تونس | أقيل صباح السبت رئيس «المجلس الإسلامي الأعلى» عبد الله الوصيف من منصبه على خلفية الرسالة التي وجهها الى مؤسسة الإذاعة التونسية مطالباً فيها بإيقاف برنامج «عيال الله» للدكتور يوسف الصديق (1943)، متهماً إياه بالإلحاد، ومشبهاً إياه بسلمان رشدي (الأخبار 2/7/2015). علماً أّنه في البرنامج، يحاور الإذاعي محمد صالح العبيدي الدكتور يوسف الصديق حول إشكاليات تتعلق بالإسلام والتاريخ والنبوة مع مساءلة فقهية للقرآن.
رئيس الحكومة الحبيب الصيد سارع إلى إقالة الوصيف بعد الحملة الكبيرة التي قادها مثقفون وإعلاميون وأكاديميون على «المجلس الإسلامي الأعلى» الذي تسيطر عليه «حركة النهضة». وأكد المستشار لدى رئاسة الحكومة المكلف بالإعلام والاتصال والثقافة ظافر ناجي لـ «الأخبار» إنّ إقالة الوصيف جاءت على خلفية تجاوزه صلاحياته. اذ لم يعلم رئيس الحكومة بفحوى مراسلته، كما أنّ صلاحياته كما حددها القانون لا تسمح له بذلك، فالمجلس ذو مهمة استشارية فقط، وتابع لرئاسة الحكومة. وكانت «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» أدانت تدخل المجلس الإسلامي في محتوى البرامج الإذاعية، معتبرةً إياه مؤشراً خطيراً قد يهدد حرية الإعلام. كما أدانت النقابة الوطنية للصحافيين رسالة الوصيف. وأصدر عدد من الجامعيين والمثقفين بياناً أدانوا فيه المجلس ورسالته الفضيحة، ووقعت عليه رجاء بن سلامة، عبد المجيد الشّرفيّ، نصر الدّين العفريت،عبد الحميد الأرقش، حاتم مراد، حمّادي صمّود، سامي العوّادي، هالة الحبيب، فتحي بن سلامة، جلال الغربيّ، هشام جوابر، سليم اللغماني، والحبيب القزدغلي وغيرهم. أما يوسف الصديق، فقال لـ «الأخبار إنّه « بهذه الرسالة، يشرّع المجلس الاسلامي الأعلى قتله»، محمّلاً الحكومة كامل المسؤولية إزاء ما قد يترتب عن رسالة التكفير هذه. وذكر الصديق أنّ هذا المجلس نفسه كان في عام ١٩٩٠ وراء أزمة كتاب «نحن نقص عليك أحسن القصص» (ألبوم صور مستوحاة من الآيات القرانية) التي أثارت آنذاك جدلاً كبيراً، وانتهت بسحب الكتاب من الأسواق، ومغادرة الصديق البلاد إلى باريس.
الأزمة التي أثارها رئيس «المجلس الاسلامي الأعلى» الذي يعتبر واحداً من رموز التشدد الوهابي، فتحت الباب لحملة أكبر تطالب بحلّ المجلس والاكتفاء بدار الافتاء كما كانت الحال قبل إطلاق المجلس مع تصاعد نفوذ الاسلاميين في نهاية الثمانينات. وتقود مجموعة من الكتاب والجامعيين المهتمين بظاهرة الإسلام السياسي والحركات الإسلامية كألفة يوسف، وآمال قرامي، ونائلة السليني، ورجاء بن سلامة، وأنس الشابي، وعادل لطيفي حملة لحلّ هذا المجلس الذي سعت «النهضة» في ٢٠١٢ الى تحويله «مؤسسة دستورية» ليكون جهازاً على شاكلة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية. إقالة الوصيف أثارت ارتياحاً في الشارع الثقافي التونسي، لكنها أكّدت مجدداً أنّ الطريق ما زال طويلاً أمام التونسيين في بناء تجربة ديمقراطية ودولة مدنية أساسها المواطنة لا الدين، لأنّ سوسة الإسلاميين والتشدد الديني تسربت الى كل مفاصل الدولة، وما زال الدرب طويلاً لحسم هذه المعركة.