تسع سنوات مرت على عدوان تموز غيّرت أموراً كثيرة لدى أبناء القرى الحدودية، «وبدّلت نفوساً وأنبتت أجيالاً لا تعرف الخوف». بعد التحرير عام 2000 «كان واضحاً أن أبناء القرى المحتلة خرجوا الى عالم آخر لم يعتادوا التعامل معه. خرجوا من سجن كبير تعودوا فيه السكوت والخوف ولزوم المنازل باكراً وعدم التحدث في السياسة وما يمكن أن يؤثر في هدوء حياتهم المخيف»، يقول أحد شباب المقاومة ممن دخلوا الى الشريط المحتل بعد التحرير. ويوضح: «تغيير النفوس كان صعباً جداً، سيما بين كبار السن، لذلك فضّلنا التعاون مع المراهقين علّنا نساهم في خلق جيل مقاوم جديد أكثر جرأة».
ما حصل في حرب تموز «قلب الدنيا رأساً على عقب». بدا الأهالي، بعد العدوان، مختلفين جداً، وأكثر جرأة وقدرة على التعبير والمواجهة. «شعر المقيمون داخل المنطقة المحتلة أنهم قادوا عملية مسح العدو وجبروته من ذاكرتهم». يقرّ السبعيني محمد حيدر (عيترون) أن «الخوف من الاحتلال ظلّ قائماً في نفوس الكثيرين بعد التحرير، رغم علمهم بهزيمته واندحاره. لكن حرب تموز أزالت هذا الخوف الى الأبد. كانت ذاكرتنا مليئة بصور عنف الجلادين وحوادث القتل والأسر والتجنيد الاجباري. لمسنا للمرة الأولى طعم هزيمة الجلاد».

«مشاركة مئات
الشبان في الحرب أسّست لنشأة جيل يواجه
اليوم ما نتعرض له»

ثلاث مجازر شنيعة تعرضت لها عيترون ليتجاوز عدد شهداء البلدة 54 شهيداً، أغلبهم من الأطفال. أرملة الشهيد حسن عواضة، التي فقدت زوجها وطفلها حسن (3 سنوات)، نجت وثلاثة من أولادها من الموت بعد أن سقط المبنى عليهم. تقول: «وجدنا أنفسنا تحت الركام حتى انقطع الهواء، وبدأنا نختنق، قبل أن يدركنا المسعفون من الأهالي». تقول: «كان الخوف أصعب من المجزرة نفسها، لكن الانتصار حرّر شيئاً في داخلنا لا نستطيع وصفه. لذلك إن وقعت الحرب ثانية فسنبقى هنا في منزلنا ولو وقع الموت علينا».
يرى محمد (32 سنة)، أحد الذين قاتلوا ضد العدوان، أن «مشاركة مئات الشبان في حرب تموز أسّست لنشأة جيل قادر وقوي يواجه اليوم ما نتعرض له. حرب تموز كانت فرصة مميزة، ليس لإلحاق الهزيمة بإسرائيل، بل لأنها درّبت جيلاً كاملاً على كيفية الصمود والتعامل مع السلاح بحكمة وثقة». يروي كيف كان «شباب بلدة عيتا الشعب، وهم دون الثماني عشرة، يبتكرون أساليب للمواجهة، حتى إن بعضهم كانوا ينتظرون دخول جنود العدو الى المنازل فيرمون الحجارة الى داخلها، فيخاف الجنود ويهربون منها ليموتوا برصاص الشباب».
في 12 تموز 2006، وبعد عملية «الوعد الصادق» التي شنّها رجال المقاومة الاسلامية في خلّة وردة مقابل بلدة عيتا الشعب بقيادة الشهيد خالد بزي (الحاج قاسم)، سمع أبناء عيتا عبر مكبّرات الصوت تهديدات العدوّ الاسرائيلي، «وهو أسلوب اعتاده جيش الاحتلال خلال فترة احتلاله، لكنه للمرة الأولى يواجه بطريقة مختلفة. في حرب تموز انتهى معها زمن التهديد والوعيد»، بحسب أحد أبناء عيتا الشعب.
حتى اليوم يتباهى شباب بلدة حولا (مرجعيون) بالعملية التي نفذها شباب المقاومة في بلدتهم أثناء الحرب، عندما قصد جنود «كوماندوس» منزلاً في مدخل البلدة، «كان ينتظرهم داخله عدد من المجاهدين. وبوصول الجنود الغزاة الى مدخل المنزل وقعوا في الكمين لتغطي دماؤهم أرض البيت». قصص كثيرة يرويها أبناء المنطقة ويعتبرونها «مدخلاً وفاتحة خير أسّست لنشأة أجيال لا تعرف الخوف ولا الهزيمة».