«دَفْع تركيا إلى الانخراط بضرب داعش في سوريا هو ما كان يعمل عليه الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ عام ٢٠١٤. لذا، فالتوصل إلى ذلك يعدّ إنجازاً مهمّاً طال انتظاره»، يكاد يجمع المحللون الغربيون بعد بدء ظهور أولى نتائج اتفاق واشنطن ـ أنقرة منذ نحو أسبوع. إذ إن السماح للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية التركية سيوفّر وقتاً ثميناً للقوات الأميركية التي تقصف «داعش»، كرّر المحللون العسكريون إذ «لا يمكنك السيطرة بإحكام على قصف أهدافك من على بعد ٤ ساعات (أي من قاعدة انطلاق الطائرات في الكويت حالياً)، لكن يمكنك فعل ذلك من مسافة ١٠ دقائق (من قاعدة إنجرليك التركية)»، شرح هؤلاء. ميدانياً إذاً هو «إنجاز أميركي مهم» ضمن عملية استهداف مواقع «داعش» في سوريا، حسب البعض.
وإضافة الى المكسب العسكري، ركّز البعض الآخر على ما ذكره بعض المسؤولين الأتراك حول إقامة «منطقة آمنة» على الحدود مع سوريا، فاعتبروها «خطوة تمهيدية لإنشاء منطقة عازلة أو منطقة حظر جوّي لاحقاً هدفها الحدّ من قدرات الجيش السوري الجوية، خصوصاً في شمال سوريا»، وهو المطلب الذي ظلّ رجب طيب أردوغان متمسكاً به في محادثاته مع الولايات المتحدة الأميركية طوال الفترة الماضية. لكن، بعض الصحافيين شرحوا أن «فرض منطقة حظر جوّي في الشمال السوري ما زال صعب المنال، إذ لا يمكن تحقيقه باتفاق بين واشنطن وأنقرة فحسب، بل هو يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن بموافقة روسيا والصين».

توافد المئات من أساتذة وطلبة الجامعات للتطوّع والتدرّب على السلاح

وفي هذا السياق، أشار البعض إلى «هوّة الاختلاف» بين الطرفين الأميركي والتركي، «اختلاف في اللغة المستخدمة»، فالأتراك قالوا إن «المنطقة الآمنة ستشبه منطقة الحظر الجوّي»، بينما قال الأميركيون إن «المباحثات حول هذه النقطة ما زالت مستمرة»، مذكّرين بأن واشنطن رفضت مراراً المشاركة في فرض الحظر الجوي شمال سوريا خشية من أن يفتح ذلك جبهة جديدة مع النظام السوري إلى جانب الجبهة المفتوحة ضد «داعش». هي منطقة «آمنة» وليست منطقة «حظر جوي» إذاً شدّد بعض الصحافيين الأميركيين شارحين أهمية إنشائها من أجل عودة بعض اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطقهم. لكن من سيحكم تلك المنطقة «الآمنة»؟ وهل ستكون «آمنة» فعلياً؟ لا يجيب المحللون الأميركيون عن ذلك، بل يكتفون بما جاء على لسان بعض المسؤولين حول تسليم سلطة تلك المنطقة إلى «قوات معتدلة سورية درّبها البنتاغون في تركيا منذ فترة».

حملة متزامنة ضد الأكراد

ضرب تركيا لـ«حزب العمّال الكردستاني» تزامناً مع ضربها بعض مواقع «داعش» هو ما كثرت حوله الأسئلة في معظم التحليلات الغربية، رغم نفي المسؤولين الأتراك والأميركيين أي علاقة بين الهجومين. فهل هو جزء من الاتفاق؟ هل باعت واشنطن أحد أبرز حلفائها في الحرب ضد داعش؟ سأل المحللون. «من تداعيات كسب إذن تركيا باستخدام قاعدتها الجوية قد تكون واشنطن سمحت لأنقرة بسحق القوة الميدانية الوحيدة التي أثبتت فعاليتها في محاربة داعش» قال دان دي لوس في مجلة «فورين بوليسي». المقال ينقل من جهة أخرى عن بعض المسؤولين الأميركيين قولهم إن الرئيس أوباما «يقدّر جيداً أهمية الأكراد في الحرب ضد داعش ولا ينوي التخلّي عنهم». صحيفة «ذي وول ستريت جورنال» أشارت إلى مسألة «التمييز بين حزب العمال الكردستاني وقوات الحماية الشعبية الكردية»، إذ إن «واشنطن دعمت ضرب تركيا لحزب العمّال الكردستاني من باب الدفاع عن النفس، لكنها لم تتطرّق إلى آثار ذلك على وحدات حماية الشعب (الكردية) في سوريا والصلة بينهما».
«ذي نيويورك تايمز» شرحت من جهتها أن الهدف التركي هو «الحدّ من انتشار الأكراد على طول حدودها»، لكنها قالت إن هذا «التهديد» يمكن «حلّه بالمفاوضات وليس من خلال التصعيد العسكري». الصحيفة الأميركية أشادت بنيات تركيا «الجدّية أكثر من أي وقت سابق بمحاربة داعش عسكرياً وقطع طرق إمداده بالمقاتلين والأموال»، لكنها أضافت أن «الحملة التركية المتزامنة ضد الأكراد ستهدد جدّياً بإفشال كل تلك الجهود». «دخول تركيا في معركة مفتوحة جديدة مع الأكراد سيصبّ في مصلحة داعش والنظام السوري» رأى محللون آخرون، محذّرين أوباما وأردوغان من أن يكون استهداف الأكراد جزءاً من الاتفاق الذي لم تتضح كافّة جوانبه بعد.