لم يكن أحد في بلدة شقرا الجنوبية يتخيّل أنّ انزعاج حسين ديب من أصوات الشاحنات والجرافات التي تمر من أمام منزله، قد يصل به الى حد ارتكاب جريمة مروّعة. فعند الساعة الرابعة فجر الأمس، صعد الشاب ويزاني ويزاني الى شاحنته ليتوجه الى عمله، فما كان من حسين ديب الّا أن أحضر رشاشاً وأطلق النار على الشاحنة ما ادى الى جرح السائق. وحين خرج شقيق ويزاني، مختار، إبن الـ 20 عاما، لتفقّد ما يحصل، أطلق عليه حسين ديب الرصاص. هكذا ببساطة!
على الفور، نُقل مختار الى مستشفى تبنين الحكومي، أمّا والد الشابين فقد طلب من عائلته جرف منزل القاتل وإحراقه فتوجهت مجموعة من الشباب وطلبوا من عائلة الجاني الخروج من المنزل ودمروا قسماً منه وأحرقوه قبل أن تحضر القوى الأمنية وتوقفهم. بعد لحظات، أتى خبر من المستشفى أنّ مختار مات ما مثّل صدمة للوالد السبعيني الذي أصابته سكتة قلبية أدّت الى وفاته.
يسيطر التوتر على بلدة شقرا والقرى المجاورة لها بعد هذه الجريمة التي أودت بحياة أب وابنه. حسين ديب وآل ويزاني جيران تفصل بينهما طريق داخلية، ويملك آل ويزاني عدد من الشاحنات والجرافات. وقد كان الجار حسين ديب يبدي دائماً إنزعاجه من مرور الشاحنات أمام منزله فجراً وحصلت سابقاً خلافات وشكاوى عديدة، إلا ان الأمر لم يكن يبلغ هذا الحد من العنف المجاني.

طلب والد الشابين
من عائلته جرف
منزل القاتل

سيُشيّع الضحيتان اليوم في بلدة شقرا، فيما أعلن آل ديب أنهم مفجوعون بدورهم، وأنّ الموضوع أصبح في عهدة القضاء بعدما ألقت القوى الأمنية القبض على الجاني، ولكن هل من يضمن ان لا تتكرر الفاجعة في زمان ومكان آخرين؟
مات الابن وأبيه، ومات مستقبل الجاني الذي آذى أطفاله وعائلته أيضاً. لم يجفّ بعد دم الأم سارة الأمين، القريبة وابنة القرية المجاورة، التي قتلها زوجها أيضاً من رشّاش حربي شبيه برشاش قاتل ويزاني، وببساطة أيضاً. كذلك قٌتل بشر آخرون في اماكن عدّة في هذه البلاد، حتى بات مشهد القتل يتكرر ويتخذ له كل مرّة محطة تذكّر الذين على قيد الحياة بالفاجعة الاكبر: تغييب الدولة.
قتل مختار، ويجب ألا تمر وفاته هكذا، ليس للانتقام من الجاني، بل العكس « للانتقام من فساد المجتمع والقيمين عليه». هكذا هو نبض الأهالي اليوم، الذين أبكتهم الفاجعة، كلّهم يقولون « كفى فساداً واستهتاراً»، كلهم يطالبون «بوقف سكوت الدولة وخنوعها، وهروب القضاء والقوى الأمنية من مسؤولياتهما». منطق القوة بالسلاح، لم تعرفه المنطقة، منذ عشرين سنة على الأٌقل، الاّ في مواجهة العدوّ الاسرائيلي.
«وجود سلاح، غير سلاح المقاومة، في كل منزل، هو السبب»، يقول أحد أبناء القرية، محملاً المسؤولية للدولة والقوى الأمنية، التي «لم تبذل أي جهد لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة»، لافتاً الى أن «السلاح كان بين أيدي العديد من أبناء كل قرية أو بلدة، لكنه كان في اطار منظّم ومدروس، ولا يمكن لأحد معرفة مكان وجوده، لأن استعماله انحصر ضمن حدود العمل المقاوم فقط. يجب منع أي سلاح خارج اطار المقاومة المنظمة».
بات لافتاً ان العشرات من الشباب باتوا يستسهلون نشر صورهم وهم يحملون الأسلحة الرشاشة على مواقع التواصل الاجتماعي، موضة لم تكن موجودة أصلاً، كان حمل السلاح جهاراً، أثناء الاحتلال وبعده، عملاً غير مقبول، «هم ليسوا من رجال المقاومة الممنوعين من حمل السلاح أمام أعين الناس»، هم، بحسب مصدر رسمي، يقولون «لا وجود للدولة، ونحن نفعل ما نشاء، والقوى الأمنية لم تستدع يوماً أحداً من هؤلاء، وتسأله عن سبب حمله للسلاح، كما لم تفعل شيئاً لمنع مخالفات البناء والسير وسحب الدراجات النارية المزعجة ليلا ونهاراً عن الطرقات».
يقول أحد أبناء البلدة إن «حمل السلاح بات موضة عند البعض في ظل غياب الدولة وامتناعها عن تحمل مسؤولياتها»، لافتاً الى أن «سلاح المقاومة معروف، وكل سلاح خارج هذا العنوان يجب سحبه ومعاقبة حامله». مذكراً بوفاة طالب مراهق من بلدة مجاورة، أثناء قيامه مع رفيقه باللّعب بمسدّس حربي، ووفاة شاب آخر في المنطقة في ظروف مشابهة، خلال الأشهر الفائته، اضافة الى مقتل مواطن بسلاح القوى الأمنية لأسباب أمنية. كل هذه الحوادث باتت تحصل في المنطقة. ويشير مواطن قريب من الضحية الى أن «أخطر ما في الأمر هو أن الجرائم المتكررة والحاصلة تؤسس لأمر أشدّ خطورة، لأن الأهالي باتوا يتقبلون العنف على نحو سريع، وهذا يبرز من خلال استسهال الأهالي للجرائم الأخيرة، ويتعاطون معها على أنها أمر غير استثنائي، بخلاف ما حصل عند أول جريمة قتل حصلت في المنطقة منذ أكثر من خمس سنوات، وقتها ذهل أبناء المنطقة جميعاً وارتفعت الأصوات المعبرة عن الرفض الكامل للعنف والقتل». وينذر أن «موجة الفساد المستشرية في المنطقة، التي تؤدي سنوياً الى انتهاك حقوق العشرات من الأهالي، ولا سيما ما يتعلق بسرقة الأراضي والممتلكات والانتهاكات التربوية الخطيرة، دون أي رادع أو عقاب قانوني، ستؤسس لجرائم مماثلة في ظل غياب الدولة والقانون».