جنيف | «عندما أغمض عينيّ إلى الأبد لن يكون هناك أحد ليحدثكم عن جورج عبدالله». دعوة صريحة من الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية ايف بونيه للتحرك من أجل تحرير الأسير اللبناني القابع في سجون فرنسا منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، مؤكّداً استعداده للإدلاء بشهادته أمام محكمة العدل الاوروبية، وواصفاً سلوك الدولة الفرنسية في هذه القضية بأنه «سلوك رعاع».
الرجل الذي لعب أدواراً أمنية وسياسية عديدة في بلاده، يقدم «خدماته» من أجل العمل لحرية المناضل اللبناني، بعد أن كان شريكاً أساسياً في اعتقاله ومن ثم الحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التآمر لاغتيال الدبلوماسيَين الأميركي تشارلز روبرت راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمنتوف في باريس عام 1982، ومحاولة اغتيال القنصل العام الاميركي روبرت هوم في ستراسبورغ في 1984.
كلام بونيه جاء في ندوة نظمها مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب والحملة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، عقدت بالتزامن مع أعمال الدورة الـ29 لمجلس حقوق الإنسان.
واستعاد بونيه مرحلة التفاوض للتوصل الى صفقة تبادل كانت تقضي بإطلاق عبدالله عام ١٩٨٥، مقابل إطلاق الملحق الثقافي الفرنسي في طرابلس جيل سيدني بيرول. وقال: «ذهبت الى الجزائر وخضنا مفاوضات صعبة للغاية، وتعهّدت باسم الحكومة الفرنسية لرئيس الأمن العسكري الجزائري العقيد لكحل عياط بالإفراج عن عبدالله بعد الافراج عن بيرول، بعدما حصلت على تعهد سياسي بذلك من وزيري الداخلية والخارجية الفرنسيين. ولكن، للأسف، أخلّت فرنسا بتعهدها ولم تطلق سراح عبدالله. ولاحقاً أثقل ملفه القضائي بأدلة تدينه، ما أدى الى محاكمته وصدور حكم بسجنه مدى الحياة».
وأضاف: «عندما تقرر فرنسا أن تعقد صفقة سياسية فإنها تضع المسألة الجنائية جانباً. وهذا ما حصل في قضية إطلاق من أقدم على اغتيال رئيس وزراء إيران السابق شهبور بختيار في باريس»، لافتاً الى أن الضغوطات الايرانية على الحكومة الفرنسية كان لها وزن أكبر من الضغوطات اللبنانية.
وأكّد أنه سعى مع نقابة القضاة من أجل إقناعهم بالتحرك لإطلاق عبدالله، وقدّم شهادة أمام قاضي تطبيق الاحكام الفرنسية بالتعاون مع محامي جورج عبدالله الراحل جاك فرجيس. وشدّد على «انني منخرط وعازم على حل هذه القضية. ولا أزال متفاجئاً من ردّ فعل السلطات الفرنسية تجاه جورج عبدالله، خصوصاً بعدما أمضى ثلاثين عاماً في السجن. أنا على استعداد للتحدث مجدداً، وبصوت مرتفع، من أجل ضمان إطلاقه». واقترح بونيه رفع القضية الى محكمة العدل الاوروبية التي لا تتردّد أبداً في إدانة فرنسا، وستكون الأخيرة مجبرة على الأخذ برأي هذه المحكمة، «وأنا مستعد للذهاب الى هذه المحكمة وتقديم شهادتي في القضية والتأكيد أن باريس تعهدت بإطلاقه عام ١٩٨٥ قبل أن تخلّ به، وأنه في عام ٢٠١٥، وبعد مرور كل هذه السنوات، على الحكومة الفرنسية إطلاقه من دون تردد وبمعزل عن الضغوط الخارجية».

الحكومة الفرنسية
تستخدم سلوك الرعاع في
هذه القضية


بدوره محمد صفا، الأمين العام لمركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب، حثّ الحكومة اللبنانية على القيام بواجباتها تجاه هذه القضية. ودعا بونيه إلى زيارة لبنان وتقديم شهادته من أجل الضغط على الحكومتين اللبنانية والفرنسية لاتخاذ مبادرة عاجلة بإطلاق عبدالله. وذكّر بأن مركز الخيام الذي يمتلك الصفة الاستشارية في الامم المتحدة سبق أن تقدم بشكوى أمام فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي حول القضية، وهو في صدد تقديم شكوى ضد فرنسا أمام البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، كونها دولة طرفاً في العهد الدولي وقبلت اختصاص البروتوكول الاختياري في بحث الشكاوى الفردية.
تجدر الاشارة الى أن جورج عبدالله البالغ ٦٣ عاماً قدّم تسعة طلبات إفراج مشروط رفضت كلها، وآخرها في في ٢٧ شباط الماضي عندما نقضت محكمة الاستئناف في باريس قراراً سابقاً للمحكمة نفسها وافق على إطلاقه بداية عام ٢٠١٣، قبل أن يتم إلغاء مفاعيل هذا القرار بحكم صادر عن محكمة التمييز الجنائية في نيسان ٢٠١٣. ويشير ذلك الى أن النيابة العامة الفرنسية، بضغط واضح من الحكومة الفرنسية، سعت بكل الوسائل الى تعطيل كل القرارات القضائية التي حسمت مسألة إطلاقه وترحيله الى لبنان.