سيناء | «إنها الحرب... والله إنها حرب»، صرخات بدأ السيناويون بها يومهم أمس؛ فما كانت الساعة تقترب من الثامنة صباحاً حتى أطلقت «ولاية سيناء» الموالية لتنظيم «داعش» هجماتها المتزامنة على نحو 16 حاجزاً عسكرياً بقذائف الهاون و«الآر بي جي» والأسلحة الرشاشة، في معركة حربية متكاملة، حققت خلالها «ولاية سيناء» أهدافاً كبيرة، برغم خسارة بشرية في الأرواح، بعدما تدخلت الطائرات المقاتلة من طراز «إف 16»، إضافة إلى الطائرات المروحية، التي قدمت مع تعزيزات كبيرة للجيش.
مشهد يمكن وصفه على الشكل الآتي: عناصر «ولاية سيناء» شكلوا طوقاً قتالياً يشبه نصف الدائرة، ثم بادروا بهجمات متزامنة على الحواجز العسكرية بالقذائف أولاً، ثم بإطلاق النيران من الأسلحة المتوسطة والثقيلة، ما أسهم في وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف القوات التي كانت تتمركز فوق الدبابات خلال يوم رمضاني شديد الحرارة وهم منهكو الأجساد. وجاءت الهجمات على الحواجز، وفق شهود عيان، بالتزامن مع صعود العشرات من «الدواعش» على البنايات المرتفعة القريبة من قسم شرطة الشيخ زويد، شمال سيناء، حيث أصبح المسلحون أكثر علواً من الأمن، وأمطروا قسم الشرطة بالقذائف والطلقات النارية من عيار 250 و500 ملم.
مقترح أميركي على القاهرة لسحب القوات الدولية من شمال سيناء
كذلك عملوا في تكتيك جديد على زرع عبوات ناسفة حول تلك البنايات لتنفجر بالقوات في حال محاولتها الصعود إلى أسطح البيانات. وعمدوا أيضاً إلى وضع عبوات وتشريكات خلال انسحابهم حتى يمنعوا الجيش من ملاحقتهم، وأيضاً على الكمائن الأخرى مساندة بعضها بعضاً.
وبرغم رواية الجيش عن مشاركة نحو 70 عنصراً من «ولاية سيناء»، فإن حديث شهود عيان من سكان جنوب ووسط الشيخ زويد أكدت أن نحو 130 من عناصر «الولاية» على الأقل نفذوا الهجمات على الحواجز، وهم مختلفون من حيث البنية الجسدية الضخمة واللهجات المختلطة ما بين الشامية والليبية والسعودية.
ووفق المصادر الأمنية، هاجم عناصر تنظيم ولاية سيناء 16 كميناً ونقطة ارتكاز أمنية في المدن الحدودية: الشيخ زويد ورفح، من بينها كمائن: المساورة، وسادوت، ووالي لافي، والوفاق، وأبو طويلة، والضرائب، وقسم شرطة الشيخ زويد، والخروبة، وقبر عمير، والإسعاف، والبوابة، والشلاق، إذ استمرت الاشتباكات فيها إلى ما لا يقل عن أربع ساعات متواصلة.
ووفق مصادر الأمنية وأخرى طبية، أودت الهجمات بحياة نحو 64 من ضباط وجنود الجيش والشرطة وأصابت نحو 35 آخرين خلال الهجمات المتلاحقة، التي كان أخطرها ثلاث عمليات انتحارية طاولت نادي ضباط الشرطة في العريش، وحاجزي السدرة وأبو رفاعي في الشيخ زويد، بواسطة ثلاث سيارات مفخخة، اخترقت الحرم الأمني لتلك الكمائن، وتم تفجيرها بعناصر انتحارية موجودة، ما أدى إلى سقوط الأعداد الأكبر من القتلى والمصابين.
