حتى الاتفاق النووي الواحد، يبدو قد انشطر اتفاقين متباينين وقراءتين متناقضتين في لبنان. لكل من فريقي الصراع اتفاقه وقراءته وتوقعاته وإرهاصاته.من وجهة نظر 14 آذار أولاً، أن الاتفاق بين إيران والغرب لم يكن متوقفاً منذ أعوام، لا حول تقنيات التخصيب ولا حول نتائجه السياسية. يجزم أحد صقور هذا الفريق بأن العقدة الوحيدة التي ظلت تؤخر الاتفاق، كانت تلك المخفية وغير المعلنة، لا بل كبرى القطب السرية المحاكة بين سطور صفحاته المئة: ماذا عن حصة اسرائيل فيه؟ وحصة اسرائيل، يتابع الركن الآذاري، تعني بوضوح كامل أمرين اثنين: أمن اسرائيل ومصالحها في المنطقة.

وهذان الهدفان الاسرائيليان لا بد أنهما قد تم الاتفاق حولهما، ضمن الملاحق السرية لاتفاق فيينا. وهو ما سيفاجئ حسابات المهللين للاتفاق النووي في المحور الإيراني. لا بل، يتابع المسؤول الآذاري قراءته بشكل أوضح: هذان الهدفان يشملان بلا شك وضع حزب الله في لبنان وسوريا، ووضع سوريا المتفجر، وصولاً إلى كل الملفات العربية التي تورطت فيها طهران. باختصار، يجزم المسؤول الآذاري بأن إيران هي من سيدفع في الملفات العربية، بنتيجة اتفاق فيينا. ولن تكون هي من سيقبض.
ليست قراءة القطب الآذاري مجرد تخمين أو تحليل. بل يسوق لتزكيتها وتأكيدها سيلاً مما يراه أدلة وبراهين: أولاً كلام السيد حسن نصرالله مساء الجمعة الماضي، وتوقفه لدقائق طويلة عند موقف إيران من الكيان الاسرائيلي ومبدئية السيد خامنئي حيال هذه المسألة ورفض إيران المطلق لأي تنازل على هذا الصعيد... كل ذلك، بحسب الركن الآذاري، مؤشر واضح على أن المسألة مطروحة. لا بل طرحت، وربما اتفق عليها، والأرجح أنها ذللت. كيف؟ لننتظر ونرَ. ثانياً، حماسة الموقف الفرنسي. فالكل يعلم أن باريس كانت الأكثر تعنتاً من بين مجموعة الست حيال الاتفاق مع طهران. وهي من عرقل محاولات سابقة للحل. وذلك لأسباب عدة، تتراوح بين السياسة والمصالح الاقتصادية ربما، وتموضع الإدارة الفرنسية تقرباً من الرياض ومناوءة لطهران. فجأة وافقت باريس على صيغة فيينا. لا بل باتت متحمسة لها ومسرعة لزيارة العاصمة الإيرانية. لماذا؟ يقول الآذاريون إن لديهم معلومات مؤكدة بأن مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى، كان قد زار العاصمة الفرنسية قبل أسابيع. وإنه عقد خلوة طويلة جداً مع خلية الأزمات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية التابعة للإدارة هناك. في محصلة الخلوة، طرح الفرنسيون على المسؤول السعودي فكرة تحركهم باتجاه واشنطن، لإقناع الأميركيين بإدراج بند إبعاد بشار الأسد عن دمشق، مع الإبقاء على نظامه، على أجندة التفاوض مع طهران. رد المسؤول السعودي بأن هذا الطرح مرفوض لأنه متواضع جداً. وبأن الحد الأدنى المقبول هو الإطاحة بالأسد وبنظامه، وإقامة حكم جديد في دمشق، يتولاه المعارضون المدعومون من السعودية. ذهب الفرنسيون بعدها لعرض الأمر على الأميركيين. لم يتمكن الآذاريون من معرفة جواب واشنطن. غير أن دعم باريس لاتفاق فيينا وحماسها لترجمته والبدء بتحقيق مفاعيله، مؤشران بحسب الآذاريين إلى أن الأمر قد تم، وأن الصفقة قد أقرت.
