يلتقي، اليوم، وزيرا الخارجية، سيرغي لافروف ووليد المعلّم؛ جعبة الوزير الروسي مكتظة بنتائج الحوارات التي أجرتها موسكو مع أطراف دولية وإقليمية وسورية. هل هناك جديد يترجم ما أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين، عن استعداده للعمل مع الرئيس بشار الأسد على إنجاز اصلاحات سياسية؟القيادة السورية تعتمد استراتيجية الصمت المديد؛ لا مبادرات ولا إيضاحات، سوى التأكيد على الثوابت والمبادئ. هذا الأسلوب، في ممارسة السياسة، يعني احتفاظ دمشق بكامل أوراقها؛ فهل أزف الوقت، وهل سيعطي المعلّم، هذه المرة، شيئا للحليف الروسي؟ يبدو أننا بإزاء تصوّر جديد يتبلور لدى الروس، وسيكون محلّ تجاذب في المرحلة المقبلة.

ميدانيا، ألغت المعارك التي خاضها الجيش السوري في مطار الثعلة وحضر ودرعا والحسكة، المفاعيل السياسية للتراجعات في إدلب وجسر الشغور وتدمر؛ ميزان القوى العسكري لم يتبدل، كما أراد الأميركيون، ومحاولات الاختراق السياسي لجبل العرب، فشلت، بينما كانت المفاجأة في ما أظهرته عدة مجتمعات محلية من تحوّلات نحو خيار الدولة الوطنية؛ لقد بدا واضحا أنه حيث يدعم المجتمع المحلي، الجيش، فإن الأخير سيكون قادرا على ردّ الهجمات، مهما كانت عنيفة ومخططة، كما حدث في مواجهة ما سُمّي بـ «عاصفة الجنوب».
انكسار عاصفة الجنوب، عسكرياً، أدى إلى انكسار العاصفة الأهمّ، العاصفة السياسية التي توهّم فريق مقرر في النظام الأردني أنها ستوصله إلى دور سياسي في سوريا؛ الآن، تتعالى أصوات الفريق الآخر، المُطالب بالحياد والانكفاء، وسط مخاوف من ردة فعل سورية، أو تسلل إرهابيين يائسين إلى الجانب الأردني، أو حتى تزايد التهديد الداعشي. كلٌ من هذه المخاوف، يستوجب نشر قوات ومنظومات صاروخية على الحدود الأردنية ــــ السورية. فكرة الغزو ليست واقعية؛ إنْ لم يكن عسكرياً، فسياسياً.
التحشيدات موجودة، أيضاً، على الحدود التركية ـــــ السورية؛ بلغ الجنون برجب أردوغان أنه يريد استغلال الفرصة الأخيرة المتاحة له، قبل تبلور التركيبة السياسية التي أفرزتها الانتخابات، للقيام بغزوة؛ هنا، ولأوّل مرة منذ 2011، برز الجيش التركي كعامل سياسي، قراره هو : كلا؛ «فنحن لا نعرف ردود الفعل السورية والإيرانية والروسية... والأميركية».
يمكننا القول، الآن، إن الولايات المتحدة تعمل تحت ضغط نزاع سياسي بين البيت الأبيض وبين الجمهوريين والمحافظين الجدد، المتحالفين مع إسرائيل والسعودية وقطر؛ هذا الحلف المتداخل القوي يضغط في اتجاه إعادة تأهيل «جبهة النصرة»، لكي تلعب دورا سياسيا، وفي سياق خطة «تقسيم واقعي» لسوريا، بإنشاء مناطق مذهبية واتنية.
البيت الأبيض، في المقابل، يعمل في اتجاه مضاد؛
ــــ فاقتراح وزير الخارجية، جون كيري، لتجاوز العقبة الفرنسية (إقرأ: الجمهورية ــــ المحافظة الجديدة ــــ الإسرائيلية ــــ السعودية)، أمام توقيع الاتفاق النووي مع إيران، مُصمَّمٌ لكي ينال الموافقة الإيرانية؛ فإلغاء شرطيّ مقابلة العلماء وتفتيش المنشآت العسكرية، مقابل «الإعلان الشفّاف عن النشاطات النووية»، هو مجرد مخرج شكلي، ويستهدف الإنجاز؛ سنرى، إذاً، ما الذي سيعود به وزير الخارجية، جواد ظريف، اليوم، إلى فيينا.
ــــ وفي هذه الأجواء، ستجري مباحثات كيري ــــ لافروف، في فيينا، لبحث «ملفات أوكرانيا وسوريا واليمن والإرهاب»، فهل هو اجتماع لتبادل وجهات النظر، أم أن هناك اتجاها للتأسيس لتفاهمات؟
ــــ هذه الملفات مترابطة، ويتصل إثنان منها (سوريا واليمن) بالعلاقات مع إيران، وتتمحور، في النهاية، حول الإرهاب؛ يضغط الرئيس باراك أوباما، للتوصل إلى انجاز في الملف النووي الإيراني، ما ستكون له آثاره في الانفتاح على تسويات أخرى، بينما انتهت المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية، إلى اعتبار القاعدة (بما فيها النصرة) وداعش، خطراً أساسياً على الأمن القومي الأميركي. وهذا ما يجعل المواقف متقاطعة بين واشنطن وموسكو وطهران في الملف اليمني، (حيث تهديد القاعدة له الأولوية على الهواحس السعودية التي أبدى الروس، مع ذلك، استعدادا لمعالجتها في سياق تسوية معقولة) ويؤسس لتقاطع في المواقف حول سوريا؛ العقبة الكأداء، هنا، تتمثل في الإلحاح الأميركي على استبعاد الرئيس الأسد. وهو ما يشكّل خطا أحمر بالنسبة لروسيا وإيران.
ــــ العنصر الأخير الذي ألقى بظلاله على المشهد كله، هو يوم الجمعة الداعشي الدامي في الكويت وتونس وفرنسا؛ فالتهديد الإرهابي، الآن، ماثلٌ كتحدٍ عالمي ساخن، من شأنه إعادة ترتيب الأولويات في السياسة الدولية، أو الانحدار نحو موجة طويلة من البربرية.