القاهرة | التلفزيون الرسمي غائب، والقنوات الخاصة بعيدة، والصحف ومواقع الأخبار تنشر أرقاماً غير دقيقة. هكذا مرّت ساعات الهجوم العصيب على الجيش المصري في سيناء (الجزء الشرقي من مصر) وانتهت بانتقادات عنيفة للصحف والصحافيين. من المسؤول عن ضعف التغطية للهجمات الأعنف على الإطلاق ضدّ الجيش المصري في سيناء؟ سؤال ربما لم يسعى أحد إلى البحث عن إجابة متكاملة له بعد هدوء الوضع وإصدار الجيش بياناً رسمياً أكّد أن «عدد الشهداء لا يزيد على 17 من بينهم 4 ضباط».
بيان القوات المسلحة انطلق في الثامنة من مساء أمس (بتوقيت بيروت)، أيّ بعد 12 ساعة تقريباً على بدء العمليات. قبل ذلك، كانت هناك بيانات متقطّعة لا تحوي تفاصيل كثيرة، وسط إصرار كاتبها على أن عدد الشهداء والجرحي الإجمالي «عشرة».
في المقابل، خرجت قنوات عربية ومواقع مصرية تنشر أعداداً متباينة للشهداء، راوحت بين 15 وصولاً إلى الحدّ الأقصى وهو 70 شهيداً. وللمرّة الأولى تنقل الصحف بتوسّع بيانات جماعة «ولاية سيناء» الإرهابية التابعة لتنظيم «داعش»، في ظلّ عدم وجود أيّ بيانات دورية عن القوات المسلحة أو أيّ جهة رسمية أخرى.
في الوقت نفسه، امتنعت صفاء حجازي رئيسة قطاع الأخبار في مبنى «اتحاد الإذاعة والتلفزيون» عن تغطية ما يجري في سيناء، وبرّرت الأمر بأنّها لا يمكن أن تغطّي من تلقاء نفسها، إلا بعد أوامر من الجيش. فيما واصلت القنوات المصرية الخاصة برامجها العادية، وغطّت القنوات الإخبارية الخاصة الحدث على نطاق محدود في البداية. وبعد 6 ساعات على الأقلّ من اشتعال المواجهات في مدينة الشيخ زويد (شمال سيناء) بين الجيش المصري والإرهابيين، بدأت الشاشات في التحرّك لكن من دون معلومات حقيقية، ولم يكن أمامها سوى استضافة الخبراء العسكريين الذين يكرّرون الكلام نفسه في كل مرة.
كالعادة، استغلّت القنوات المنحازة لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي الأمر في الهجوم على الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما حصل مع «الجزيرة» وغيرها. وبالطبع، عدد شهداء الجيش المصري كان الأكبر على تلك الشاشات ووصل إلى 100 شهيد، بهدف ضرب الروح المعنوية للمصريين. كل ما سبق أنتج مشهداً عبثياً متكاملاً؛ فالقنوات لم تُعلن الحداد عكس ما فعلت عند اغتيال النائب العام هشام بركات قبل يومين، والبرامج استمرّت كما هي. صحف الخميس ذهبت إلى المطبعة قبل صدور البيان الأخير للقنوات المسلحة، فاستمر التضارب في عدد الشهداء، وبقي السؤال الخاص بسوء التغطية الذي يتكرّر كل مرة: هل السبب ضعف إمكانات الإعلام المصري وعدم وجود رغبة حقيقية لتطويرها؟ أم أنّ هناك من لا يريد للكاميرات أن توجد في موقع الأحداث؟ واقع الأمر أن الإجابة هي الخياران معاً.