دليل ثالث يسوقه الآذاريون، يقولون إنه بعد أيام قليلة ستقرأون كلاماً واضحاً وصريحاً للرئيس الأميركي باراك أوباما، يقول فيه أن أكثر ما شجعه على المضي في اتفاق فيينا هو الموقف الروسي الإيجابي جداً حيال رؤية واشنطن نفسها لأزمات منطقة الشرق الأوسط. لا بل أكثر من ذلك، سيكشف أوباما أنه تلقى اتصالاً من الرئيس الروسي، بحث خلاله معه في الوضع السوري تحديداً، وفي مصير الرئيس الأسد! هل يعقل أن يكون بوتين قد ناقض موقفه المعلن قبل أيام حيال دعمه الأسد؟ فلننتظر أيضاً، يقول الآذاريون، ولنترقب كلام أوباما...
يبقى دليل رابع، ماذا حصل على الأرض في اليمن، في شكل متزامن مع اتفاق فيينا؟ مجرد مصادفة؟ الأكيد أن موازين القوى في حروب المنطقة لا تعرف الارتجال ولا المصادفات.
يبتسم أنصار الفريق المقابل حيال القراءة الآذارية لاتفاق فيينا برمتها. هي مثال للتفكير بحسب التمني يقولون. لا شيء جدياً فيها إلا رغبات أصحابها. يقول أصدقاء طهران إن من يقرأ صفحات الاتفاق المئة ونيف، يكتشف تفاصيل ما حققته إيران في مواجهتها مع الغرب. حتى البرامج المعلوماتية، وأسماء موردي تكونولوجيا الإنترنت المحظورة عليها، تضمنها الاتفاق، لجهة رفع الحظر وإلغاء العقوبات وفتح طهران على العالم الغربي. فضلاً عن تتويج ذلك بقرار أممي يشكل تصديقاً من قبل الشرعية الدولية لحق إيران النووي. ثم، كيف لدولة بهذا الحجم المقبل، وبواردات من رتبة ثمانية أصفار في غضون ستة أشهر، وباحتياط غازي هو الثاني في العالم ونفطي هو الرابع دولياً، وبانفتاح غربي يشبه الهرولة أو حتى التسابق الأوروبي ــــ الأميركي على الاستثمار فيها... كيف لها في المقابل أن تدفع ثمناً؟! وأين؟ في سوريا وفي لبنان؟! أي في المكانين اللذين شكلا العامود الفقري لصمودها ومسرح كباشها الذي ساهم في إقناع الغرب نفسه بالذهاب إلى الاتفاق معها. أكثر من ذلك، يقول أصدقاء إيران، من يقرأ اتفاق فيينا، يكتشف بوضوح جلي، أن الغرب أعطى طهران حقها الكامل في استيراد السلاح لمحاربة الإرهاب. والأهم حقها في تصديره لهذه المهمة أيضاً. تصديره لمن؟! هنا يكمن أصلاً جوهر اتفاق فيينا. وهنا تكمن العلة الأساسية التي دفعت الغرب إلى إبرامه. أن إيران ستكون جزءاً من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ومكافحة أنشطته واستئصال جماعاته. ومن لا يفقه هذه المسألة، سيكون غائباً عن نتائج فيينا كما عن مشهد الشرق الأوسط لما بعد فيينا.
هل يعقل إذن أن تكون إيران قد ربحت كل شيء؟ يجيب أصدقاؤها: أنظروا الآن إلى أفغانستان، وإلى الدور الإيراني في مساعدة واشنطن على الانسحاب من مستنقعات كابول. هناك حيث صارت منظمة شانغهاي تضم إسلام آباد، وحيث ينفتح أفق العالم الجديد، خصوصاً بالنسبة إلى الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً... تبقى مسألة اسرائيل؟ غزة هي الجواب الإيراني الوحيد حيال هذه القضية. إلا إذا كان بعض الآذاريين حريصاً على أمن الكيان الصهيوني أكثر من واشنطن نفسها!