يقرّ مواكبون لتيار المستقبل، وبعض العاملين في صفوفه، أن جناحين يتنازعان هذا التيار في شأن التعامل مع حزب الله: الأول معادٍ ومعارض لأي نوع من التواصل، والثاني يصرّ على تنظيم الخلاف مع الحزب رغم إدراكه الثمن الذي يدفعه من رصيده السياسي والشعبي. لكن المشترك بينهما هو استخدامهما «استراتيجية خاطئة» في مهاجمة خصمهما ورفع سقف الخطاب من باب التنفيس، والإيحاء بأن زعامة الرئيس سعد الحريري محفورة في وجدان شارعه، وأن الأخير قادر بإشارة منه على تحريك الجمهور كيفما أراد. هذه الاستراتيجية الخاطئة وصلت إلى اقتناع لا يحتمل التشكيك: لا شارع يحكمه تيار المستقبل!
الاشتباك فجر أمس في منطقة السعديات بين عناصر من سرايا المقاومة ومسلحين محسوبين على تيار المستقبل، مؤشر واضح على تراجع فعالية المستقبل في شارعه، و«نتيجة حتمية لهذه الاستراتيجية الخاطئة التي وضعت هذا الشارع، نتيجة الأحداث الإقليمية، في حال صدام مع الطرف الآخر». وتعترف أوساط مستقبلية بأن «هناك فورة غير طبيعية يعيشها هذا الشارع، ظهرت بوضوح بعد تسريب فيديو رومية، إذ لم يشهد شارعنا هذا النوع من ردود الفعل، لا بعد أحداث رومية الأولى التي قُتل وجرح فيها سجناء، ولا حتى بعد تفجيرات مسجدي طرابلس».
اشتباك السعديات الذي حاول المستقبل وحزب الله لملمته لا يعني أن «ذيول الحادث انتهت هنا». تخشى أوساط في التيار من أن تكون «واقعة السعديات مقدمة لأحداث مماثلة لن يمر وقت طويل قبل أن تقع». وتقرّ بأن «الأمور باتت خارج السيطرة، إلا في حال خلط الأوراق واعتماد استراتيجية مستقبلية جديدة وموحّدة. وتبدو الحاجة ملحّة لوضع هذا الأمر على قائمة أولويات التيار اليوم».
وبحسب الأوساط نفسها، فإن أي استراتيجية لمساعدة تيار المستقبل على استعادة بعض ما خسره في الشارع يجب أن تعتمد خيارات ثلاثة أو واحداً منها على الأقل: إعادة ضخّ المال السياسي، عودة الرئيس سعد الحريري إلى البلد، وصياغة «تحالف اعتدال» جديد مع مختلف القوى الفاعلة باستثناء حزب الله. وتؤكد أن هذا الجو يلقى إلى حدّ ما قبولاً «في دائرة القرار المحيطة بالرئيس الحريري» على أساس أن «استمالة المستقبل الرئيس نبيه برّي والعماد ميشال عون والنائب وليد جنبلاط في مواجهة الحزب، سيخلق جوّاً يشعر الشارع السنّي بنوع من الحماية».
ونظراً إلى الوضع المالي للحريري هذه الأيام يسقط الخيار الأول، ويسقط معه خيار عودة الحريري الذي يرفض الإقامة الدائمة في لبنان في ظل ضائقة مالية. لذا لا يبقى إلا خيار التحالف الجديد الذي لا يخلو أيضاً من صعوبات. «جنبلاط سيرفض مثل هذا التحالف لأنه لا يريد مواجهة حزب الله، وهو يكتفي بالحرية بدعم الثورة السورية بما فيها الجانب الديني لحماية الأقليات، وبالهامش الذي يسمح له بالتنسيق مع دول كبيرة كالأردن وتركيا». أما التحالف مع عون، والذي يكاد يكون «الأهم»، فهو «بحاجة إلى ثمن». غالبية الفاعلين في تيار المستقبل «توقّر الرجل وتكنّ له المودة، باستثناء الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان أول من فتح المعركة ضده من دون مباركة من الحريري». والثمن الذي تتحدث عنه الأوساط «مقبول إذا ما اقتصر على تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش». ومع أن «الحريري نفسه والجناح القريب منه مقتنعان بأن على التيار دفع هذا الثمن»، إلا أن العثرة الأساس تكمن في عدم قدرة رئيس تيار المستقبل على التحرر من الضغط السعودي الرافض منح عون أي مقابل سياسي. تختصر الأوساط الوضع كالآتي: «نحتاج عون الآن أكثر من أي وقت مضى. ولكن عليه أن يعي أننا غير قادرين على إعطائه ما يريده»!
بحسبة بسيطة، يتبيّن لدى المستقبليين أن هذه الخيارات غير «متاحة». إلا أن «السعي الى تحقيق الخيار المتعلق بتحالف الاعتدال واجب لا بدّ منه» بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت اليه داخل التيار وفي قلب شارعه. فـ«إمكاناتنا محدودة، وخطاباتنا عن الاعتدال والدولة لم تعد تنفع. نحن في مكان وجماعتنا في مكان آخر. وإذا لم نتدارك الوضع فإن الآتي أعظم».