وصلت الأزمة بين التيار الوطني الحر من جهة، وتيار المستقبل من جهة أخرى، إلى حائط مسدود. يصرّ التيار البرتقالي على «استعادة الحقوق»، فيما غريمه يريد «كسر» الجنرال ميشال عون، لكن من دون أن يعلن ذلك. لا مبادرات لحل الازمة؛ تراجع عون يعني انكساراً، وتلبية مطالبه تعني انكساراً أيضاً لـ»المستقبل». أما التعادل بينهما، فيعني تعطيل مجلس الوزراء، في ظل جمود باقي المؤسسات، وفراغ رئاسة الجمهورية، ووضع الملف اللبناني على الرف الإقليمي والدولي.
آخر مبادرة فاشلة كانت تتضمن اقتراحاً من تيار المستقبل بترقية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز إلى رتبة لواء، ما يمنحه سنة إضافية قبل إحالته على التقاعد. تيار المستقبل أراد «رشوة» عون من خلال القول إن هذا الاقتراح يؤجّل الاشتباك، ويمنح مرشح «الجنرال» إلى قيادة الجيش فرصة لخلافة العماد جان قهوجي مستقبلاً. لكن عون رفض هذه المبادرة لعدة أسباب، أوّلها أنه نمي إليه أن تيار المستقبل وبعض حلفائه بدأوا يعدّون العدة لطرح اسم قهوجي كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية. وثانيها أن زعيم التيار الوطني الحر لم يعد ينظر إلى المعركة اليوم على أنها معركة تعيينات، بل معركة تهدف إلى «استعادة حقوق المسيحيين». وبحسب بعض المقربين منه، فإنه يرى أن بقاء المسيحيين في لبنان يفرض التعامل معهم على قاعدة الشراكة والمساواة، لا على قاعدة «الذمية الداعشية»، سواء فُرِضَت هذه «الذمية» بسيف «داعشي» في سوريا والعراق، أو بربطات العنق المستقبلية في لبنان. ويذكّر عون بتجربة التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، حين زاره وزير الداخلية نهاد المشنوق، فقال له عون: فلنطبّق القانون، وليخلف بصبوص الأعلى رتبة في الامن الداخلي، وكذلك في الجيش، فليرحل قهوجي بعد انتهاء ولايته الممددة، ولنتفق بعدها على اللذين سيخلفان الاثنين.
محاولة لـ«رشوة» عون
بترفيع روكز الى رتبة لواء لمنحه سنة اضافية قبل التقاعد


