في خضم النزاع الإداري والسياسي المحتدم بين وزراء التيار العوني، الذين تعاقبوا على وزارة الاتصالات، وبين المدير العام لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف، رفع الوزير نقولا الصحناوي شعار «افتح يا عبد المنعم» (الحنفية)، في إشارة إلى تحكّم هيئة أوجيرو بسعات الإنترنت وسرعته ومسؤوليتها عمّا يشكو منه الناس في هذا المجال.
الآن، وقبل ساعات من حفل إطلاق «رؤية الاتصالات الرقمية - لبنان 2020»، عند الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر اليوم في السرايا برعاية رئيس مجلس الوزراء تمام سلام. يقول يوسف في مقابلة مع «الأخبار» إن «صهريج» الإنترنت وليس فقط «حنفية» سيتدفق إلى بيوت اللبنانيين، ساخراً من الحملة التي شُنت عليه سابقاً، متسلحاً بالأحكام القضائية التي جاءت غالبيتها لمصلحته في عدد من الدعاوى التي رفعها عليه الوزراء السابقون، مؤكداً أن سرعة الإنترنت لم تكن ترتبط يوماً بحنفية تفتح، بل بمجموعة من الإجراءات، تبدأ بالكابل البحري ولا تنتهي بتقنية FTTX أو ما يعرف بشبكة الألياف البصرية الحديثة.
في المقابل، لا يزال الشاكون من عبد المنعم يوسف يؤكدون أن «كلفة الوقت الضائع» التي لا تعوض، يتحمل مسؤوليتها شخصياً، وأنّ هناك عشرات الوقائع التي تؤكد عرقلته لعدد من المشاريع التي أطلقها الوزراء السابقون في وزارة الاتصالات عرقلت تطوير قطاع الإنترنت.
بعد مرور قرابة عام ونصف عام على تولي الوزير بطرس حرب لحقيبة الاتصالات، يبدو موظف الفئة الأولى الأكثر إثارة للجدل، مرتاحاً تماماً لموقعه الوظيفي ولمسار عمله، الذي يجمع بين ثلاثة مراكز حيوية هي: المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، ورئيس هيئة أوجيرو، ومديرها العام.
أُعيد العمل بالعقود بين الوزارة وهيئة أوجيرو، وأغدقت عليه الأموال دون موازنة ولا قانون، وجرت تسوية المبالغ التي كانت عالقة بين الوزارة وهيئة أوجيرو في الفترة التي كان يجري فيها الدفع على أساس الفاتورة، والأهم أن المشاريع الجديدة التي تنوي الوزارة تنفيذها ضمن الاستراتيجية التي ستُعلَن اليوم، ستنفذها هيئة أوجيرو، بعدما لُزِّم في السنوات الماضية عدد من المشاريع، أبرزها مشروع إنشاء شبكة الألياف البصرية بين السنترالات إلى شركات خاصة، من خلال مناقصة عمومية، وعبر وزارة الاتصالات مباشرة، وتحديداً عبر المديرية العامّة للإنشاء والتجهيز المعنية بتنفيذ هذه المشاريع وفقاً لهيكلية الوزارة.
يقدم عبد المنعم يوسف عدداً من المؤشرات المتعلقة بقطاع الاتصالات، التي أُنجزت في عهد الوزير حرب. الخطوط التأجيرية الجديدة (E1) ارتفعت من ٥٨٠٠ خط في شباط ٢٠١٤ إلى ٣١ ألف خط في حزيران ٢٠١٥. أما اشتراكات الهاتف الثابت فارتفعت من ٨٤٥ ألف خط إلى قرابة مليون خط حالياً.

