاد والنموّ، فهي تعاهد الجميع على مقاومة سلوك النحر والانتحار والانتظار، وتدعو اللبنانيين إلى مؤازرتها في الضغط لإعادة إحياء المؤسسات وفي مُقدَّمِها رئاسة الجمهورية، وبالتالي دورة الحياة الطبيعية.
إن المراوَحة تعني التراجُع القاتل، فلنُكمِل مسيرة الحياة ثمّ نبدأ التحسين والتطوير والتقدّم.
فلنكتب تاريخَنا كي لا يكتبَنا التاريخ.