في المقابل، قال المتحدث العسكري، العميد محمد سمير، إن «عدداً من العناصر الإرهابية تقدر بنحو 70 هاجمت خمسة كمائن في قطاع تأمين شمال سيناء بالتزامن»، موضحاً أن القوات تعاملت معها «بكافة وسائل النيران ما أدى إلى مقتل 22 عنصراً وتدمير ثلاث عربات محملة بالمدافع عيار (14.5) ملم المضادة للطائرات»، ثم أضاف المتحدث أنه تم استهداف منطقة تجمع لـ«العناصر الإرهابية وتدميرها بالكامل، ما أدى إلى مقتل 17 إرهابياً آخرين»، لتتحدث بيانات أخرى في المساء عن مقتل نحو مئة مهاجم، ولكن ما من تأكيد.
وما زاد من حصيلة شهداء الجيش أن سيارات الإسعاف في شمال سيناء بدأت عمليات إخلاء الجرحى بتأخير قرابته ست ساعات، وذلك بعد تأمين الطرق من الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها «ولاية سيناء» لتعطيل مرور الإسعاف أو وحدات الدعم القادمة لحماية الكمائن.
ورصد أن الجيش استخدم نحو 3 طائرات مقاتلة حلقت في سماء مدن الشيخ زويد والعريش، ولكن المسلحين استطاعوا تفجير عدد من الآليات العسكرية قدرت بنحو ستة مدرعات، كذلك أفيد بأنهم اختطفوا أربع مدرعات قبل تفجيرها بالقرب من قرية المهدية جنوب رفح. ولكن «ولاية سيناء» لم تذكر أي معلومات عن اختطاف أفراد من القوات المسلحة أو الشرطة، ولكنها أشارت إلى تدمير بعض الكمائن والمواقع والاستيلاء على أسلحة وذخائر فقط.
ومنذ انتهاء العمليات المتزامنة، تقود قوات الجيش عمليات ميدانية مكثفة عبر عناصر حرس الحدود ورجال الجيش الثاني الميداني ووحدات التدخل السريع التابعة للمنطقة المركزية العسكرية، التي بدأت خطة انتشار مكثفة شملت مناطق متفرقة من شمال سيناء، خاصة المدن الواقعة فى نطاق الشريط الساحلي داخل العريش والشيخ زويد ورفح. ووفق مصدر أمني تحدث إلى «الأخبار»، فإن تقديرهم أن «الجماعات الإرهابية المسلحة استغلت تخفيف الخدمات الأمنية في الساعات المبكرة، ونفذت عملية منظمة اعتمدت فيها على الأسلحة الثقيلة وقذائف الهاون، والمجموعات المدربة على حمل السلاح والتعامل مع المواد المتفجرة، وزرع العبوات الناسفة وتجهيز السيارات المفخخة وتفجيرها عن بعد».
ولكن المصدر أشار إلى أنه تم الدفع بتعزيزات أمنية إضافية إلى الشيخ زويد ورفح للسيطرة على «الوضع الملتهب» هناك، فيما أكد شهود عيان من أهالي المدينتين أن كل السكان الذين يقدر عددهم بنحو 60 ألف نسمة من أهالي المدينة باتوا محاصرين داخل منازلهم ولا يخرجون منها.
وحالياً، تواصل قوات الأمن إغلاق طريق العريش الشيخ زويد، وإغلاق مدينة رفح المصرية، مع انتشار القوات في مختلف تلك المناطق، بعدما خلت تماماً من المارة وتوقفت حركة السير في الشوارع كافة، فضلاً عن وجود انتشار مكثف للقوات على طول الشريط الحدودي بجانب الدفع بتعزيزات أمنية إلى المنطقة الحدودية ومحيط معبر رفح، مع غزة.
في سياق متصل، قالت مصادر في القاهرة لـ«الأخبار» إن اقتراحاً أميركياً طُرح على المصريين بشأن سحب القوات المتعددة الجنسيات لحفظ السلام في سيناء (أحد مقررات اتفاق كامب ديفيد). وذكرت المصادر أن المقترح عُرض في نطاق دوائر ضيقة من أجل معرفة رد فعل الجانب المصري، خاصة أن هذه القوات لم يعد لوجودها معنى في ظل استقرار العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. وأضافت أن «جزءاً من الرغبة الأميركية في الاستغناء عن القوات الدولية مرتبط أيضاً بالمخاوف التي تحيط بها خاصة في شمال سيناء».