تشمل المرحلة الأولى
إنشاء شبكة الألياف الضوئية تصل مباشرة إلى المؤسسات


يرفض يوسف اتهامه بعرقلة تسلّم مشروع إنشاء شبكة الألياف البصرية الذي لزّمته وزارة الاتصالات في عام ٢٠١١ إلى شركتي ألكاتيل وCET (التمديد والتوصيل إلى السنترالات) وإلى إريكسون (تركيب أجهزة التحكم في السنترالات). يؤكد يوسف أن أعمال التسليم تجري بوتيرة سريعة بعد أن كشف التفتيش المركزي عن مخالفات في تمديد هذه الشبكة، وأن الوزارة لن تتسلّم أي سنترال قبل إصلاح المخالفات والتأكد أن الأعمال مطابقة للمواصفات.
وتنص خطة وزارة الاتصالات الجديدة على تطوير قدرات الشبكات المحلية النحاسية والحلقات الانتهائية للاتصالات لدى المشترك (Domestic installation) وقدرات تقنيات الـ (XDSL) المتوافرة على أنواعها (ADSL, ADSL2, ADSL2+, HDSL, SDSL) إلى أبعاد وسقوف أعلى بكثير مما هي عليه حالياً، وصولاً إلى إطلاق تقنيات الألياف الضوئية FTTX المتوافرة أيضاً على أنواعها (FTTH, FTTB, FTTC, FTTO, FTTN).
يقضي هذا المشروع بتركيب شبكة من الألياف البصرية إلى جانب الشبكة النحاسية، وهو أمر لن يستدعي أي أعمال حفر في البنية التحتية، بل سيكون عبارة عن أعمال تركيب للشبكة ضمن البنية التحتية الموجودة حالياً وتتسع لإضافة الشبكة الجديدة التي تمتاز بقدرتها على إيصال الإنترنت بسرعة قياسية بسبب طبيعة الألياف التي لا تواجه أي مقاومة وتمتاز بسرعات فائقة.
تقسم الخطة الجديدة لوزارة الاتصالات إلى عدة مراحل: الأولى تقوم على الدمج بين استخدام الشبكات النحاسية القائمة حالياً وشبكات الألياف الضوئية التي سيجري العمل على بنائها على مراحل. وفي هذه المرحلة يُستكمَل نشر خدمات الـ DSL في المراكز الباقية التي لا يوجد فيها خدمات إنترنت، وذلك على الشبكة النحاسية الموجودة حالياً (نحو 100 مركز في عكار والجنوب والبقاع والضنية). ونشر خدمات VDSL (الإنترنت الفائق السرعة) في المراكز التي تتوافر فيها حالياً خدمات الـ DSL لتلبية خدمات المشتركين، ولا سيما الشركات والمؤسسات التي يمكنها الاستفادة بحسب الشروط الفنية المعتمدة لذلك على الشبكة النحاسية القائمة. وتقضي هذه المرحلة أيضاً بإنشاء شبكة الألياف الضوئية التي تصل مباشرة إلى المؤسسات Fiber optic to the office وتشمل المكاتب والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والمالية والتربوية والجامعية والصحية والسياحية والصناعية، بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن هذه المرحلة ستمتد لمدة ١٨ شهراً بكلفة ١٤ مليون دولار أميركي. ولكن ماذا عن النقاط القائمة والمنشأة ضمن مشروع عام ٢٠١٠، التي تشمل نحو ٥٠٠ نقطة ذات الاستخدام الكثيف، مثل شركات الخلوي والمؤسسات الإعلامية والمصرفية والتربوية والتجارية والاستشفائية وإدارات الدولة؟ يقول يوسف إن هذه النقاط لا تشمل إلا جزءاً يسيراً من المؤسسات المطلوب أن تصل إليها تقنية الألياف الضوئية كمرحلة أولى تشمل قرابة ١٥ ألف نقطة، علماً بأنه سيجري الدمج بين هذه النقاط والمشروع الجديد بعدما يتسلمها من المتعهد. كذلك تشمل المرحلة الأولى إنشاء شبكة الألياف الضوئية في البلدات التي تعاني من ضعف أو انعدام خدمات نقل المعلومات والإنترنت، بسبب بعدها عن المراكز الهاتفية التي تغذيها، وذلك عبر تقنية Fiber to the Cabinet وتشمل هذه المرحلة ٨٠ ألف مشترك والمدة المقدرة هي ٢٤ شهراً بكلفة تبلغ ٢٠ مليون دولار أميركي، على أن تستكمل هذه الشبكة عبر تقنية Fiber to the Cabinet في المرحلة الثانية لتشمل ٢٩ ألف مشترك بكلفة ٧.٥ ملايين دولار والمدة المقدرة للتنفيذ ٢٤ شهراً، أما في المرحلة الثالثة فتصل إلى ٧٠ ألف مشترك بكلفة ١٥ مليون دولار، والمدة المقدرة للتنفيذ هي ٣ سنوات.
