لا تنتهي صور الشهداء في صريفا. أعمدة الإنارة وحيطان الدعم وشرفات المنازل فتحت أذرعها لرفع صورة أو راية. ليس الشهداء من مجزرة عدوان تموز أو ما قبله، بل ممن سقطوا في معارك حزب الله في سوريا. ليس سراً أن العشرات من شبان البلدة (قضاء صور) يتوقون للمشاركة في معركة الذود عن الحدود اللبنانية. منهم من استشهد، ومنهم من ينتظر تماثله للشفاء للعودة إلى الساحات، ومنهم من ينتظر. الصور والرايات توحد مداخل صريفا.
كأن دماء الشهداء بوابة الدخول إليها. لكن فيض البذل طاف فيها إلى المقيمين. عند مدخل صريفا الشرقي، ارتفعت رايات حزب الله وحزب العمال الكردستاني. علقت الرايات على شجرات ضخمة إلى جانب الطريق، تظلل منزلاً ترتفع في باحته المزيد من الرايات والصور وتصدح «ندبيات» من نوع آخر. هنا، تحت شجرة التوت، تقام مراسم تقبل التهاني بالشهيد السوري الكردي عزت عبدو (24 عاماً) الذي استشهد في كوباني في 18 حزيران الفائت. عائلته المقيمة في صريفا منذ أربع سنوات تبلغت الخبر منذ أربعة أيام. وبرغم أنهم لم يروه منذ أربع سنوات، إلا أن والدته لم تنس وصيته: «زغردي يا أمي عندما يصلك خبر استشهادي». عزت التحق بحزب العمال الكردستاني منذ اندلاع الأزمة السورية وتنقل مع مقاتليه من مسقط رأسه عفرين (نواحي حلب) إلى عين العرب. منذ ذلك الحين، انقطعت أخباره إلى ما قبل شهرين من استشهاده، عندما شاهده والده ضمن فيديو كليب لنشيد ثوري كردي، يخضع لتدريب عسكري. يقول والده «أبو جميل» إن قيادة الحزب في سوريا بلغت فرعها في بيروت عن استشهاد عزت. لأيام، كان مناصرو الحزب يبحثون عنه ليعلموه بالنبأ.

ارتفعت رايات حزب
الله إلى جانب «الكردستاني» وصدحت «ندبيات» من نوع آخر


على أغصان شجرة التوت المعمرة، أسدل علم حزب العمال الكردستاني وعلقت صورة عزت إلى جانبها صورة رئيس الحزب عبد الله أوجلان وخلفهما صورة لمقاتلة كردية نفذت عملية استشهادية ضد «داعش» و»النصرة» لكي لا تُعتقَل حية. تتحلق العائلة والأقارب حول الصور. عمال ونازحون أكراد يقيمون في الجنوب، تنادوا أمس إلى منزل آل عبدو لإحياء ذكرى استشهاده. حفل تأبين الشهيد سرى على وقع أناشيد ثورية كردية. يلتزم الحاضرون التحادث في ما بينهم باللغة الكردية. لكن البيت لشخص من صريفا، يؤجرهم الطبقة الأرضية من المنزل حيث يقوم شقيق عزت، جميل، بزراعة حقل خلفي وبيع ما ينتجه. فيما رجال العائلة يعملون في مهن مختلفة. بين الحضور، برز رجل أكثر حماسة. إنه قريب والد الشهيد، لكنه أيضاً والد مقاتلة تنتظر شفاءها من إصابتها لتمضي إلى الحرب مجدداً. يشغل هاتفه لعرض صور وأشرطة فيديو التقطت لها بالبذلة العسكرية. في أحد التسجيلات، تمشي بخفة في حقل لابسة بذلتها العسكرية، وتكشف عن يدها اليسرى المحترقة. باللغة الكردية وبابتسامة عريضة، تشرح لوالدها ظروف إصابتها وتتعهد مواصلة القتال حتى النصر.
راية حزب الله ترفرف بجانب راية حزب العمال الكردستاني. يرى أبو جميل أن الحزبين يقاومان حتى النصر في سوريا. يحملان عقيدة وإيماناً لا ينضبان. لذلك، الكثير من أكراد سوريا «فضلوا النزوح إلى الجنوب، موطن حزب الله».