القاهرة | الطموحات التي رافقت انطلاق موقع «دوت مصر» في كانون الأول (ديسمبر) عام 2013 تركّزت على أنّه سيكون موقعاً إخبارياً شاملاً ومتنوّعاً، يضمّ كافة الأطياف السياسية، وإن كان ولاؤه سيكون للفريق أحمد شفيق، المرشّح الخاسر في انتخابات الرئاسة المصرية 2012. التمويل الإماراتي للموقع كان يعني رغبة أبو ظبي ودبي في وجود أذرع إعلامية لهما في الشارع المصري تدعم مواقفهما السياسية، خصوصاً مع الدعم الذي يلقاه شفيق من الإمارات، بعد خروجه من مصر مع إعلان فوز غريمه محمد مرسي في انتخابات الجمهورية. أسس الموقع في ذلك الحين عبد الله كمال، أحد أبرز الوجوه الصحافية المحسوبة على نظام محمد حسني مبارك.
لكن كمال أظهر تنوّعاً في الرؤى السياسية، إلى جانب تطوّر تقنيّ في ما يتعلّق بتصميم الموقع والخدمات التي أهلته لأن يصبح قناة تلفزيونية عبر الإنترنت، وليس فقط موقعاً صحافياً يعتمد على التقارير المكتوبة. ازداد الطموح وقتها إلى حدّ إطلاق قناة عبر الـ «نايل سات» تحمل الإسم نفسه، وصدور نسخة أسبوعية مطبوعة، لتأتي الوفاة المفاجئة لعبد الله كمال في حزيران (يونيو) 2014 وتذهب بـ «دوت مصر» إلى نقطة مختلفة تماماً. بعد رحيل كمال، اتجهت الأنظار إلى أسماء لتولي المسؤولية من بينها أنور الهواري أوّل رئيس تحرير لجريدة «المصري اليوم»، ومحمود مسلّم رئيس تحريرها الحالي. كانت الترشيحات تدل على أن «دوت مصر» جاء لمنافسة الكبار، كما أن التمويل السخي أسهم في ترسيخ هذه الصورة. لكن ما حدث كان قيادة مدير التحرير خالد البري هذه السفينة. خيار رآه الصحافيون في الموقع وقتها مناسباً، حتى لو كان البري بعيداً عن ممارسة العمل الصحافي داخل مصر. كما أنه لا يوجد في سجّله أيّ إنجازات في هذا الصدد. حدث بعد ذلك أن تأخرت عودة أحمد شفيق إلى مصر وباتت شبه مستحيلة منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، ربما قلقاً من الكتلة الشعبية التي لا تزال تناظر آخر رئيس وزراء في عهد مبارك. أما الموقع، فسار في اتجاهات مغايرة تماماً لما بدأ به. تم مسح أرشيف عبد الله كمال، والاطاحة بكل القيادات التي اختارها، وبات تركيز الموقع الأكبر على أخبار الجنس والعناوين الصادمة، إلى جانب التعامل مع أخبار إسرائيل باعتبارها دولة عادية لا عداء بينها وبين العرب! فأين الأهداف التي من أجلها تمول الإمارات الموقع؟ وما هي الشخصية التي يتميّز بها «دوت مصر»؟. لم يعد أحد يبحث عن إجابات على هذه الأسئلة، خصوصاً مع تسريح عشرات المحرّرين قبل أشهر، ثم دخول الموقع في أزمة مالية لسبب غير مسبوق ربما في تاريخ الصحافة المصرية. إذ حرمت الإدارة المحررين من مرتبات شهر أيار (مايو) الماضي، بدعوى تعرّض الموظف المختصّ لسرقة المبلغ بالكامل وهو في طريقه من المصرف إلى مقرّ الجريدة. بات الصدام يوميّاً بين المحرّرين والإدارة التحريرية والمالية، وظهر أخيراً الممولون في محاولة لتهدئة الأوضاع داخل الموقع حتى يقوم من كبوته. كما انقسم المحررون بين مطالبين بحقوقهم المالية، وبين مشددين على إقالة خالد البري وإعادة «دوت مصر» إلى نهجها الأول. وسط ذلل، طالب الإماراتيون المحرّرين بالتوحّد من أجل استمرار «دوت مصر» وجدّدوا الثقة برئيس التحرير، ليبقى الوضع على ما هو عليه.