أما تقنية Fiber optic to the home، فتقول الوزارة إنها ستصل إلى ٥٠% من كامل أعداد المشتركين، ولا سيما في المدن، ضمن المرحلة الثانية بكلفة تقدر بـ ٢٨٥ مليون دولار أميركي، والمدة المقدرة للتنفيذ هي ٣ سنوات، على أن تصل إلى باقي المناطق في المرحلة الثالثة بكلفة تقدر بـ ٣٠٠ مليون دولار أميركي، والمدة المقدرة للتنفيذ ٣ سنوات. ويؤكد يوسف أنه في غضون عام ٢٠٢٠ ستكون هذه الشبكة متوافرة في غالبية المناطق اللبنانية، مع تأكيده أن هناك العديد من الإجراءات التي يجب اتخاذها من قبل الوزارة بالتعاون مع نقابة المهندسين ومؤسسة ليبنور للاتفاق على مواصفات فنية إلزامية، وصولاً إلى وجوب توقيع مهندس اتصالات على رخص البناء الجديدة كشرط إلزامي للموافقة على البناء، لأن عملية التمديدات الداخلية داخل المباني يجب أن تكون وفق معايير موحدة. ولا يخفي يوسف رغبة أوجيرو في توحيد هذه المسألة بطريقة تسمح باعتبار الوحدة الطرفية ONT داخل المنزل ملكاً عاماً ممنوعاً التصرف به، تماماً كما هي حال الوضع القانوني لعلبة الهاتف في قسم الملكية المشتركة في المباني، لأن هذا سيضمن جودة الخدمة وعدم التلاعب بها. وفي هذا السياق، أعلن نقيب المهندسين خالد شهاب، بعد لقائه الوزير حرب أمس، أنه رشح أمين سر مجلس نقابة مهندسي بيروت مصطفى فواز، للتنسيق مع الوزارة لإعداد المسودات المفترض أن يتضمنها كل ملف يتعلق «بتركيب وتوصيل مسالك داخلية في الأبنية مخصصة للهاتف ومواصلات الإنترنت».
تشير المعلومات إلى أن كلفة هذا المشروع ستصل إلى قرابة ٧٥٠ مليون دولار على امتداد ست سنوات، وعلمت «الأخبار» أن الكلفة المقدرة للمشروع في عهد الوزير نقولا صحناوي لم تتجاوز ٣٠٠ مليون دولار تنفذ على امتداد ثلاث سنوات فقط، وهذا ما يطرح علامات استفهام كثيرة. في المقابل، يقول يوسف إن الأساس الأسلم لاحتساب الكلفة هي النقطة الانتهائية وليس المجموع، حيث تقدر الكلفة بين ٥٠٠ إلى ألف دولار أميركي لكل نقطة، وذلك بحسب العوامل الجغرافية والكثافة السكانية.
لكن ماذا عن مصادر تمويل المشروع؟ الأرجح أن المصدرين الأساسيين هما عائدات الخلوي وموازنة وزارة الاتصالات. وإذا لم يكفيا، يستعان «بالقطاع الخاص المدعو للاستثمار في القطاع إذا رغب ووجد جدوى». فيما لم تتضح علاقة القطاع الخاص بتمديد وتملك الشبكات العمومية، ولا سيما في ظل فشل مشروع إنشاء شركة ليبان تليكوم الذي تحوّل إلى هدف للراغبين في اقتناص ريوع الاتصالات.