في الاجتماع الاخير للرئيس ميشال عون مع وزيري التيار الوطني الحر جبران باسيل والياس بوصعب ونوابه ومنسقي الاقضية الاسبوع المنصرم، طُرحت اكثر من وجهة نظر لدى مناقشة خيار المواجهة بالشارع. بلا تحفظ أيده باسيل وبوصعب الذي فاتح وزير الداخلية نهاد المشنوق بالخيار، ورجح له ان يصير الى قطع طريق المرفأ كأولى علامات الاحتجاج والضغط على حكومة الرئيس تمام سلام من خلال الشارع. ردّ المشنوق: أبهذه الطريقة تعيّنون ضابطاً قائداً للجيش؟
أيد الاحتكام الى الشارع نواب في التيار، وتفادى آخرون الاسهاب فيه، وأظهر منسقون وجهة نظر مستمدة من حجم الحشود التي تجمعت لدى عون في الرابية، في الايام الاخيرة، كي يقولوا ان المتن وبعبدا كانتا فحسب الاقدر على حشد المحازبين والانصار والمؤيدين. وهو ما افتقر اليه الشارع الكسرواني والبتروني والعكاري وسواه.
بيد ان اسئلة ثلاثة نتجت من خلاصة هذا الاجتماع، لا تزال بلا اجوبة واضحة ونهائية:
ــــ حجم المشاركة الشعبية عندما يأمر عون بالنزول الى الشارع؟
ــــ المكان الملائم للنزول، واحد أو أكثر، في منطقة واحدة أو أكثر؟
ــــ الاستمرار فيه يوما واحدا او اكثر او الى وقت مفتوح؟
كان ثمة رأي قال بضرورة الأخذ في الاعتبار إحتمال تحوّل التيار الى صورة مطابقة لما هم عليه اهالي العسكريين الاسرى، اذ يتسبب بقطع الطرق في مكان او اكثر، ومن ثم تعطيل دورة الحياة اليومية وتوقع تذمر المواطنين منه. وهو ما يتلقفه اهالي العسكريين بلامبالاة.

المشنوق
لبوصعب: أبهذه الطريقة تعيّنون
قائداً للجيش؟


كانت قد بلغ الى عون كذلك رد فعل تيار المستقبل على خطوته المرجحة، في ضوء ما ينتظر الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء الخميس: ماذا لو اتخذ مجلس الوزراء قراراً كلف بموجبه الجيش وقوى الامن الداخلي منع اقفال أي طريق او فتحها بالقوة عند اللزوم؟
ذهب تيار المستقبل الى ابعد من ذلك بطرحه المعادلة الآتية: هل ان الجيش الذي سيُدعى الى فتح طرق اغلقت بسبب المناداة بتغيير قائده، هو نفسه الجيش الذي قد يدعى ربما الى موقف مماثل اذا عزم السنّة على تنظيم احتجاج على قائده شامل روكز بدعوى انه يتصرّف بانحياز أو أن ثمة متحفظين عن ادائه؟
في معزل عن قرار عون النزول الى الشارع، أكثر من حجة يتمسك بها أكثر من فريق داخل التيار الوطني الحر تسأل عن سبل إنجاح التجربة، وفاعلية تأثيرها على حكومة سلام لثنيها عن تكرار ما حدث الخميس الماضي.
بالتأكيد لا أحد يسعه تقويم نتائج جلسة الخميس الفائت وفق حسابات رابحين وخاسرين: لم يستطع وزراء تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله منع انعقاد الجلسة فور مباشرة الخوض في جدول الاعمال بعدما رفضوه، لكن الفريق الآخر العريض في الحكومة لم يسعه هو الآخر الخروج بأكثر من قرار واحد هو مساعدة المزارعين وتجنب غضب رئيس الحكومة وامتعاضه ومغادرته القاعة. وقد لا تصح مقاربة قرار مساعدة المزارعين على انه قياس صالح لتعميمه في كل جلسة لمجلس الوزراء، وفي كل قرار او موقف حتى، في ظل استمرار تصلب التكتل والحزب ورفضهما الخوض في جدول اعمال لا تتصدر التعيينات العسكرية والامنية بنوده، لاسباب شتى منها:
1 ــــ ان مساعدة المزارعين قرار محق ومشروع، وقد يكون ملحاً. لا يحتمل موقفاً سياسياً، ووقف حزب الله ضده رغم ان قسطاً من قاعدته الشعبية في البقاع خصوصاً يستفيد منه. بيد أن أكثر من طرف في حكومة سلام يستفيد منه في غير منطقة. أقرّ تحت وطأة العبء الاجتماعي والاقتصادي، إلا أن الفريق المناوىء لعون إنتهز اتخاذه كي يوحي بحتمية تعميمه.
2 ــــ ان الاعتقاد بامكان إمرار مجلس الوزراء أي قرار يطرح عليه على غرار ما حصل الخميس الفائت، ينطوي على الكثير من المبالغة وسوء التقدير وربما الغطرسة. وقد يعني أن في وسع الحكومة العمل كما لو أن حزب الله والتيار الوطني الحر غير ممثلين فيها، أو في أحسن الأحوال، لا مغزى لوجودهما فيها ولا فاعلية لهما.
3 ــــ ان التعاطي مع التكتل والحزب على انهما مكوّنان حسابيان لا يملك أي منهما أداة تعطيل نصاب مجلس الوزراء، لا الثلثان لانعقاده واتخاذ القرارات في المواضيع الاساسية المنصوص عليها في المادة 65 ولا النصف+1 لاتخاذ القرارات العادية، يفيد بأن الفريق الآخر لا يُعدّهما مكوّنين سياسيين كانا ــــ كسواهما ــــ في صلب تأليف الحكومة واستمرارها. إلا أنه يقوّض أيضا القواعد التي أرسى عليها سلام بنيان حكومته مرتين على التوالي: الاولى عند تأليفها بتمسّكه بتمثيل كل الافرقاء فيها صمام امان استمرارها وكان منوطا بها في شباط 2014 مهمة إنتقالية محددة هي الاشراف على الانتخابات النيابية عامذاك بعد تمديد 2013، والثانية على أثر شغور رئاسة الجمهورية فأدخل بقرار شخصي التوافق في صلب آلية عملها في وضع جدول الاعمال واتخاذ القرارات وتوقيع مراسيم القرارات باسم رئيس الجمهورية. أتاحت القواعد تلك، رغم خضّات عابرة من بينها اعتكاف سلام نفسه، المحافظة على وحدة حكومته وتماسكها وتضامنها.
على مرّ مرحلتيها هاتين، عوّلت حكومة سلام على مكوّناتها السياسية ــــ لا العددية ــــ التي مكنتها من إصدار سلسلة تعيينات وإدارة سياسة خارجية متوازنة والمحافظة على الاستقرار الامني. على أنها تصبح اليوم أمام امتحان مختلف تماماً، قد يمسي مشوباً بعلة أن لا مبرّر لاستمرارها ما دامت لم تعد هي نفسها.