لكن عون فوجئ بالضرب باقتراحه عرض الحائط، وبصدور قرار التمديد لبصبوص سنتين، والتوجه لتكرار الامر نفسه مع قهوجي، من دون الأخذ في الاعتبار رأي «الشريك المسيحي». ويستند عون حالياً إلى «التفاف مسيحي» حول موقفه. فحزب القوات البنانية يلتزم الصمت. لكن مصادر قريبة من قيادته ترى أن المشكلة حالياً هي بين عون والمستقبل، وعلى الاخير حلها مع «الجنرال». وفي كل الاحوال، يرى سمير جعجع نفسه كاسباً، سواء انكسر عون، أو تراجع المستقبل، أو تعادل الطرفان. ففي كل الحالات، سيجد حليفه نفسه محرجاً إن لم يخرج صوت «مسيحي وازن» لمواجهة عون. والاخير، سيدرك أهمية صمت القوات في حماية ظهره في أي تحرك سيقوم به. وحزب الكتائب لن يرفع شعاراً يواجه به شعار «استعادة حقوق المسيحيين».
الخطوة التالية، بحسب مقربين من الرابية، سيُحددها أداء «المستقبل» في جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل. ففي حال قرر التيار الأزرق «دفع الرئيس تمام سلام إلى التصرف كما لو أنه رئيس للجمهورية، فإننا سنقف له بالمرصاد. والخلاف لن يبقى داخل مجلس الوزراء، بل سينتقل إلى الشارع». قيادة التيار الوطني الحر لم تحدد بعد مسار التحركات. لكن الخيارات مفتوحة، أحدها «شل البلد للضغط على الحكومة». ولم يُسقط العونيون من خياراتهم إمكان التصعيد وصولاً إلى المطالبة باستقالة الحكومة. ويوم أول من أمس، عقد عون اجتماعاً في الرابية ضم نواب التيار ومنسّقي الأقضية. وتقرر في الاجتماع بدء العمل من أجل حشد مناصري التيار والعمل على تحفيزهم على أي مشاركة في الشارع تُطلب منهم. وتقرر أيضاً عقد اجتماع ثان للمجموعة ذاتها غداً الثلاثاء بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتل التغيير والإصلاح، لتقدير التقارير عمّا أنجز في المناطق على صعيد ما جرى الاتفاق عليه.
في المحصلة، لا مجال أمام عون للتراجع. والاتصالات الجدية مقطوعة. رئيس الحكومة يرفع شعار «الدفاع عن صلاحياته وقطع الطريق أمام كل الاجتهادات الدستورية التي سمحت لبعض الوزراء برفض جدول الأعمال بحجّة آلية التوافق داخل الحكومة». وفيما يذهب الوزراء الخميس المقبل «لاستكمال مناقشة جدول الأعمال المتضمن شؤوناً مالية وإدارية عالقة»، تنفي مصادر رئيس الحكومة وضع الدعوة إلى جلسة حكومية في «إطار التحدّي، بل على العكس، فالرئيس سلام شدّد خلال الجلسة الماضية أمام وزراء التكتّل على تفهمّه لموقفهم، ووصل به الأمر إلى حدّ توسّلهم السماح بتمرير بعض البنود الملحّة التي لا تحتمل التأجيل». لكنهم «يُصرّون على حرق البلد، كمن ينطح رأسه بالجدار». ولفتت المصادر أن إلى «المشكلة تكمن في أننا نحتاج وزراء عون وحزب الله في الحكومة ولا نستطيع السير من دونهم». وفيما لم يُعلن عون بعد شكل التحركات التي سيقوم بها في الشارع، قال وزير مستقبلي لـ»الأخبار» إنه «لا مانع من التواصل مع العماد عون من حيث المبدأ، لكننا لا نملك شيئاً نقدّمه له». وقال الوزير المستقبلي: «لقد وصل عون إلى نقطة لا يُمكنه التراجع عنها، لكننا لا نستطيع أن ندمر البلد لأجل موقع من هنا أو هناك»، لافتاً إلى أن «الاجتماعات التي سيعقدها الرئيس سعد الحريري في الرياض ستحدد سقف إدارة المعركة مع عون». من جهتها، قالت مصادر عين التينة لـ»الأخبار»: «لا شيء عندنا نقدّمه لعون. نحترم موقفه ومشاركتنا في مجلس الوزراء ليست موجّهة ضدّه، لكننا لا نرى مشكلة جوهرية تدفعه إلى تعطيل المؤسسات». ونفت المصادر «وجود قناة اتصال مع الرابية عبر حزب الله، وإن كنّا لسنا ضد التواصل مع عون». وتطرقت المصادر إلى «كلام وزير الخارجية جبران باسيل في البترون حين أعلن عن صرف 500 مليار ليرة لهذا القضاء»، معتبرة أنه «يناقض كلامه عن مصادرة الحقوق المسيحية، كما أن الجميع يعلم بأنهم حصلوا على التعيينات التي يريدونها في عدد كبير من المراكز المسيحية، وننصحهم بالتوقف عن هذه المغامرة».

الخطوة التالية يُحددها أداء «المستقبل» في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل

وفي سياق آخر، حمّل نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق قوى 14 أذار مسؤولية تعطيل البلد وتداعيات استمرار عدم تنظيم انتخابات للرئاسة. وردّ قاووق على وزير الداخلية نهاد المشنوق من دون أن يسمّيه، قائلاً: «ما معنى التحريض المذهبي، والجديد التحريض القومي، لإخافة اللبنانيين والعرب» من إيران؟ مشيراً إلى أن «من يحرّض مذهبياً أو قومياً ليس معتدلاً ولا وسطياً حتى لو كان وزيراً في الحكومة أو نائباً في المجلس النيابي». وأكّد أنه «تحت خيمة الاعتدال، يراد أن يبقى التكفيريون خنجراً في خاصرة الجيش والشعب والمقاومة».
من جهة أخرى، يبدأ الحريري اليوم اجتماعاته في الرياض مع أركان تياره. وتوجّه أمس إلى الرياض مسؤولون شماليون، منهم الوزير أشرف ريفي والنائبان أحمد فتفت ومحمد كبارة، حيث يستعدّ هؤلاء «لتقديم وجهة نظرهم واقتراحاتهم في سياق ترتيب البيت الداخلي لتيار المستقبل، تحت وطأة استفحال الخلافات الداخلية التي طفت على السطح بعد تسريب شريط رومية». وفيما استغربت أوساط سياسية «عدم جمع الحريري للقيادات في اجتماع واحد»، أشارت مصادر بارزة في التيار إلى أن «اللقاءات ستحصل بشكل منفصل نتيجة انشغال بعض القيادات في بيروت وعدم قدرتها على السفر معاً، ومنهم الوزير نهاد المشنوق».